عكس كل التوقعات، تحققت في الإنتخابات التشريعية ليوم أمس الجمعة نسبة مشاركة مرتفعة بالمقارنة مع الإنتخابات السابقة. المشاركة ارتفعت بثماني نقط مخيبة بذلك آمال الداعين لمقاطعة مكاتب التصويت التي يصل عددها 38 ألف و 190 مكتب موزعة على التراب الوطني في اقترع شارك فيه أكثر من ثلاثين حزبا ممثلين ب 7100 مرشح لاختيار 395 نائبا مجلس النواب . نسبة المشاركة ظلت الهاجس الأساسي لكل الأحزاب السياسية وكذا السلطات العمومية، ولذلك كثفت من الحملات الدعائية في الإذاعة والتلفزيون وشبكة الأنترنيت و الملصقات الدعائية في الشوارع والتي تحث المغاربة على اختيار ممثليهم في صناديق الإقتراع وممارسة واجبهم الوطني وحقهم الدستوري. حين انطلق التصويت في الصبيحة تباينت نسب المشاركة عبر جهات المملكة، ففي الأقاليم الصحراوية كما هو العادة سجلت نسب مشاركة مرتفعة عكس الأقاليم الشمالية التي لم يكن الإقبال على صناديق الإقتراع فيها كبيرا، وتباينت أيضا بين المدن الكبرى والقرى التي تعرف اقبالا مكثفا باستثناء مناطق عرفت توترات وحركات احتجاجية قررت المقاطعة بنسب متفاوتة. لم تتعدى نسب المشاركة على الصعيد الوطني في الصبيحة سوى 4 بالمائة، لكنها سترتفع في حدود منتصف النهار إلي 11,50 بالمائة قبل أن ترتفع مباشرة بعد صلاة الجمعة إلى 22 بالمائة ثم إلى 34 بالمائة في حدود الخامسة زوالا، لترتفع إلى الضعف أي ما يناهز 45 بالمائة حسب ما أعلن عنه وزير الداخلية الطيب الشرقاوي بعد اغلاق مكاتب التصويت في حدود السابعة مساءا. مقارنة بالإنتخابات التشريعية السابقة فإن نسبة المشاركة في انتخابات أمس أكبر من انتخابات سنة 2007 لكنها أقل بكثير من نسبة المشاركة في كل الرنتخابات السابقة. مما يعني أن العزوف عن المشاركة متواصل وأن الثقة في مصداقية صناديق الإقتراع والمصالحة مع السياسية لا تزال تلقي تشكل تحديا كبيرا. إن نسبة المشاركة في الانتخابات بالمغرب من خلال الأرقام، تشكل معطي يحيل على الكثير من التحاليل. فانتخابات 1963 شهدت نسبة مشاركة بلغت 78 في المائة قبل أن ترتفع في انتخابات 1977 إلى82,36 في المائة وإلى 67,43 في المائة في انتخابات 1984 وتنخفض بخمس نقط في اقتراع 1993 إلى63,9 في المائة وبتسع نقط في انتخابات 1997 لتبلغ 58,3 في المائة قبل أن تستقر في نسبة 51,61 في المائة في انتخابات 2002 لتتراجع بنسبة كبيرة إلى 73 في المائة في انتخابات 7 شتنبر 2007 لتدخل المشاركة الانتخابية منذ أول انتخابات شهدها المغرب المستقل منحى تناقضي حتى وإن كان التصويت « حق وواجب وطني»، ولذلك ظل هاجس المشاركة الهم الأساسي في الإنتخابات الحالية وإن كذبت صناديق الإقتراع كل التكهنات بعد أن ارتفعت نسبة المشاركة بثماني نقط في انتخابات الجمعة 25 نونبر الجاري، وإن اعتبرها دعاة المقاطعة انتصارا لهم. ما يساعد أكثر على ظاهرة العزوف الانتخابي عدم التسجيل في القوائم أو اللوائح الانتخابية، فالكتلة الناخبة الأصلية تبلغ 24956953 ناخبا، لكن المسجلين في اللوائح دلا يتعدى نحو 13 مليون مسجل لم تشارك منها سوى نسبة 45 بالمائة، وهي التي تمثل نسبة 24.29 في المائة من الكتلة الناخبة الحقيقية، فيما لم تشارك يقيد في اللوائح 11481518 مواطن. لكن خالد الناصري وزير الاتصال الناطق باسم الحكومة، اعتبر أن نسبة المشاركة التي تم تسجيلها في الانتخابات التشريعية ل 25 نونبر دليل واضح على أن المغرب يشهد انطلاق مسلسل سياسي يتسم بالنضج». واعتبرها أيضا رئيس المركز المغربي متعدد التخصصات للدراسات الإستراتيجية والدولية، السيد عبد الحق عزوزي في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء بأنها «تعكس أيضا نضج المغاربة من أجل تغيير العادات السياسية التي أضحت جزء من الماضي» مشيرا إلى أن الأمر يتعلق كذلك ببروز مؤشر للثقة في العلاقات بين الأحزاب والناخبين». وأبرز السيد العزوزي أن «هذه الثقة المسترجعة ستمكن، بما لا شك فيه، من تجديد النخبة، وتعزيز المد التحرري في المجال السياسية، وتأكيد الاستثناء المغربي في منطقة مغاربية وعربية تشهد الغليان». رغم أن نسبة المشاركة معقولة بالمقارنة مع النسب التي تسجل في دمقراطيات عريقة، فإنه لم يتبين لحد الآن عدد الأصوات الملغاة والتي قد تضعف نسب المشاركة الحقيقية على اعتبار أن الأصوات الملغاة يمكن أن تقرأ قراءتين أولهما أن أصحابها تعمدوا ذلك للمشاركة الشكلية دون قصد اختيار ناخب ما وهدة الفئة يمكن أن تحسب مع المقاطعين، لكن آخرين قد يكونوا أخطأوا أثناء الإختيار. فخلال اقتراع 7 شتنبر 2007، شارك في الاقتراع 34 في المائة من المسجلين في اللوائح الانتخابية وفيما بلغت نسبة البطاقات الملغاة 19 في المائة من الكتلة التي شاركت في عملية الاقتراع، بما يعني أنه داخل الكتلة التي وجهت إلى صناديق الاقتراع، توجد كتلة لا مبالية تجاه العملية الانتخابية وترفض العرض الانتخابي المقدم بوضع بطاقات بيضاء ملغاة، وهو ما قد يسجل في انتخابات 25 نونبر. لقد ذهبت التحليلات أثناء تسجيل ارتفاع نسبة العزوف عن المشاركة في العمليات الانتخابية في الإنتخابات السابقة إلى أن ذلك يرتبط بأسباب ذات صبغة سياسية لها علاقة بفقدان المصداقية برجل السياسة وضعف مضمون الحملات الانتخابية والعرض الانتخابي، والتي جعلت صندوق الاقتراع لا يغري بالمشاركة، ولكن اقتراع أول أمس الجمعة والتي تم في ظروف مغايرة تماما أهمهما الغضب الشعبي بالعديد من دول المنطقة وقيام ثورات بها واسقاط أنظمتها وكذا غليان الشارع المغربي بتواتر مسيرات 20 فبراير الداعية للمقاطعة إلى جانب بعض مكونات اليسار، كل ذلك يجعل النسبة المسجلة تفنذ التكهنات بتراجع منطق العزوف لصالح منطق المشاركة.