في أفق انعقاد القمة الإفريقية السابعة والعشرين التي ستحتضنها يومي 17 و18 العاصمة الرواندية كيغالي، تناسلت التكهنات باحتمال طلب المغرب العودة إلى الإطار المؤسساتي الإفريقي الذي انسحب منه في 12 نونبر 1984 احتجاجا على خرق الشرعية المتمثلة في قبول انضمام الكيان الوهمي المسمى بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية الشعبية. وتستند هذه التكهنات خاصة على الزيارة التي قام بها الرئيس الرواندي بول كاغامي منذ شهر إلى المغرب، وعلى التحركات التي قام بها وزير الشؤون الخارجية والتعاون، صلاح الدين مزوار، لدى بعض الأقطار الإفريقية، وتصريحاته الحذرة التي مفادها أن المغرب ينصت إلى نداء أصدقائه بالرجوع إلى الاتحاد الإفريقي، إذا توفرت بعض الشروط. وهو ما قد ينم عن وجود إٍرادة للعودة، ولكن تظل مشروطة. وبشكل أدق، فإنها تطرح إشكالا جوهريا يكمن في معرفة الصيغة المشرّفة التي تحترم مكانة المغرب وماضيه الإفريقي، واستثماره من أجل نهوض إفريقيا. فعودة المغرب لا ينبغي أن تولد الاقتناع بأن الانسحاب من منظمة الوحدة الإفريقية كان مجرد خطأ في التقدير، وبالتالي حان الوقت لتصحيحه. فسبب الانسحاب ما زال قائما، ويكمن في استمرار عضوية الجمهورية الوهمية في هذا التنظيم. فكيف يمكن استبعاد بشكل أو بآخر هذا الكيان الوهمي حتى يستطيع المغرب الرجوع إلى هذا التنظيم الإفريقي؟ هذا هو جوهر الإشكال الذي ظلت الدبلوماسية المغربية تواجهه، في الوقت نفسه ما هي الممكنات التي تتيحها هذه العودة من أجل تصحيح الخرق المسطري الذي ارتكب في سنة 1984 في عهد منظمة الوحدة الإفريقية؟ إذا كانت عودة المغرب لا تطرح صعوبة على المستوى السياسي، فإنها تستنفر النقاش حول المقاربة القانونية التي ستنتهج في حالة التعبير عن إرادة الانضمام للاتحاد الإفريقي الذي عوض ما كان يعرف بمنظمة الوحدة الإفريقية. تفاعل متنام ومتواصل لقد تضافرت عدة معطيات ربما أفضت إلى إنضاج تقييم مضمونه أنه ليس من مصلحة المغرب أن يبقى خارج الاتحاد الإفريقي رغم استمرار وجود الجمهورية الوهمية، وانحياز هذا التنظيم لمواقف مناوئة لمقاربة المغرب في ما يتعلق بتصفية هذا النزاع المفتعل. الانخراط الكبير للمغرب في الفضاء الإفريقي بحيث شكل، بلا مراء، إحدى الأوراش البارزة والمتميزة في عهد جلالة الملك محمد السادس بالمقارنة مع تعامل المغرب مع القارة السمراء في عهد الملك الراحل الحسن الثاني. فهناك تفاعل متنوع ومتعدد يتوخى إرساء مناخ الاستقرار والتنمية من خلال محاربة التطرف والإرهاب، والمساهمة في تدبير الأزمات وخاصة من خلال المشاركة في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وتعبئة الفاعلين المغاربة، سواء من القطاع العام أو الخاص، في المشاريع التنموية لبعض الأقطار الإفريقية تعزيزا لتعاون جنوب- جنوب. هذا الانخراط أفضى إلى تكثيف فرص التعاون بين المغرب وشركائه الأفارقة، خاصة في بعض الجهات، ودفع بعدد من الدول الإفريقية إلى سحب اعترافها بالجمهورية الصحراوية الوهمية. وقد أكدت زامبيا مؤخرا هذا المد باقتناعها بضرورة التخلي عن أسطورة الجمهورية الوهمية والتأكيد على الحل السياسي المتفاوض حوله والمقبول من الأطراف. وتشير المعطيات إلى انخفاض عدد الدول الإفريقية المعترفة بهذا الكيان إلى 13 دولة فقط. مما يطرح التساؤل حول الشرعية التي تبرر استمرار عضوية هذا الكيان في الوقت الذي لا يتوفر فيه على الأغلبية المطلقة الضرورية لاستمرار عضويته. هناك شعور متزايد بأن سياسة المقعد الشاغر لا يمكن أن تخدم مصالح الدولة. فمهما كانت إرادة حلفائنا، فهم يواجهون معارضة من طرف خصوم كبار في مقدمتهم جنوب إفريقيا ونيجيريا والجزائر. ويعتبر البعض أن استرجاع المغرب لعضويته يمكنه من الدفاع أحسن عن مواقفه، وإسماع صوته بشكل أكثر نجاعة لإرجاع التوازن إلى مواقف الاتحاد، خاصة في ما يتعلق بوحدتنا الترابية التي ظلت مجالا خصبا لبسط أطروحة خصومنا. على الرغم من المآخذ التي توجه إلى الاتحاد الإفريقي خاصة على مستوى عدائه للوحدة الترابية، وعجزه عن مواجهة عدد من الأزمات، فإنه يبقى إطار قاريا مسموعا ومساهما في الديناميات التي تعرفها القارة. ويؤشر جدول الأعمال المطروح على القمة المرتقبة على تنوع المواضيع المتأرجحة بين حقوق الإنسان في إفريقيا وتسريع وتيرة الاندماج الإفريقي في ظل المنافسة العالمية، سواء للدول الصناعية أو الدول الصاعدة، ومعالجة بعض الوضعيات المهددة للاستقرار كما هو الأمر في جنوب السودان وبوروندي. فضلا عن معالجة العلاقة بين الاتحاد الإفريقي والمحكمة الجنائية الدولية؛ حيث يسعى البعض إلى المطالبة بانسحاب إفريقي جماعي احتجاجا على ما يوصف بتكالب المحكمة على المسؤولين الأفارقة. وهو تقييم لا يجد صدى لدى شرائح من المجتمع المدني الإفريقي الذي يتطلع إلى مزيد من الكرامة واحترام حقوق الإنسان من طرف مسؤوليه، وخاصة عدم الإفلات من العقاب. وأخيرا تعيين رئيس جديد للجنة التي كانت تترأسها وزيرة خارجية جنوب إفريقيا السابقة دلامينا زوما. إذا كانت كل هذه العوامل تدفع نحو ضرورة استرجاع المغرب لمقعده، فإن السؤال الكبير يكمن في تحديد الصيغة التي تسمح بعودة مشرفة للمغرب. وهو ما يصطدم بالعائق القانوني في ظل استمرار السبب الذي أدى بالمغرب إلى الانسحاب، والمتمثل في استمرار عضوية الجمهورية الصحراوية الوهمية. أية صيغة قانونية للانضمام؟ لم يشر القانون التأسيسي الذي أنشئ بموجبه الاتحاد الإفريقي في 11 يوليوز 2001 بلومي، عاصمة الطوغو، والذي دخل حيز التطبيق خلال مؤتمر دوربان في 9 يوليوز 2002، إلى أية آلية تمسح بطرد دولة عضو من هذا المنتظم، أو تجميد عضويتها. فهو يتضمن 33 مادة تضمنت بعض الإجراءات العقابية ضد بعض الخروقات لكنها لا تصل إلى حد التجميد أو الطرد. فالمادة 23 تتحدث عن العقوبات التي يمكن أن يفرضها المؤتمر الذي هو أعلى جهاز في الاتحاد على الدولة العضو التي تتخلف عن سداد مساهماتها في ميزانية الاتحاد، وذلك من خلال حرمانها من حق التحدث في الاجتماعات والتصويت وتقديم مرشحين لأي منصب في الاتحاد أو الاستفادة من أنشطة أو التزامات الاتحاد. علاوة على ذلك يجوز أن تخضع أي دولة عضو لا تلتزم بقرارات وسياسات الاتحاد لعقوبات أخرى قد تكون ذات طبيعة تقنية أو سياسية أو اقتصادية يحددها المؤتمر. ولا ريب في أن الدولة الوهمية التي تعتبر من الدول المؤسسة للاتحاد لا يمكن أن تخضع لهذه المقتضيات بفعل مساندتها من طرف دول نافذة في الاتحاد. المادة 30 وحدها تتحدث عن تعليق فقط أنشطة الحكومات التي تصل إلى الحكم بطرق غير دستورية. وهي أيضا لا تنطبق على الحالة التي تهمنا. يبقى هناك احتمال آخر، ضعيف التحقق، وهو الذي تحدثت عنه المادة 31 والمتمثل في إنهاء عضوية دولة في الاتحاد. وهو إجراء يبقى مرتبطا بإرادة الدولة نفسها، كما يشير إلى ذلك منطوق المادة آنفة الذكر الذي يبيح لأي دولة ترغب في التخلي عن العضوية أن تقدم إخطارا كتابيا بذلك إلى رئيس اللجنة الذي يقوم بإبلاغ الدول الأعضاء بالأمر. وبعد مرور عام واحد من انتهاء مثل هذا الإخطار، إذا لم يسحب، يتوقف تطبيق القانون في ما يتعلق بالدولة المعنية التي تنتهي عضويتها بالتالي في الاتحاد. وهذا التوجه يبدو مستبعدا. فلا يمكن أن نتصور الجمهورية الوهمية تباشر هذه المسطرة في الوقت الذي تدرك أن الاتحاد الإفريقي لم يغير منذ انسحاب المغرب من تعامله مع هذا الملف، بل ظل من المدافعين الشرسين على الاستفتاء كطريق وحيد لتحقيق تقرير المصير. لذلك إذا كانت إمكانيات طرد أو تجميد عضوية الجمهورية الوهمية تبقى شبه منعدمة اعتبارا لمقتضيات القانون الأساسي ولموازين القوى داخل هذا التنظيم، يبقى الاحتمال الآخر، وهو قبول المغرب بالتواجد مع الجمهورية الوهمية، من خلال سلك مسطرة طلب العضوية. وهو الذي أشارت إليه الفقرة الثالثة من المادة 27 والمادة 29 وينص على يلي: "يجوز لأية دولة إفريقية بعد دخول القانون الأساسي حيز التنفيذ، وفي أي وقت، أن تخطر رئيس اللجنة بنيتها في الانضمام إلى هذا القانون وقبول عضويتها في الاتحاد. يقوم رئيس اللجنة عند استلام هذا الإخطار بإرسال نسخ منه إلى جميع الدول الأعضاء. وتتم عملية القبول بأغلبية بسيطة للدول الأعضاء. ويحال قرار كل دولة إلى رئيس اللجنة الذي يقوم بدوره عند استلام العدد المطلوب من الأصوات بإبلاغ الدولة المعنية بالقرار". وفي ظل المعطيات الراهنة، فإن انضمام المغرب يبقى مرتبطا بالالتزام بهذه المقتضيات. وعند مباشرة المسطرة التي قد لا تشكل عائقا أمام انضمامه للاتحاد الإفريقي، فإن المصادقة على هذا التصرف يتطلب إذنا من البرلمان المغربي بقانون احتراما لمقتضيات المادة 55 التي تنص في فقرتها الثانية على أن: "الملك يوقع على المعاهدات ويصادق عليها، غير أنه لا يصادق على معاهدات السلم أو الاتحاد، أو التي تهم رسم الحدود، ومعاهدات التجارة، أو تلك التي تترتب عليها تكاليف تلزم مالية الدولة ... إلا بعد الموافقة عليها بقانون". فمن الواضح أن التصديق على القانون الأساسي للاتحاد الإفريقي يرتب التزامات سياسية، وفي الوقت نفسه تكاليف تلزم مالية الدولة. وقد تشكل تلك المصادقة لحظة لتقييم السياسة الخارجية المغربية في الفضاء الإفريقي إذا ما تأكدت إرادة استرجاع المغرب لموقعه في هذا التنظيم الإفريقي. في السياق نفسه، إذا تحققت عمليا إرادة المغرب في العودة إلى الاتحاد الإفريقي ، فإن ذلك سيمنحه فرصة فعلية للدخول في تحدي إبراز وهمية ما يسمى بالجمهورية الصحراوية، والعمل بتعاون مع أصدقائه على تعديل مقتضيات القانون الأساسي للاتحاد حتى يتضمن بندا يسمح بتجميد أو توقيف عضو لا يتوفر على الشروط التأسيسية للدولة. وتلك معركة كبيرة ستضع الدبلوماسية المغربية على المحك، خاصة أمام عناد بعض خصوم المغرب الذين لا يتوفرون على الحكمة والنزاهة الضروريتين لتجاوز النزاعات المفتعلة في القارة، والتي لا تخدم إرادة شعوبها في الديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية.