عندما قامت بريطانية بكتابة ثروتها لكلبها الوفي وهذا كثير في الغرب ، فلأنها علمت أن الكلب لوفائه يستحقها أكثر من البشر الغدارين الإنتهازيين المرضى بالأحقاد والحسد والضغائن ، فكأن بهذه المرأة تقحم عنصرا غير موضوعي في شروط الإرث وهو الوفاء ، وفي الحقيقة يحضرني الآن إشكال وهو : كيف لا يستحضر الوفاء لإرساء العدل في الميراث ؟ قد يعترض علي أحد ويقول : لأن الوفاء قيمة غير موضوعية ، ولكن العدل أيضا قيمة غير موضوعية في جانب منه إلا في تجليه الكمي ! الحقيقة أن توزيع تركة الهلكى أمر نسبي.. ثم ألا وإن هناك أمرا وهو أن هذا العنصر الغير الموضوعي ، يتم إقصاؤه في شروط ولوج المناصب والوظائف ، ويكتفي القانون بنظام العقوبات التأديبي في حالة ما إذا ظهر مؤشر على "عدم الوفاء" في العمل ، وهنا تصبح الأخلاق المهنية مجرد عبث بدون اي معنى مادامت خاضعة للإثارة والعقاب ! والوفاء غير معني بأية إثارة أو هو استجابة لها كما قد يستفاد من قاعدة بافلوف.. لا يستطيع أحد أن ينكر أن الكلب أكثر وفاء وإخلاصا وفي هذا السياق ذكر في القرآن مع أصحاب الكهف ، هو مخلوق صديقي حتى قالوا: نعم الصاحب الكلب ، وقالوا : من طبع الإنسان الغدر والخيانة ومن طبع الكلب الوفاء وصون الأمانة ، وقيلت في قصص الكلاب في حفظ وفاءها الأعاجيب ! ووفاء الكلب هو الذي دعا شاعرا ليقول في حق أحد الملوك : أنت كالكلب في حفظك للود...! ومن هذه النقطة ننطلق لموضوعنا ، فالكلب بالنسبة للشاعر كان مضرب المثل في حفظ الود والمرجعية في خلق الوفاء ، ولم يكن السلطان هو المرجعية ، لأن المعتاد منهم هو خيانة الأمانة واستغلال السلطة والنفوذ لاستعباد "الرعايا" وإرزاءهم في معيشتهم ودينهم وتعليمهم ، بل من العجيب أن نجد الكلب نفسه موضوعا لسياسة ينتهجها الحكام ضد شعوبهم وهي سياسة : جوع كلبك يتبعك ! ومادامت السياسة لا تعترف بخلق فإن وفاء الكلاب لا معنى له إلا مجرد استجابة لمثير كما علمهم بافلوف صاحب "الإستجابة الشرطية" أو"الفعل الشرطي الإنعكاسي" وهي ذات القاعدة المادية التي تطبق على الشعوب ، ألم يقحموا هذه النظرية في القناة الأولى التي تمرر الأدلوجة السياسية من خلالها وهي التعليم في إطار النظرية السلوكية ؟ ألم تكن هذه القاعدة بالذات سببا في تخريج متعلمين مرتعدين خائفين حتى من ذكر اسم رئيس الدولة أو ملكها أو الدخول للإدارة العمومية كقردة عارية تتصرف كالإناث كما تدل نظرية ديزموند ؟ لافرق بين الشعوب والكلاب من هذه الناحية فالجميع يخضع لمنطق المثير والإستجابة، والقاعدة المخرومة المستوحاة من بافلوف ليست صحيحة ، فالكلب يذكر المعاملة الحسنة وإن كانت قليلة ويحفظ ود صاحبها حياته كلها وهو ما يجعل هذا الصاحب يزيد من إحسانه على الكلب ، وما يثبت عكس هذا أيضا أن البعض يمارس هذه القاعدة على الناس الذين يقعون تحت مسؤوليته ، رئيس دولة أو وزيرا أو ثريا ، أما الكلاب فيحسن إليها ويسرف عليها من أموال هؤلاء الناس ، حتى سمعنا أن حكاما ووزراء لهم كلاب بسلاسل ذهبية في أعنقاهم ، وكباب وكفتة ومسبح واستجمام واستحمام ونكاح كل يوم بينما الشعوب في حقر وفقر وجوع ومرض وتقاتل وكبت جنسي وما يتولد عن ذلك من غش وخيانة وبلطجة وحرابة وقتل وخلخلة في البنية الأسرية والإجتماعية وعلاقتها حتى تولدت ظواهر سعت الأنظمة السياسية العربية لتغطيتها من قبيل زنا المحارم والإغتصابات والإجرام ضد الأمهات والآباء والأخوات وما مغربنا في هذا القضايا ببعيد ! كان الكلب أول رائد فضائي والقصة شهيرة مع الكلبة الروسية التي بعثت للفضاء في مركبة "سبوتنيك 2" و دربت الكلاب قبل ذلك في الغابرعلى الحراسة - فكانت مخلوقات أمنية لا تقمع أحدا ولا تعتدي على من يطالب بحقه إلا المتربصين لسرقة الأموال ! لم تكن الكلاب معنية بحديث النبي " سيكون في آخر الزمان شرطة يغدون في غضب الله و يروحون في سخط الله " وإنما أجهزة القمع معنية بها وهي التي تحمل العصي والهراوات التي ذكرت في حديث آخر " صنفان من أهل النار لم أرهما بعد : رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات على رؤوسهن كأسنمة البخت... " - حتى أن أحد الفقهاء المالكيين وأظنه بن أبي زيد القيرواني حين قيل له إن مالكا لم يتخذ كلبا ،فرد قائلا : لو كان مالك بيننا لاتخذ أسدا ! كما دربت الكلاب على قيادة الدراجات والسيارات والطائرات ، ودربت على هداية العميان ودربت على تنبيه الصم بما لا يسمعون، ودربت على احترام قواعد المرور في الطرقات ، وذكر أنها دربت أيضا على تنبيه المرضى على مواعيد الأدوية والحقن ! والكلب ممثل بارع في الأفلام... إذا كانت الكلاب بهذه الكفاءة مصحوبة بخلق الوفاء ، فلم لا تفكر المجتمعات في تنشئة الكلاب تنشئة سياسية وتدريبها على الحكم السياسي الديمقراطي ، أو تحكيمها في ما يتعلق بالقرارات المصيرية ، أم أن الكلاب هي الأخرى حين تعتلي السلطة ستنقلب على وفاءها ؟ نعلم أنه في السياسة كل شيء معكوس : الوفاء بالوعد هو الإخلاف به ، والصدق هو الكذب ، والديمقراطية هي الديكتاتورية ، والإصلاح هو الإفساد ، والوطنية هي بيع الأوطان ، وهكذا...فهل ينقلب وفاء الكلب حين يحكم إلى خيانة ؟ www.anrmis.blogspot.com facebook : hafid elmeskaouy [email protected]