قبل شهور من الآن، قامت الدنيا ولم تقعد لأن ولد العروسية، سليل أسرة الأعيان، التحق بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، تاركا وراءه ماضيه العريق في الأحزاب الإدارية. بعد مدة وجيزة انسحب نجيب رفوش من سفينة الاتحاديين، لكنه قبل المغادرة ترك وثيقة نقدية تاريخية لحال الاتحاد ومآسيه التي لا تنتهي. وإذا كان البعض قد سخر سخرية عظيمة منه، غير أن إرثه النقدي جدير بالتحليل والقراءة. لم يسبق لأي اتحادي في القرن الواحد والعشرين أن قدم نقدا دقيقا وصريحا وقاسيا في حق حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كما فعل ولد العروسية الذي وجد نفسه بغثة في حمأة الانتخابات الجماعية والجهوية الماضية قياديا اتحاديا مرموقا، يحيطه الاتحاديون بالاحترام والوقار. حينما أيقن لشكر أن ولد العروسية ليس سوى وجه إعلامي لا وجود له في الشارع، أومأ لقيادته في مراكش أن تطرده من مقر الحزب، وتوهم الناس وحواريي الحزب أن قرار الطرد استجاب لنبض الشارع والصحافة التي رأت في تزكيته وكيلا للائحة الاتحاديين نهاية لقيم حزب بوعبيد والعروي والجابري. لكن ولد العروسية، المنتشي بفوزه بمقعدين باسم الوردة بعدما استعاض بالوردة بدل "الحصان"، قدم نقدا تاريخيا لحالة الاتحاد المأساوية. قال ولد العروسية في لحظة فارقة من تاريخ حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إنه لم يجد لا حزبا ولا مناضلين ولا قيما اتحادية ولا قوات شعبية، وكل ما ألفاه، وهو يناقش مع جهابذة الكلام، وكراسي مهترئة ومناضلين ما يزالون معتنقين بالشعارات الماركسية العتيقة ومؤمنين أن إقناع الجماهير الشعبية تخدر ب"الرأسمال" و"بؤس الفلسفة"، وتذهب إلى الصناديق بعد أن تنصب للخطب المهجية لإدريس لشكر ويونس مجاهد. أمعن ولد العروسية-في حوار مع الزميلة وصال طانطانا- في رش الملح على الجرح الاتحاد الغائر، فأضاف بكثير من السخرية: صحيح أنه لا يمكن لأي منا أن يقول شيئا سيئا عن الرمز مهدي بنبركة، لأنه من مؤسسي الحزب، لكن على الاتحاديين أن يفهموا أن الأزمنة تغيرت، وهادي وقيتة أخرى وعقلية أخرى والحزب دوز العز لكن خصو يخدم بطريقة عقلانية قبل أن يؤكد في موضع آخر أن الاتحاديين يتصارعون فيما بينهم حول المراكز ولا يتواصلون مع المواطنين ولا يقدرون على اقتناء قنينة ماء واحدة يعبون منها في الاجتماعات. لماذا نلوم ولد العروسية ، فهو في نهاية المطاف يعبر عن جزء كبير من الكيان الاتحاد في نسخته المنقحة والمزيدة التي لقحها المخزن حينما أمسك به ذات تناوب ولى. لم نسخر منه؟ وكلما أثرنا سيرة الاتحاديين، نقرن أزمته بولد العروسية، وكأنه هو الذي أوصل رفاق اليوسفي إلى حافة الإفلاس أو أنه المسؤول الأول عن قرار المشاركة في حكومة التكنوقراطي إدريس جطو سنة 2007 فيما أسماه الاتحاديون الانزياح عن المنهجية الديمقراطية وقتذاك. ولد العروسية نتيجة حتمية لتراكم تاريخ من الأخطاء القاتلة والتنازلات المجانية، والصراعات الطاحنة بين الرفاق الاتحاديين، لكنه أخبرهم بالحقيقة دون مساحيق. والحقيقة توجع، أما، إذا أردنا الدقة أكثر، أنزل خطابات نقدية متحذلقة من عليائها ليفهما المواطنون والناخبون، وما كان يقوله محمد الأشعري وعلي بوعبيد وآخرون ممن خرجوا من تجربة التناوب منهكين بمواضعات السلطة، سواء بالتلميح والكثير من"التطريز" الأكاديمي" قاله ولد العروسية بلغة بسيطة جدا..لم يعد هناك حزب. قلب ولد العروسية أصبعه في الجرح الاتحادي وقدم صورة الحزب الحقيقة أمام المرآة، وعوض أن ينصرف ما تبقى من الاتحاديين لإصلاح التشوهات، أمعنوا في تمزيق أنفسهم، ومنهم من أسس حزبا جديدا بداعي سطوة لشكر والمخزن وقوى أخرى ينعتونها بالجهات، ومنهم من ذوى، ومنهم من اختار الطريق الشهيرة لزعيمهم عبد الرحمان اليوسفي" أرض الله واسعة".. على الاتحاديين منذ اليوم أن يضعوا الوثيقة النقدية لولد العروسية في نفس مرتبة تقريرهم الإيديولوجي ووثائقهم التاريخية التي دبجها الجابري وبنبركة: ألم يخبرهم بالحقيقة..لم يعد هناك اتحاد.. *صحافي بجريدة المساء [email protected]