يعتبر شهر رمضان عند المسلمين جميعاً شهر الخير والبركات والعبادة إلى غيرها من الأوصاف، وكذلك هو عند الأتراك؛ حيث يطلقون عليه "سلطان الشهور"، ولاشكَّ أنَّ لرمضان في بلاد العثمانيِّين طقوسا وعادات خاصَّة به دون غيره، مثلما هو الحال عند كلِّ الشُّعوب الإسلاميَّة في أنحاء العالم الإسلاميِّ. وتشكِّل المساجد أوَّل المستقبلين لهذا الشَّهر الفاضل في تركيا؛ حيث يقوم الأتراك بتزيين مآذن المساجد بأضواء الزِّينة، وبتعليق الأنوار، وتُمدُّ حبال المصابيح بين الصَّوامع والمآذن خلال هذا الشَّهر الكريم، ولكلِّ مسجد من المساجد الكبيرة توجد صومعتان على الأقلِّ (ولبعض المساجد أربع صوامع، ولبعضها الآخر ستُّ صوامع مثل مسجد السُّلطان أحمد- المسجد الأزرق)، وهو طقس وعادة موروثة من عهد العثمانيِّين، وتسمَّى ب"المِحَيَّا"، فهو تعبير لدى الأتراك بفرحهم بهذا الشَّهر المبارك، ويُكتب بين هذه الصَّوامع أو المآذن التي تُمد بالحبال عدَّة كلمات مثل "أهلاً وسهلاً رمضان"، "يا شهر رمضان"، و"باسم الله" وأمثال ذلك، وما يكتبونه يُقرأ من أماكن جدُّ بعيدة؛ لوضوحه بسبب كثرة الأضواء المزيَّنة به. وتشهد المساجد اكتَظاظاً في شهر رمضان من طرف الأتراك، خصوصاً صلاة التَّراويح التي يسعى الأتراك إلى عدم تضييعها، رغم أنَّهم يصلُّون عشرين ركعة، وبعدد آيات قليلة جدَّاً من القرآن، وبسرعة زائدة في أدائها قليلاً على ما اعْتادَ عليه المغاربة في بلدهم، وهذه من الأمور المختلفة التي يلاحظها المغاربة في هذا البلد؛ حيث تعوَّدوا على عشر ركعات، لكن بشكلٍ بطيء نسبيَّاً، وقليلة هي المساجد التي تلتزم ختم القرآن كاملاً في رمضان، مثل مسجد "شاه زاده" المتواجد بإسطنبول التي هي الرَّمز الإسلاميُّ عند الأتراك، لاسيَّما وأنَّ فيها عدداً كبيراً من المساجد والمعالم الإسلاميَّة العثمانيَّة، ويطلق عليها مدينة الألف مئذنة. يبقى أكثر شيء يندهش له المغاربة المقيمون في تركيا ويثير فضولهم- رغم أنَّ معظمهم من الطَّلبة وبعض التُّجَّار المغاربة أو المغربيَّات المتزوِّجات بالأتراك- أنَّ كثيراً من الأتراك لا يصومون رمضان؛ حيث تجدهم يأكلون في الشَّوارع، والمطاعم، والأحياء الجامعيَّة بشكل عاد دون حرج. كما أنَّ القانون التُّركي لايمنع ذلك، ويُعتبر هذا السُّلوك أوَّل شيء يشدُّ انتباه كلِّ مهاجر مغربيٍّ في تركيا يقضي رمضانه الأوَّل بهذا البلد؛ حيث اعتاد المغاربة على أنَّ نسبةً تصل إلى 99% تصوم هذا الشَّهر في بلادهم، أضف إلى ذلك أنَّ المغاربة يقدِّسون شهر رمضان، ونادراً ما تجد أحدهم لا يصومه، بهذه الخلفيَّة يعتبر عدم صيام بعض الأتراك حالة شاذَّة لدى المهاجريين المغاربة. ومن العبادات التي يُقبل عليها الأتراك في هذا الشهر قراءة القرآن الكريم؛ حيث توجد هنا في تركيا عادة قد تلاحظها تقريباً في جميع المساجد الكبيرة، ألا وهي قراءة القرآن بشكلٍ جماعيٍّ بعد صلاة العصر، وهي الطَّريقة نفسها الموجودة في المغرب؛ إذ يتجمَّع النَّاس على شكل حلقة، ويبدؤون في قراءة القرآن، فبمجرَّد أن يشاهد المغربيُّ ذلك يتذكر الأجواء الرُّوحانيَّة المغربيَّة. تبقى وجبة الإفطار من مميِّزات هذا الشَّهر المبارك في هذا البلد؛ حيث يعمل المغاربة المقيمون بتركيا على تنظيم بعض الإفطارات الجماعيَّة بينهم تنسيهم قسوة الهجرة، ويستحضرون فيها الأجواء الرمضانيَّة المغربيَّة، وتوجد ميزة نوعيَّة في تركيا هي أنَّ بعض الأسر التُّركيَّة تستدعي بعض المهاجريين، خصوصاً الطَّلبة، إلى منازلها من أجل تنظيم بعض الإفطارات على شرفهم، وبطبيعة الحال يستفيد المغاربة من هاته الإفطارات العائليَّة، كما أنَّ الأمر نفسه يتكرَّر بين الأسر التُّركيَّة والمغربيَّة المقيمة بتركيا، كما تقوم الكثير من المساجد الكبرى بالمدن الكبيرة كإسطنبول (العاصمة القديمة للدَّولة العثمانيَّة) باستقبال الصَّائمين على طعام الإفطار، وذلك بتنظيم إفطارات جماعيَّة في ساحات المساجد. أضف إلى ذلك، الإفطارات الجماعيَّة التي تنظِّمها بعض الجمعيَّات والأوقاف الموجودة بكثرة في تركيا، والتي يشارك فيها المغاربة المقيمون ببلاد الأتراك، سواء كانت هاته الأوقاف والجمعيَّات تابعة لأتراك أو العرب، خصوصاً السُّوريين الذين هاجروا إلى تركيا واستقرُّوا فيها منذ عدَّة سنوات، وأسَّسوا فيها مجموعة من الأوقاف والجمعيَّات. وتبقى الإفطارات الجماعيَّة أو الجماهيريَّة- إن صحَّ التَّعبير- التي تنظِّمها البلديَّات في تركيا من أكثر مميِّزات هذا الشَّهر في تركيا؛ حيث نُظِّم قبل أربع سنوات أكبر إفطار جماعيٍّ في العالم من طرف إحدى بلديَّات إسطنبول، هذه الإفطارات تكون مناسبة للمغاربة للذَّهاب إليها بشكلٍ جماعيٍّ أو فرديٍّ. وتوجد عادة مترسِّخة في تركيا تتمثل في كون الأتراك يُقبلون على هذه الإفطارات الجماعيَّة التي تنظِّمها الأوقاف، أو الجمعيَّات المدنيَّة، أو البلديَّات بدون حرج، بل الكثير منهم يحضر أسرته لتناول وجبة الإفطار بشكل جماعيٍّ، عكس المغاربة؛ حيث يُفضل معظمهم تناول وجبة الإفطار في بيته مع أسرته رغم أنَّ الأكل الذي تحتويه هذه الإفطارات المنظَّمة من طرف الهيئات سالفة الذِّكر غالباً ما يكون من الأكل نفسه الذي يتناوله الشَّعب التُّركيُّ في الفترة الزَّواليَّة في الأيَّام العاديَّة من السَّنة، إلَّا إذا استثنينا بعض المأكولات الخاصَّة بهذا الشَّهر. وإذا كانت عادة المغاربة أن يشرعوا في إفطارهم على التَّمر، فإنَّ عادة الأتراك أنهم يبدؤون بتناول الزَّيتون، وفي بعض الأحيان التَّمر، على اعتبار أنَّ الزَّيتون متواجد بكثرة في تركيا، في حين لا مكان للنَّخيل في هذا البلد. ويبقى الخبز التُّركي المعروف "بالبيدا"، وتعني الفطير، أهمَّ أنواع الأطعمة المعروفة عند المواطن التُّركيِّ، وهذا النَّوع من الخبز يلقى إقبالاً منقطع النَّظير في هذا الشَّهر، إلى درجة أنَّ النَّاس يصطفُّون في طوابير على الأفران قبل الإفطار للحصول على هذا النَّوع من الخبز. وبطبيعة الحال، فإنَّ أفراد الجالية المغربيَّة، خصوصاً الجدد منهم، يلاحظون الفرق الواضح بين الطَّعام التُّركيِّ والمغربيِّ في رمضان؛ حيث اعتاد المغاربة على مأكولات خاصَّة في وجبة الإفطار، بدءاً ب"الحريرة" المغربيَّة المعروفة التي تُزيِّن كلَّ الموائد المغربيَّة في رمضان، ويقابلها عند الأتراك "الشُّوربة" التي تزيِّن المائدة التُّركيَّة، وهي من أهمِّ وأبرز مكوِّنات البيت التُّركيِّ في رمضان رغم أنَّها من الأطعمة التي يتناولها الأتراك على مدار السَّنة، عكس "الحريرة" المغربيَّة، التي غالباً ما تكون خاصَّة بشهر رمضان، بالإضافة إلى "الشَّبَّاكيَّة" المغربيَّة بأنواعها المختلفة، ومروراً "ب سلُّو"، وانتهاءً "ب البغرير"، أضف إلى ذلك كثير من الأطعمة المغربيَّة الخاصَّة برمضان، والتي تحضَّر خصوصاً لهذا الشَّهر الكريم، وكلُّ هذه المأكولات لا يتسنَّى للمغاربة في تركيا، خصوصاً الطَّلبة، تذوُّقها إلَّا إذا أُرسلت لهم من طرف أسرهم بمناسبة حلول هذا الشَّهر. كما ترى أصحاب الطُّبول الكبيرة في بعض المدن التُّركيَّة يتجوَّلون في الشَّوارع من أوَّل اللَّيل إلى وقت الإمساك قُبيل الفجر، لإيقاظ النَّاس لتناول وجبة السُّحور، وهي العادة نفسها التي مازالت متَّبعة حتَّى الآن في بعض المدن المغربيَّة. من الملاحظات الجديرة بالانتباه في تركيا، والتي كثيرًا ما تثير المغاربة، أنَّه في وقت الإفطار تصبح الشَّوارع في تركيا فارغة مثل المغرب، رغم أنَّ كثيرا من الأتراك لا يصومون هذا الشَّهر، بل قد تجدهم بقربك يفطرون، بدون حرج، إذا صادفتهم في إحدى الإفطارات الجماعيَّة. *المدير التنفيذي للمركز المغاربي للدراسات