لا حديث "للإخوان" في الحكومة طيلة السنة التي نعيشها باعتبارها سنة انتخابية بامتياز غير الاستحقاق التشريعي للسابع من أكتوبر ومآل المناصب الحكومية التي حصلوا عليها ك"مغانم" من معركة 25 نونبر 2011 وما ارتبط بها من امتيازات مادية ومعنوية لم تكن صلاحيات تعيين "إخوانهم" في مناصب المسؤولية أولا لها ولا الامتيازات المادية والمعنوية التي يتحصلون عليها من منصب هنا وعلاقة هناك آخرا لها. كل القطاعات الحكومية التي يُدبِّرُها "الإخوان" في الحكومة ضُبِطَ إيقاع حركتها هذه السنة على السابع من أكتوبر، فمثلا وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، الحسن الداودي، جعل من إشاعة خبر تعليق آخر دفعة من منحة الطلبة لهذه السنة حصان طروادة الذي راهن عليه لترميم صورته لدى آلاف الطلبة الذي عانوا الأمرين جراء سياساته التي ضربت التعليم الجامعي في مقتل، ليخرج بعدها بتصريحات ملأت الدنيا زفيرا ونفيرا وهو يبشر الطلبة أنه لم يقرر فقط صرف منحة الطلبة بل قرر الرفع من قيمتها وهو ما اعتبر رشوة انتخابية مفضوحة النوايا، ليسوق بذلك لنفسه ولحزبه أنه "الملاك" الذي أرسلته السماء لينقذ الطلبة من كل المشاكل التي يعيشون فيها والتي ستكون المنحة – على هزالتها – طوق نجاتهم. الوزير الداودي، وهو القيادي في حزب العدالة والتنمية الماسك بكل تفاصيل الأداء الحكومي، لم يقف عند توظيف ملف المنح الجامعية لتلميع صورته، بل تعداه ليبدي حرصه على توجيه رسائله إلى الخارج وخصوصا إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي صرَّح فاعلون سياسيون مغاربة أنها تدخلت في نتائج استحقاق 25 نونبر بما يخدم مصلة "إخوان المغرب" لما فيه من ضمان وخدمة لمصالحها. جزء من رسائل الوزير الداودي نستشفها من خلال فرضه للغة الانجليزية خلال مناقشة الطالب لأطروحته، إضافة إلى ضرورة نشره لمقالات تحليلية في مجال بحثه باللغة الانجليزية، وهو ما يؤشر على أن حزب العدالة والتنمية قدم تعهدات "للعم سام" بأن تكون اللغة الانجليزية لغة هي اللغة الثانية المعتمدة في التعليم العالي والبحث العلمي في المغرب مقابل الاستغناء على اللغة الفرنسية. وقد وقفت مطولا في عملية بحث شاقة على المؤلفات أو المقالات الأكاديمية التي يكون السيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الاطر، قد كتبها باللغات الثلاث، العربية-الفرنسية-الانجليزية، طيلة مساره المهني بصفته أستاذا جامعيا مختصا في العلوم الاقتصادية، إلا أنني وللأسف لم أجد لا مؤلفا واحدا ولا مقالا يتيما للسيد الوزير بمواصفات أكاديمية، فيتجدد السؤال عن غايات السيد الوزير من فرضه للغة الانجليزية على الطالب المغربي خلال مناقشته لأطروحته مع إلزامه بنشر مقالات تحليلية باللغة الانجليزية في مجال تخصصه؟ وهنا تجدر الإشارة إلى جل وزراء حكومة عبد الإله بنكيران، يتميزون بافتقار رصيدهم الأكاديمي لمؤلفات أو مقالات تحليلية في مجالات تخصصهم، اللهم الأطروحات التي يتقدمون بها لنيل الشواهد العليا، والتي تتم مناقشتها بالطرق المعروفة. مصطفى الخلفي وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة، تناسى، من جهته، دفاتر التحملات التي شدد على فرضها على قنوات القطب العمومي وتهديده بالاستقالة من منصبه في حالة رفض دفاتر التحملات تلك، ليتراجع على جل ما جاءت به دفاتر التحملات كما تراجع عن استقالته، وهو ما عكس تمسكه بكرسي الوزارة ولو على حساب "الاصلاح" الذي بنى حزب العدالة والتنمية عليه "حربه" الانتخابية ضد خصومه السياسيين والايديولوجيين. كما أن ذات الوزير عطَّل طيلة الأربع سنوات الماضية قانون الصحافة والنشر رغم إلحاح المهنيين على ضرورة التعجيل بإخراج إلى حيز الوجود لتعميق النقاش حوله من أجل تجويد مضمونه وفق مقاربة تشاركية حقيقية، ليسابق، الوزير، الزمن للإفراج عنه بداية هذه السنة مع ما رافقه من تحايل أساسه الترويج لخلو مشروع قانون الصحافة والنشر من العقوبات الحبسية بينما الحقيقة هي ان الوزير تعمد تهريب ذات العقوبات إلى القانون الجنائي. هذا دون الحديث عن العلاقات التي حرص وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة على نسجها ولا يزال مع عدد من مدراء النشر والصحفيين الذين يرى فيهم "مؤثرين" في الرأي العام، أولا لضمان "نعومة" انتقاداتهم للأداء الحكومي الكارثي وثانيا لإقناعهم ب"التطبيل" للحكومة أو على الأقل "تبرير" اخفاقاتها، وهو يتضح جليا من خلال عمليات الاستقطاب المتوالية والمتواترة في هذا الاتجاه. أما بسيمة الحقاوي وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، والتي تعتبر من أهم القطاعات الاجتماعية بالنظر إلى مسؤوليتها المباشرة المآت من مؤسسات الرعاية الاجتماعية والجمعيات التي تسيرها وما يعنيه ذلك من تأثير على الجمعيات ذات العلاقة المباشرة بالأسر في وضعية هشة وتوظيف كل هذا وذاك في توجيه أصوات هذه الفآت في اتجاه معين، فلم تذخر جهدا في ضخ أموال مهمة من ميزانية الوزارة في أرصدة جمعيات تخدم أجندة حزب "إخوان" بنكيران من خلال إبرام اتفاقيات شراكة بأهداف محددة، وهو ما يعني أن الوزارة ومعها التعاون الوطني قد أصبحا معقلا "إخوانيا" بامتياز. ضبط إيقاع أداء وزراء حزب العدالة والتنمية خلال السنة الأخيرة من الولاية الحكومية وطرق وآليات تصريفهم لفكر "الإخوان" في مفاصل الدولة ومؤسساتها، بغاية "التمكين" لمشروعهم الايديولوجي، لا يتجاوزه في كثير من الأحيان إلا إيقاع أداء رئيس الحكومة والمستويات المتقدمة التي بلغها في نفس الاتجاه، سواء تعلق الأمر بالرسائل التي يحرص على توجيهها للفاعلين السياسيين والتي تتركز على "شيطنة" الأحزاب التي تنافس مشروعه الايديولوجي بالتلميح تارة والتصريح تارات أخرى بضرورة وأدها وعزلها وحلها وهو ما يؤشر على الرغبة الجامحة للإخوان في "التَّحَكُّم" في إيقاع الفعل السياسي من خلال نفي وإلغاء كل من يخالفهم الرأي والتوجه. وبالرجوع إلى علاقة رئيس الحكومة بباقي الفاعلين السياسيين نجد أنه لم يستقر على موقف وحال، يتغير من الموقف إلى نقيضه بتغير الزمن السياسي وسياقاته، ذلك أن علاقته مع حزب الاستقلال مثلا في عهد أمينه العام حميد شباط تميزت بتصريحات واتهامات وأحكام متباينة حد التناقض، فشباط الذي كان حليفا حكوميا يحظى باحترام وتقدير رئيس الحكومة ووزراء حزبه، تحول بين عشية وضحاها إلى شخص غير مسؤول ودمية في يد غيره وأداة لإفشال التجربة الحكومية. ناهيك عن كم الشتائم السوقية الدخيلة على الخطاب السياسي المغربي والتي يجتهد بنكيران في تصريفها كل ما سنحت له الفرصة. أما صلاح الدين مزوار، رئيس التجمع الوطني للأحرار، والذي قال فيه بنكيران قبل التعديل الحكومي ما لم يقله مالك في الخمر، تحول بقدرة قادر إلى حليف حكومي ورجل دولة وصديق محترم وكل ما شئنا من عبارات المدح والاشادة برجل دولة لم يعد يراه بنكيران "مافيدوش"، لسبب بسيط هو أن التحاق مزوار بالحكومة بعدما غادرها شباط، مَكَّنَ بنكيران من الاستمرار رئيسا للحكومة. تناقضات بنكيران في التعامل مع الفاعلين السياسيين لم تقف عند حميد شباط وصلاح الدين مزوار ولا حتى عند ادريس لشگر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بل طالت حتى الياس العماري الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، الذي يتخذه رئيس الحكومة "العدو" السياسي الأول لحزبه، ففي الوقت الذي يحرص زعيم حزب "المصباح" على تأثيث خرجاته الاعلامية بتوجيه مدفعيته لزعيم حزب "الجرار" من خلال الإمعان في نعته بأقدح النعوت وتحميله كل المطبات والكوارث التي يعيشها المغرب، لم يتردد عبد الإله بنكيران في التصريح خلال لقاء حزبي أن العماري مواطن كأي مواطن وأمين عام حزب سياسي يمكن أن يلتقيه متى أمكن ذلك كما أنه ممكن "يمشيو حتى لعندو گاع"، وهي التصريحات التي اعتبرها الكثيرون رسالة ود وطلبا مستترا من بنكيران للعماري من اجل تهدئة الأجواء والتفكير في صيغة تقرب بين حزبيهما. أما إن توقفنا قليلا عند الرسائل التي يحرص بنكيران على توجيهها إلى مؤسسات الدولة، فسنجده يضغط ويبتز وزارة الداخلية بكل الطرق والوسائل حتى يضمن المرتبة الأولى في الاستحقاقات المقبلة، مهددا، مرة، بالتشكيك في نزاهة الانتخابات إن لم تمكنه الداخلية من المرتبة الأولى ومهددا، مرات أخرى، بالنزول إلى الشارع والتهديد باستقرار الوطن في حالة ما لم تبوؤه النتائج المرتبة الأولى وما يعنيه ذلك من تمكينه بلا أدنى شك من ترؤس الحكومة لولاية ثانية على التوالي وهو ما لم يحدث مع أي وزير أول طيلة التاريخ السياسي لمغرب ما بعد الاستقلال. كما أن الكثير من الرسائل التي يؤثث بها بنكيران خطابه في مختلف التجمعات الحزبية والخرجات الاعلامية لا تخلو من رسائل للمؤسسة الملكية رأسا، فعندما يقول أنه مُجرد رئيس حكومة وأن رئيسه المباشر هو الملك الذي يُمسِك بصلاحيات واسعة وأنه –فقط- ينفذ التعليمات الملكية، وعندما يقول رئيس الحكومة أن "الحكومة" في المغرب شيء و"الحُكْم" شيء آخر في إشارة إلى ان هامش تحرك الحكومة يبقى ضيقا مقارنة مع مجالات "الحُكْم" الذي لا يمارسه في المغرب سوى الملك بصلاحياته الدستورية، وعندما يقول بأن الملك هو رئيس الدولة وأن الوزراء يشتغلون تحت إمرته ويتحركون بتوجيهاته وتعليماته، تبقى رسائل من بين أخرى كثيرة يبعث بها رئيس الحكومة سواء بطريقة مباشرة أو عن طريق القنوات التي تُصرِّفُ رسائله على مختلف الواجهات والمستويات، تهدف إلى تكوين قناعة لدى الرأي العام عموما والمواطن البسيط تحديدا، مفادها أن رئيس الحكومة ووزراءه لا حول لهم ولا قوة، وأن كل الاخفاقات التي حُقِّقَت في عهدهم مردها إلى "الحُكْم" وليس إلى "الحكومة"، بمعنى أن هناك طرفا آخر يقرر كل تلك القرارات اللاشعبية غير الحكومة التي عين رئيسها في ميدلت وتم تنصيبها على أساس "تصريح حكومي" تحت قبة البرلمان. مواقف وتصريحات وقرارات وإن لم يكن من خيط ناظم لها، فإن ما يؤلف بينها كما هي قلوب "إخوان المغرب" مؤلفة على الكراسي والمناصب وما يدور في فلكها، هو السؤال الذي يجعلهم حائرون.. يتساءلون.. الحكومة المقبلة لمن ستؤول ؟