جاء دستور 29 يوليوز2011 ، الذي وافق علية الاستفتاء الشعبي لفاتح يوليوز من نفس السنة (1)، وذلك بغية تقوية المؤسسات الدستورية التي تعمل إلى جانب المؤسسة الملكية، وإعادة توزيع الأدوار فيما بينها. ومن جملة هذه المؤسسات الدستورية – السالفة الذكر – هناك السلطة التنفيذية ومحورها الرئيس المتمثل في رئيس الوزراء. أولا- الإطار القانوني للسلطة التنفيذية: أولى مؤشرات التغيير هي الصفة ذاتها لرئيس الوزراء؛ بحيث أن الصفة الجديدة التي أعطاه إياها المشرع الدستوري هي " رئيس الحكومة"، وما لذلك من رمزية معنوية على السلطة والمكانة الجديدة التي أصبح يحظى بها – من الناحية الدستورية – في دواليب الحكم والجهاز التنفيذي للدولة. تكريسا للمؤشر الأول، فقد نصت مقتضيات الفصل 47 من الدستور على أن رئيس الحكومة يعينه الملك من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب الذين يتم انتخابهم بالاقتراع العام المباشر(2)، في حين كان الفصل 24 من دستور 7 أكتوبر 1996 يقضي بأن: "الملك يعين الوزير الأول" دون تحديد ما إذا كان هذا التعيين يتم من الحزب الذي تصدر انتخابات مجلس النواب أو من الأغلبية البرلمانية أو من خارج هذا الإطار. وهو ما كان يعطي للملك – في المرحلة السابقة – حرية اختيار وزيره الأول وذلك سواء من الأحزاب السياسية التي تمثل الأغلبية البرلمانية أو من التكنوقراط. وقد أعطى دستور 2011 لرئيس الحكومة وفريقه الوزاري العديد من الصلاحيات الجديدة. فعلى مستوى تشكيلة الحكومة، يعين الملك أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها – كما كان الحال عليه في دستور 1996–، ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة، في حين كان هذا الإعفاء من اختصاص الملك فقط في الدستور السابق. وعلى مستوى عمل الحكومة فإن هذه الأخيرة تمارس اختصاصاتها تحت سلطة رئيسها، والإدارة موضوعة تحت تصرفها، كما تمارس الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية. إلى جانب ذلك، يمارس رئيس الحكومة السلطة التنظيمية ويعين في الوظائف المدنية في الإدارات العمومية، وفي الوظائف السامية في المؤسسات والمقاولات العمومية، دون إخلال بأحكام الفصل 49 من الدستور، أي ما يتعلق بتعيين الملك، باقتراح من رئيس الحكومة، وبمبادرة من الوزير المعني، لوالي بنك المغرب، والسفراء والولاة والعمال، والمسؤولين عن الإدارات المكلفة بالأمن الداخلي، والمسؤولين عن المؤسسات والمقاولات الاستراتيجية. من جانب آخر، نص الفصل 92 من الدستور على أن مجلس الحكومة يتداول، تحت رئاسة رئيس الحكومة، في القضايا والنصوص المتعلقة بالسياسة العامة للدولة، والسياسة العمومية والقطاعية، وطلب الثقة من مجلس النواب، والقضايا الراهنة لحقوق الإنسان والنظام العام، ومشاريع ومراسيم القوانين ومشاريع المراسيم والمراسيم التنظيمية، والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، والتعيين في المناصب العليا – مع مراعاة ما تمت الإشارة إليه سابقا (الفصل 49). وفيما يخص المجال التشريعي، فإن الفصل 78 من الدستور ينص على أن لرئيس الحكومة ولأعضاء البرلمان على السواء حق التقدم باقتراح القوانين. كما أن لرئيس الحكومة حق حل مجلس النواب بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء وفق مقتضيات الفصل 104 من الدستور. ثانيا – الإطار العملي للسلطة التنفيذية: إذا كان الوزير الأول – في الوقت الحالي – هو "رئيس الحكومة"، بمعنى المتحكم في زمام السلطة التنفيذية، فإن الممارسة الفعلية للسلطة لا ترقى بعد إلى هذا المستوى المنصوص عليه في دستور المملكة. فالاختلاف بين سلطة الوزير الأول (مرحلة ما قبل دستور 2011) وسلطة رئيس الحكومة (مرحلة ما بعد دستور 2011) لازالت غير ملموسة حسبما أبانت عليه تجربة حكومة عبد الإله بنكيران (3). كما يلاحظ كذلك انفلات جزء مهم من السلطة التنفيذية من بين يدي رئيسها. ومن بين مؤشرات ذلك هو ما تعرضت إليه مظاهرات الأساتذة المتدربين من تفريق عنيف من لدن قوات الأمن، وما أعقب ذلك من تعارض في تصريحات كل من رئيس الحكومة ووزير الداخلية أمام مجلس النواب في هذا الشأن (جلسة 12 يناير 2016). ففي حين كان وزير الداخلية يقول بأن التفريق تم بتعليمات من الحكومة وباتفاق مع رئيس الحكومة، كان هذا الأخير ينفي ذلك ويصرح أمام البرلمان بأنه ليس له علم بما تعرض إليه الأساتذة المتدربين. وهو ما قد يدل على أن الشؤون الأمنية والداخلية للمملكة لا توجد بعد تحت سلطة رئيس الجهاز التنفيذي. المؤشر الآخر للانفلات – السالف الذكر – هو تفويت وزير المالية والاقتصاد – في مشروع قانون المالية لعام 2016 – لوزير الفلاحة والصيد البحري الإشراف على أموال صندوق تنمية القرى، والذي يهم أكثر من قطاع حكومي ومؤسسة عمومية، دون أن يطلع رئيس الحكومة بذلك. تجدر الإشارة إلى أن برنامج تنمية القرى، الذي يكرس التعليمات التي وجهها الملك للحكومة (4)، يضم حوالي 20800 مشروع يخص التعليم والصحة والماء والكهرباء والطرق (...إلخ) ويستهدف أزيد من 12 مليون مواطن من سكان البوادي وبميزانية إجمالية تبلغ حوالي 50 مليار درهم. من جانب آخر، ، فإنه إلى جانب صلاحيات الملك الدستورية، بصفته رئيس مجلس الوزراء، التي نصت عليها مقتضيات الفصل 49 من الدستور، والتي تجعل منه السلطة الأسمى في صناعة القرار داخل الدولة، فالملاحظ هو أن نفوذ المؤسسة الملكية على الجهاز التنفيذي لازالت إحدى المعطيات البارزة: على سبيل المثال، اجتماعات الملك مع بعض الوزراء والموظفين السامين، في غياب رئيس الحكومة، بخصوص مواضيع تعود عادة إلى المجال الحكومي، واعتبار القضايا المتعلقة بالتعليم – التي تدخل في مجال السياسات العمومية للحكومة – كمجال يسهر عليه الملك، كما أقر ذلك الخطاب الملكي ل 20 غشت 2013 (5)، وبالتالي إحدى الخيارات الاستراتيجية التي يعود النظر فيها إلى مجلس الوزراء. ثالثا - خلاصات: لا زالت صلاحيات السلطة التنفيذية، وخاصة ما يتعلق برئيس الحكومة، وفق ما نص عليه المشرع الدستوري، تحتاج إلى مزيد من التفعيل. ولعل من بين الأسباب الرئيسة التي تعوق ذلك هو غياب فريق حكومي قوي ومتجانس؛ وهي السمة المتوقعة لجميع الحكومات المغربية التي يمكن أن تفرزها صناديق الاقتراع في ظل الواقع الحالي للأحزاب ومناهج التقطيع الانتخابي والاقتراع وسوسيولوجيا الانتخابات. فالحكومة الحالية التي يرأسها عبد الإله بنكيران هي ليست حكومة حزب العدالة والتنمية الذي لم ينل في الانتخابات التشريعية ل 25 نونبر 2011 سوى 27,08% من مقاعد مجلس النواب؛ في حين أن هذا الوصف كان ممكنا إذا كان قد نال الأغلبية المطلقة داخل مجلس النواب (51% على الأقل من المقاعد). وفي الواقع، فإن حكومة بنكيران هي "حكومة ائتلاف"، والأكثر من ذلك فهي تتكون من أحزاب متنافرة وذلك سواء على المستوى الإيديولوجي أو على مستوى السجل التاريخي أو على مستوى المبادئ والأهداف. وفي السياق ذاته، فإن الحياة الحزبية المغربية التي تعاني منذ عقود بما يمكن تسميته ب" البلقنة"، أي إقحام أحزاب إدارية وتيارات مختلفة ومتعادية ليس فقط فيما بين الأحزاب وإنما داخل الحزب الواحد، وكذلك ضعف التواصل السياسي لدى أكثرية الأحزاب السياسية (تواصل مرحلي بغايات انتخابية)، وأزمة الثقة بينها وبين المواطن المغربي أدت إلى عدم وجود أحزاب قوية قادرة – في الوقت الراهن – على نيل الأغلبية المطلقة داخل مجلس النواب وتكوين فريق حكومي قوي ومتجانس قادر على أن يلعب دوره الدستوري كاملا وتطبيق برنامجه الحكومي. الشيء الذي قد يفرغ الرهانات الانتخابية من قيمتها وقدرتها على التغيير. وبالتالي فإن هذا الواقع يخول للمؤسسة الملكية إمكانيات التدخل في المجال الحكومي – سواء بحكم الخيارات الاستراتيجية للدولة الواسعة المفهوم المشار إليها سابقا أو بحكم ضعف الحكومة وتشرذمها– لملء الفراغ أو للحسم في النزاعات المفتعلة بين مكونات الأغلبية. أخيرا، فإن شيء من البراغماتية السياسية (عدم امتلاك الأغلبية المطلقة وكذلك تفادي الاصطدام بالمؤسسة الملكية) وشيء من محاولة تقريب الإسلاميين من إمارة المؤمنين تدفع برئيس الحكومة الحالي وحزب العدالة والتنمية، ذو المرجعية الإسلامية، للمهادنة بل وأيضا التنازل. هوامش: -%97،58 من الناخبين أدلوا ب "نعم" للتعديل الدستوري الجديد؛ -يتكون البرلمان من مجلسين، مجلس النواب الذي يتم انتخابه بالاقتراع العام المباشر لمدة خمس سنوات، ومجلس المستشارين الذي يتم انتخابه بالاقتراع العام غير المباشر لمدة ست سنوات؛ -عين الملك حكومة عبد الإله بنكيران بظهير شريف رقم 1.12.01 صادر في 9 صفر 1433 (3 يناير 2012)؛ -خطاب العرش ل30 يوليوز 2015؛ -أنظر،Bendourou (O), Réflexions sur la constitution du 29 juillet 2011 et la démocratie, in La nouvelle constitution marocaine à l'épreuve de la pratique, édition La Croisée des Chemins, Casablanca, 2014, p. 136-140. *باحث، دكتوراه العلوم السياسية.