يحرص العديد من زوار اصيلة خلال ايام فصل الصيف، على توثيق مرورهم من أزقة هذه المدينة الصغيرة، من خلال التقاط صور أمام خلفية جذابة، تكون غالبا واحدة من اللوحات التشكيلية التي تزين جدران وأسوار الحي العتيق لهذه الحاضرة المستلقية على ضفة المحيط الأطلسي. فمع مقدم كل دورة جديدة من دورات الموسم الثقافي الدولي التي بلغ عددها اربعين، تجدد ازقة اصيلة ثوبها الناصع البياض الممزوج بزرقة البحر والسماء، لتضفي على جدرانها الوانا اخرى ابدعت في تنسيقها انامل وريشات فنانين من المغرب ومن دول المعمور. وتشكل جداريات أصيلة، متحفا فنيا كبيرا في الهواء الطلق، تعود انطلاقة أول أوراشه إلى سنة 1978، عندما قرر منظمو أول دورة لموسم أصيلة الثقافي، توفير معدات وأدوات لفنانين تشكيليين، يتولون مهمة تزيين المدينة، لاحتضان مثل هذا الحدث الثقافي الكبير. في اتجاه قصر الريسوني التاريخي، المعروف أكثر بقصر الثقافة، وغير بعيد عن مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية، تستوقف الزائر عدة لوحات فنية ترفل بألوان بديعة، افرزتها قريحة نخبة من الفنانين التشكيليين من المغرب وفرنسا واليابان. ومع تقدم الخطى نحو القلب النابض للمدينة القديمة بفسيفساء من ألوان أخرى تخطف الأبصار وتسر الناظرين، وتأبى هي أيضا إلا أن تخلق جنة غناء وسط أزقة صغيرة يفوح من بين دروبها عبق تاريخ حافل سطر صفحات هذه المدينة. لكل واحدة من هذه الجداريّات، حكاية ورسالة تقرؤها أعين الناظرين دونما حاجة إلى حروف أو كلمات، وقد تتم الاستعانة بكلمة واحدة تحمل معاني ودلالات كثيرة، ورسالة إلى الإنسانية جمعاء. وتنوع حكابات هذه الجداريات مرده بلا شك الى اجواء الحرية الابداعية التي يفسحها القائمون على الموسم الثقافي، اذ قلما يحددون موضوعا معبنا لموضوع الأعمال الفنية المنشودة. اذ في آخر مرة تقيد فيه الفنانون بموضوع واحد كانت قبل حوالي ثلاث سنوات، حينما اشتغلوا جميعا على موضوع مشترك، وهو تكريم الشاعر المغربي فريد بلكاهية. وشارك في المبادرة فنانون مغاربة معروفون، منهم الفنانة مليكة كزناي، فضلا عن فنانين من خارج البلاد. وليست انشطة الموسم الثقافي بأصيلة، محصورة على الكبار من الفنانين والمثقفين، اذ يراهن منظمو الفعاليات بشكل كبير على الابداعات الناشئة لرسم ملامح المستقبل الفني والابداعي في هذه المدينة. ولهذا الغرض، يخصص مشاغل للرسم والصباغة لفائدة الاطفال تحت اشراف تشكيليين كبار كانوا هم الآخين قبل 40 سنة، ينشطون في نفس هذه الورشات كما يؤكد الفنان التشكيلي محمد العنزاوي، مسؤول ورشة الصباغة بمؤسسة منتدى أصيلة، الذي يفتخر بانه احد ابناء المدينة الذين توارثوا حمل هذا المشعل الفني.