مرة أخرى تعود إلى الواجهة حكاية أختطاف و تغييب أشهر معارض مغربي في العصر الحديث وهو ( المهدي بن بركة ) أحد قادة مرحلة الإستقلال الوطني في المغرب و اليساري المعروف على المستوى الدولي خلال حقبتي الخمسينيات و الستينيات من القرن المنصرم و الذي برز كواحد من أبرز خصوم نظام الملك المغربي الراحل ( الحسن الثاني ) و الذي تم إختطافه و تغييبه علنا و من وسط أحد المقاهي الباريسية الشهيرة يوم 29 أكتوبر 1965 في واحدة من أكثر عمليات الإختطاف غموضا في التاريخ الحديث و هي القضية التي أثر حولها نقاش كثير لم يزل متواصل و شهدت تطوراتها فصولا خطيرة إنعكست بشكل حاد على مسيرة العلاقات الفرنسية / المغربية التي قطعت لفترة خلال عهد حكم الجنرال ديغول الذي أعتبر القضية موجهة ضده أساسا!! "" كما شهد ذلك الملف تحولات مدهشة و مفاجئة تمثلت في غياب شهود رئيسيين و فاعلينمن على مسرح الحياة و جلهم من الشخصيات الكبيرة جدا في تشكيل التاريخ السياسي الحديث للمغرب المعاصر ، فقد أختطف المهدي في لحظات تاريخية حاسمة وهو بصدد الإعداد لمؤتمر القارات الثلاث الذي كان أحد أدوات الحرب الباردة بإعتباره يحظى بدعم المعسكر الشرقي حينذاك ؟ . كما أن الإختطاف جاء توقيته في وقت حرج و أوضاع داخلية صعبة كان يمر بها المغرب الذي كان الجنرال الشهير ( محمد أوفقير ) وقتها وزيرا للداخلية و هو أحد الأعداء و الخصوم المعروفين للسيد بن بركة فضلا عن كونه يرتبط بعلاقات عمل مهمة و سرية للغاية مع قادة العديد من الأجهزة السرية في العالم كالموساد و السافاك و المخابرات الأمريكية ، فضلا عن أن تحركات أتباع المهدي بن بركة في المغرب من أعضاء الإتحاد الوطني للقوات الشعبية و بقية فصائل اليسار المغربي المسلحة كانت تثير مخاوف النظام وقتذاك . المشكلة في الملف برمته هو حالة الغموض و إرتباط القضية بخلايا مافيوزية وتم إستخدامها بدقة و مهارة ، كما أن إرشيف الدولة المغربية و الفرنسية ظل في حالة صمت حول الموضوع و لم يعرف مصير المهدي على وجه الدقة رغم أنه قد تم توجيه الإتهام رسميا للجنرال الراحل ( أوفقير ) و طاقمه بالمسؤولية المباشرة عن الجريمة و حوكم أوفقير غيابيا وصدر الحكم ضده في فرنسا و تطوع الجنرال الراحل و أحد مساعدي أوفقير و مدير الأمن الوطني المغربي الأسبق وهو أحمد الدليمي لتقديم نفسه للعدالة الفرنسية وقضى وقتا هناك تحت الإعتقال و لم يثبت ضده أي شيء!! كما لم تظهر جثة المهدي بن بركة و لا عرفت كيفية مصرعه رغم أن روايات عديدة صدرت من هذا الطرف أو ذاك قد توسعت في التطرق لتفاصيل سرية غير معروفة كان أبرزها رواية العميل السابق في جهاز المخابرات المغربي السيد ( أحمد البخاري ) الذي أكد مسؤولية مخابرات بلاده عن الإختطاف و أنه قد تم جلب المهدي بن بركة للمغرب حيث مات تحت التعذيب و أسهب في شرح أدوار الكثير من الشخصيات الأمنية في الملف الشائك ؟ و اليوم و غم أجواء الإنفتاح في العلاقات المغربية/ الفرنسية وفي عز زيارة الرئيس ساركوزي للمغرب أصدر قاضي التحقيق الفرنسي المسؤول عن ملف إختطاف بن بركة المسيو ( باتريك رايابيل) خمسة مذكرات توقيف بحق خمسة مسؤولين أمنيين سابقين أبرزهم قائد الدرك الملكي المغربي الحالي و العريق في المنصب القيادي منذ عام 1974 الجنرال حسني بن سليمان ( 72 ) عاما الذي يعتبر واحد من أقوى الجنرالات في المغرب و المسؤول الأول عن أهم مؤسسة أمنية عسكرية واسعة المهام ( الدرك الملكي ) لها المسؤولية الكبرى في حفظ النظام و الأمن في المملكة العلوية ، أما الأربعة الآخرون فهم على التوالي : السي عبد القادر القادري مسؤول سابق في المخابرات العسكرية المغربية السيد ميلود التونسي المعروف بإسمه الحركي ( العربي الشتوكي )! السيد بوبكر حسوني العنصر في جهاز حماية التراب الوطني و الممرض المعروف بالإشراف على المعتقلين الذين كانوا يتعرضون للتعذيب المنظم في مقر المخابرات! السيد العميد ( عبد الحق العشعاشي ) أحد عناصر المخابرات و معلوماتي تقول أنه قد توفي قبل شهور و كذلك شقيقه الأكبر المتوفى منذ أعوام وهو السيد محمد العشعاشي ! . و يتضح من القائمة السابقة بأن أهم الشخصيات المطلوب إعتقالها هو الجنرال بن سليمان القائد العام للدرك الملكي و الذي تجاوز سن التقاعد قبل سنوات و لكنه مازال في الخدمة لخبرته الطويلة و المتأصلة و لولائه المعروف للنظام و العرش المغربي ، و يبدو أن لهذا الملف مضاعفاته التي لم تنته رغم مرور حوالي 42 عاما على الجريمة و ما زال الغموض سيد الموقف ! أجهزة الإعلام الرسمي المغربية لم تتحدث أو تعلق على الموضوع رغم سخونته و حساسيته ، و لكن هل سيأتي الرد من البلاط الملكي بإعفاء الرجل القوي وطوي الملف و محاولة إسدال ستار النسيان عليه بإعتباره من أهم أسرار الدولة المغربية ، وهل سيضحى بالجنرال القوي لتجاوز الإحراج ؟ أم أن هنالك وسائل أخرى قد تظهر جزء من الحقيقة الغائبة و المغيبة ؟ كل الإحتمالات واردة و ما علينا سوى متابعة المشهد الساخن...؟.