مستثنون من العفو .. صرخة الإحساس بال''الحكرة'' تعالت الأصوات من داخل السجون معلنة عن صرخة جماعية ''أتعبتنا السجون..أما آن الأوان لرفع الظلم..أما آن الأوان لكسر القيود''، مطالبة بالإنصاف ورفع الظلم، بمجرد الإعلان عن لائحة المستفيدين من العفو الملكي الأخير. وعاشت عائلات الكثير من المعتقلين على خلفية ملفات قانون مكافحة الإرهاب، والمعتقلون أنفسهم أصعب اللحظات وأطولها حين تحركت الهواتف صباح يوم الخميس 14 أبريل 2011 معلنة عن قرار عفو ملكي مفاجئ، والذي جاء لتدشين عهد جديد تحت يافطة الديمقراطية والحرية والمساواة... استجابة لمطالب الشارع المنادية بالتغيير. مئات المكالمات.. تتساءل عن هوية المفرج عنهم بالإضافة إلى السياسيين الخمسة المعتقلين ضمن ملف ''بلعيرج'' .. دقت ساعة الصفر للإعلان عن الإفراج عن هؤلاء ومجموعة من معتقلي ''السلفية الجهادية'' من بينهم الشيخين محمد الفيزازي ووعبد الكريم الشادلي، بالإضافة إلى تخفيف العقوبة بالنسبة لعشرات من المعتقلين الآخرين.. إلا أن الفرحة لم تكتمل بسبب استثناء باقي المعتقلين على خلفية الملف نفسه، واستثناء باقي الشيوخ، سيما بعد أن اتضح أن معظم من طالهم العفو الملكي لم يتبق لهم إلا شهور معدودة، وبعضهم لم تتبق له من العقوبة الحبسية إلا شهرا واحدا. ''فرحة لم تكتمل''، هي جملة رددتها زوجات السياسيين الخمسة المفرج عنهم، الذين عاشوا المرارة نفسها التي عاشتها زوجات المعتقلين الذين ما يزالون يقبعون بالسجن، ورددها أطفال كان أملهم أن يكون آباؤهم من بين المفرج عنهم.. لا أحد يجادل في كون هذه الخطوة بادرة جيدة وتعبير عن إرادة حقيقية لبداية طي ملفات الاعتقالات السياسية، إلا أنها بداية مشوهة ومخيبة للآمال لأنها لم تشمل باقي المعتقلين على خلفية ملف ''بلعيرج'' الذي أكد الجميع أنه ملف سياسي بامتياز.. ولأنها لم تشمل الكثير من الأشخاص الذين سبق وعبروا عن حسن نيتهم، منهم من تقدم بمراجعات ومنهم من سارع إلى طلب العفو موضحا مواقفه من توابث الأمة. بداية غير مفهومة ''الموت وحده يأتي مرة واحدة'' جملة شدد عليها محمد الصبار، الكاتب العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان في جواب له على سؤال أحد الصحفيين بمناسبة استقبال السياسيين المفرج عنهم في ندوة صحافية نظمها المجلس الخميس الماضي، مؤكدا على أن المجلس يضع ضمن أولوياته جميع الملفات التي ثبت أنها لم تتم وفق محاكمة عادلة، وأن هذا العفو كان ثمرة لمجهود كبير من المجلس الوطني الذي تقدم بملتمس طلب العفو إلى جلالة الملك، وعمل على التواصل مع الدوائر العليا مجهود بذله عدد من وجنود جنديات الخفاء. هذا المجهود الذي عبر عنه الصبار لم يرق لعائلات باقي المعتقلين بالسجن المحلي الزاكي بسلا على خلفية ما بات يعرف ب ''ملف بلعيرج'' الذين شعروا بالظلم وصعب عليهم فهم فكرة الإفراج عن بضعة أفراد من المجموعة، والإبقاء على الآخرين مع أن الملف وحسب جميع المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية كان سياسيا، وطيه من المفترض أن يكون سياسيا أيضا لكن بدون نهج سياسة الانتقائية. وأملا منهم في الإنصاف أنشؤوا إطارا سموه ب''الهيأة الوطنية لضحايا الاختطاف والتعذيب والاعتقال السياسي''، والذين حذروا في أول خرجة لهم من خلاله ''من توظيف هذه الخطوة لتقزيم ملف الاعتقال السياسي بالمغرب على حساب باقي المعتقلين المظلومين الذين لا يزالون يقبعون في السجون''. وشددت الهيأة على أن استمرار وجود باقي المعتقلين على خلفية ملف ''بلعيرج'' وراء القضبان ''ضدا على المنطق الواقعي، القانوني والحقوقي'' على اعتبار أن الملف سياسي بامتياز، وأن جميع الهيئات الوطنية والحقوقية والقانونية والسياسية أكدت وتؤكد على أن هذا الملف سياسي ومفبرك داعين إلى دعم نضالهم من أجل الحرية من أجل غد أفضل لهذا البلد، ومطالبين بالإفراج عنهم دون قيد أو شرط، مع رد الاعتبار لهم، ومتابعة الجلادين ومفبركي هذا الملف. من جانبها عبرت حسناء مساعد، زوجة أحد المعتقلين ومنسقة تنسيقية الحقيقة للدفاع عن الرأي والعقيدة عن استيائها واستياء جميع عوائل معتقلي ما يعرف ب''السلفية الجهادية'' من العفو الملكي الأخير، على اعتبار أنه غير كاف بسبب أن المعفى عنهم يعتبرون في عداد المفرج عنهم، ولم تتبق من مدد محكوميتهم إلا أشهر قليلة، في الوقت الذي كانت تنتظر فيه الأسر إرجاع ذويها إلى أهاليهم. وشددت حسناء في تصريح ل''التجديد''، ''كفانا من المآسي، فقد يتم أبناؤنا في حين لايزال آباؤهم على قيد الحياة..تعبنا من المراوغة لكي لا نجيب على أسئلة أبنائنا: متى سيأتي أبي؟'' أم مكلومة بخيبة أمل، وقلب مجروح ناشدت ''زهرة'' والدة صالح ويونس زارلي كل المعنيين بهذا الملف، وكل الجمعيات الحقوقية بإطلاق سراح ابنيها المعتقلين أحدهم بسجن الزاكي بسلا، والآخر بالسجن المركزي بالقنيطرة. وبدموع أبت إلا أن تسجل لحظات الألم التي تعيشها تلك الأم المكلومة، شددت ''زهرة'' على أن المغرب مغرب الجميع، وأن ابنيها مظلومان من التهم المنسوبة إليهم، وأن الكثيرين في هذا الملف مظلومون، مطالبة بإطلاق سراح ابنيها اللذين تركاها عرضة للشارع بعد بيع كل نفيس لديها، وبعد بيع المسكن الذي كان يؤويها وأحفادها. كثرت أشرطة الفيديوهات المصورة المطالبة بإطلاق السراح، وأبى بعض المفرج عنهم صباح الخميس الماضي إلا أن يسجلوا موقفهم من الإفراج المباغث من داخل الزنزانة التي قضى بها البعض أكثر من سبع سنوات، حكوا من خلاله أنهم قضوا أكثر من سبع سنوات داخل السجن ولم تتبق لهم إلا شهورا لتنتهي المدة الحبسية المحكوم بها عليهم، وهي مدة يعتبرونها منقضية فما فات كان أعظم. ولو أن الكثير من معتقلي ملفات ''الإرهاب'' أجمعوا على أن الإفراجات الأخيرة ليست إلا ''درءا للرماد في العيون''، و''حقنة مهدئة'' لضمان صمت الأصوات المنادية بضرورة التغيير، إلا أن أصواتا متفائلة اعتبرت الأمر بداية وخطوة إيجابية نحو الأمام وتعبيرا قويا عن إرادة صادقة لطي هذا الملف. قرار الإفراج هذا اعتبره منتدى الكرامة لحقوق الإنسان خطوة على طريق الانفراج، وإشارة دالة على أن السلطات تتجاوب ولو بمقدار مع مطالب الشعب، إلا أنه في الوقت نفسه جاء مخيبا للآمال - بحسب بيان للمنتدى توصلت ''التجديد بنسخة منه لأنه لم يشمل الكثيرين ممن كان ينتظر أن يكونوا على رأس المفرج عنهم مثل حسن الكتاني وعبد الوهاب رفيقي وغيرهم. وأكد المنتدى المذكور أن ملف الاعتقال السياسي ما يزال مفتوحا وأن لائحة المستحقين للإفراج ما تزال طويلة، وأنه ما يزال ينتظر قرارا شجاعا ومنصفا من شأنه أن يؤسس لانفراج حقيقي في هذا الملف، ويعيد الاعتبار لمئات المظلومين الذين ما يزالون قابعين بالسجون. تسود الآن حالة من الغضب والاحتقان في أوساط مئات السجناء غير المستفيدين من العفو الملكي الأخير، وفي أوساط عائلاتهم، وذلك بسبب الإقصاء الذي طال مجموعة من معتقلي ''السلفية الجهادية'' الذين سبق وأن تقدموا برسائل إلى كل الجهات المعنية يشددون فيها على براءتهم مما نسب إليهم ويؤكدون على مواقفهم من توابث الأمة، ورسائل معتقلين آخرين أعلنوا فيها عن مراجعات فكرية، في حين أطلق الشيخ عبد الوهاب رفيقي مبادرة ''أنصفونا'' متحديا كل المشاكل التي لاقته بعد الإعلان عليها، ليؤسس لمجموعة جديدة صارت تسمى بأصحاب المبادرة، وهو يثبت أن الدولة بعيدة عن مبادرة طي الملف بشكل نهائي. كل هؤلاء كانوا ينتظرون العفو والمصالحة إلا أن الدولة ولأسباب غير مفهومة استثنتهم من حساباتها، واختارت مجموعة حين قررت إصدار العفو على مجموعة من المعتقلين الذين قاربت مددهم من الانتهاء فشهرين أو حتى سبعة أشهر، لأنها مقابل سبع أو ثماني سنوات من الاعتقال لا تساوي شيئا. *عن صحيفة "التجديد"