مع مقدم كل صيف، وبمناسبة موسمها الثقافي الدولي، تجدّد أسوار وجدران بيوت المدينة القديمة لأصيلة رداءها ناصع البياض الممزوج بلون البحر والسماء الأزرق، وتتدثر بأبيض أكثر نصعا، يجعلها أشبه بلوحة تشكيلية ممتدّة تسحر الناظرين. وتتميز حارات المدينة القديمة الضيقة لأصيلة بالنظافة، وفي كل ركن من أركانها ثمّة لوحات تشكيلية مخطوطة بالأنامل المبدعة لفنانين من أبناء المدينة ومن خارجها، يجري تزيين الجدران بها لاستقبال الزوار الوافدين من مختلف مناطق المغرب ومن الخارج، وضيوف الموسم الثقافي. لكل جداريّة من جداريات المدينة القديمة بأصيلة حكاية ورسالة تقرؤها أعين الناظرين دونما حاجة إلى حروف أو كلمات. وقد تتم الاستعانة بكلمة واحدة تحمل معاني ودلالات كثيرة، ورسالة إلى الإنسانية جمعاء؛ كما هو حال أوَّل جدارية تستقبل الزائر في مدخل المدينة القديمة. في جدارية تتوسّط سورا مجاورا لمسجد صغير، خطّتها أنامل الفنانة هبة الخمليشي، وهي واحدة من الفنانات الشّابات اللواتي دأبن على الحضور في موسم أصيلة الثقافي الدولي، ثمّة رسالة واضحة مختصرة في كلمة واحدة بلغات مختلِفة، ومحمولة على جناحي حمامة: السلام. لا تمكث الجداريات سوى عام واحد فقط، لتحلّ محلّها جداريات جديدة مع حلول الموسم الثقافي الدولي لمدينة أصيلة، الذي بلغ هذه السنة دورته الثامنة والثلاثين، وتُعتبر الجداريات ركنا من أركانه الأساسية. في السنة الماضية اشتغل الفنانون الموكولة إليهم مهمّة تزيين أسوار المدينة القديمة لأصيلة على موضوع مشترك، وهو تكريم الشاعر المغربي فريد بلكاهية. وشارك في المبادرة فنانون مغاربة معروفون، منهم الفنانة مليكة كزناي، فضلا عن فنانين من خارج البلاد. وهذه السنة لم يتم تحديد تيمة معينة للجداريات، بل تُرك المجال مفتوحا أمام الفنانين الأربعة عشر الذين سهروا على رسمها، وهم من معهد الفنون الجميلة بتطوان، للتعبير بحرية، كما أوضح محمد العنزاوي، مسؤول ورشة الصباغة بمؤسسة منتدى أصيلة. ويعوّل مسؤولو مؤسسة منتدى أصيلة على المشاغل الفنّية التي يستفيد منها أطفال المدينة طيلة أيام الموسم الثقافي ليكوّنوا خلفا للأسلاف. وفي هذا السياق تمّت برمجة رسم جداريةٍ جماعية من طرف الأطفال المستفيدين من مشغل الصباغة هذه السنة، وعددهم يناهز 100 طفلة وطفل.