أكد الملك محمد السادس في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة الذكرى السابعة عشرة لعيد العرش على تشبث المغرب بالعودة إلى الاتحاد الإفريقي والدفاع عن مصالحه الإستراتيجية من داخل هذا التجمع القاري. ومع أن البعض استقبل ذلك الإعلان وكأنه تغيير جذري في السياسة الخارجية المغربية، إلا أنه في حقيقة الأمر ليس سوى تكريس للتوجه الذي سلكه المغرب خلال السنوات القليلة الماضية، المتمثل في توطيد وتوسيع عمقه الإفريقي وتنويع شركائه في القارة الإفريقية من خلال نهج سياسية متعددة الأبعاد، تهدف إلى جعل المغرب يلعب دوراً ريادياً في القارة الإفريقية على المستويين المتوسط والبعيد. واتضح هذا التوجه من خلال الحضور الاقتصادي الوازن الذي سجله المغرب خلال السنوات العشر الأخيرة في القارة الإفريقية، ما جعله يتبوأ مكانة مهمة في عداد المستثمرين فيها، خاصة في غرب إفريقيا. وقد اقترن هذا التغلغل الاقتصادي باعتماد المغرب على الدبلوماسية الدينية والدور الريادي الذي يلعبه في إشاعة التعاليم السمحة للإسلام من خلال تكوين الأئمة، وكذلك في مجال مكافحة الإرهاب، وفي مجال التعاون بين بلدان الجنوب. ويبقى الهدف الأسمى من هذه الإستراتيجية هو كسب ثقة أكبر عدد ممكن من زعماء البلدان الإفريقية وإقناعهم بأن تقربهم من المغرب سيعود بالنفع على شعوبهم، وبالتالي استمالتهم لتبني مواقف لصالح البلاد في ما يتعلق بقضاياها المصيرية، أو على الأقل التزام الحياد بشأنها. ضرورة وضع حد لسياسية الكرسي الفارغ وتأتي رغبة المغرب في العودة إلى الاتحاد الإفريقي بعدما اتضخ بشكل جلي أن غيابه عن هذه المنظمة ونهجه سياسة الكرسي الفارغ أضر بمصالحه بشكل كبير في ما يتعلق بقضية الصحراء، إذ استغل خصومه هذا الغياب من أجل حشد الدعم لأطروحة البوليساريو وتبني قرارات تصب في مصلحتها وتعمل على إعطاء مزيد من الشرعية لها. واتضح الضرر الذي ألحقه غياب المغرب عن الاتحاد الإفريقي بمصالحه من خلال القرارات التي اتخذتها هذه المنظمة، التي دعت في السنوات القليلة الماضية إلى جعلها تلعب دوراً محورياً في العملية السياسية التي تقودها الأممالمتحدة، وهو ما رفضته المملكة بشكل قاطع. كما اتضح ذلك من خلال محاولة المبعوث الخاص للاتحاد الإفريقي بخصوص الصحراء، خواكيم شيصانو، تقديم إحاطة خلال اجتماع رسمي لمجلس الأمن في شهر أبريل الماضي، بالإضافة إلى محاولة إدراج قضية الصحراء في أجندة الاجتماع السنوي بين الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي، الذي عُقد في شهر مايو الماضي. ولعل النبرة التي تحدث بها الملك محمد السادس في خطاب العرش توحي بأن المغرب ماض في الرجوع إلى حظيرة الاتحاد الإفريقي، حتى وإن لم يتمكن على المدى القريب من تجميد عضوية ما يسمى الجمهورية الصحراوية، وبأنه على علم بأنه لن يتمكن من تحييد الدور السلبي الذي أصبح يلعبه هذا الاتحاد في قضية الصحراء إلا من خلال التواجد كعضو فعلي وفعال داخل هذه المنظمة. وعلى الرغم من أن العاهل المغربي أكد أن رجوع المغرب إلى الاتحاد الإفريقي "لا يعني أبدا تخليه عن حقوقه المشروعة أو الاعتراف بكيان وهمي"، إلا أنه لم يربط رجوع البلد إلى مكانه الطبيعي داخل الاتحاد الإفريقي بشرط تجميد عضوية ما يسمى الجمهورية الصحراوية أو طردها من المنظمة؛ وهو ما يوحي بأن المملكة ماضية في الرجوع إلى هذه المنظمة ومحاربة البوليساريو من داخلها. على المغرب التحلي بالبراغماتية والواقعية إن الطرح الذي يقول إنه لا ينبغي للمغرب العودة إلى الاتحاد الإفريقي إلا في حالة تجميد عضوية ما يسمى الجمهورية الصحراوية أو طردها من هذه المنظمة يتبع المنطق نفسه الذي دفع المغرب إلى الانسحاب من منظمة الوحدة الإفريقية عام 1984؛ كما يتغاضى عن معطى أساسي من شأنه أن يضر بشكل أكبر بمصالح البلاد، وهو أنه وحتى لو أصرت الدول الإفريقية الداعمة للمغرب على تجميد أو طرد هذا الكيان، فإن هذا الهدف لن يكون سهل المنال، بل سيتطلب سنوات طويلة ومعارك دبلوماسية عسيرة. ولعل ما يصعب من هذه المأمورية هو القانون الأساسي للاتحاد الإفريقي، الذي لا يتضمن أحكاماً تنص على إمكانية طرد دولة عضو أو تجميد عضويتها، باستثناء المادة 30، التي تنص على تجميد عضوية دولة عضو في حال وصول حكومتها إلى الحكم بطرق غير مشروعة؛ وبالتالي سيكون حتماً على المغرب وحلفائه في الاتحاد الإفريقي العمل على إدخال تعديلات على القانون التنظيمي لهذه المنظمة. وبينما سيظل المغرب في انتظار تجميد عضوية البوليساريو قبل الرجوع إلى الاتحاد الإفريقي، سيستمر حلفاؤها في استعمال هذه المنظمة بكل أريحية وتبني قرارات ستزيد من التشويش على العملية السياسية والضغط على المملكة ونعتها بالدولة المحتلة. ومن ثم، على المغاربة السمو فوق المشاعر الجياشة التي تجعلهم يقولون إن جلوس المغرب في القاعة نفسها مع البوليساريو سيعتبر بمثابة اعتراف بجمهوريتها الوهمية. إن جلوس المغرب إلى جانب هذا الكيان لن يضفي أي شرعية عليه، إذ إن المنظمة الوحيدة التي تضفي الشرعية على أي كيان وتعطيه صفة الدولة هي الأممالمتحدة. فعلى سبيل المثال، رغم أن كوسوفو حصلت على اعتراف أكثر من 130 دولة والعديد من المنظمات الإقليمية والدولية، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، إلا أنها لا تتمتع بصفة الدولة بسبب اعتراض روسيا وحلفائها على اعتراف الأممالمتحدة بها. وبما أن ما يسمى الجمهورية الصحراوية لم تحصل إلا على عضوية الاتحاد الإفريقي، فإن ذلك من جهة القانون الدولي لا يعطيها صفة الدولة، كما لا يعطيها شرعية تمثيل كل الصحراويين؛ وبالتالي على المغرب أن يتبع المنطق الذي يقول إن على الإنسان وضع عدوه أمامه وليس وراءه، وإنه لا يمكن لأي إنسان أو كيان تجنب ضربات خصومه إلا من خلال ترقب خطواتهم ومراقبتهم عن قرب. ولعل أحسن وسيلة للمغرب لدرء كل المؤامرات التي قد تحبك ضده في المستقبل في هذه المنظمة هي تواجده بداخلها وتحليه بالبراغماتية وابتعاده عن العواطف. كما علينا أن نسلم بشيء أساسي هو أنه لن يتمكن المغرب من القيام بحشد الدعم لموقفه وتحجيم الدور السلبي الذي أصبح يلعبه الاتحاد الإفريقي في قضية الصحراء إلا من خلال تواجده داخل المنظمة وإقامة تحالفات من شأنها أن توسع دائرة الدول المؤيدة لموقفه وضرورة تجميد عضوية ما يسمى الجمهورية الصحراوية. ويتعين على المغرب العودة إلى الاتحاد الإفريقي حتى وإن لم يتسنَّ له النجاح في تجميد عضوية ما يسمى الجمهورية الصحراوية؛ فسياسة الكرسي الفارغ ألحقت ضرراً كبيراً بالبلاد في العقود الثلاثة الماضية، وأصبح لزاما عليها تدارك ما ضاع. بوجود المغرب داخل الاتحاد الإفريقي سيتمكن من عقد تحالفات والتوفر على آليات من شأنها مساعدته في نسف كل الجهود التي يقوم بها الاتحاد الإفريقي من أجل التأثير على المسار السياسي الأممي؛ كما من شأن ذلك أن يخلق توازناً مع الجزائر وحلفائها وجعل الاتحاد منقسما بشكل غير مسبوق ما بين مؤيد ومعارض للمغرب. وسيكون هذا السيناريو في حد ذاته إيجابياً بالنسبة للمملكة، إذ سيحرم الجزائر والبوليساريو من الدعم المطلق الذي كانتا تحظيان به في تلك المجموعة الإقليمية التي لا ينبغي أن تكون حكرا عليهما، على اعتبار أن المغرب، بطبيعة الحال، أحد أركانها. *خبير في قضية الصحراء ومستشار سياسي | رئيس تحرير موقع Morocco World News