يذهب عبد العالي حامي الدين ، القيادي في حزب العدالة والتنمية، وأستاذ الأنظمة الدستورية بجامعة محمد الخامس بالرباط، إلى أن التأخر في تشكيل الحكومة ، لا يتطلب استدعاء الفصل 42 من الدستور، أو طلب التحكيم الملكي، ويعتقد أن الحل لتعذر تشكيل أغلبية حكومية هو حل مجلس النواب. بعد انتخابات السابع من أكتوبر المنصرم، حصل حزب العدالة والتنمية على 125 مقعدا برلمانيا، متصدرا بذلك نتائج ثاني انتخابات لأعضاء مجلس النواب بعد الدستور الجديد، وعلى أساس هذه النتائج، طبقا لمقتضيات الفصل 47 من الدستور، عين الملك محمد السادس، يوم 10 أكتوبر، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية رئيسا للحكومة. وفي انتظار تعيين باقي الوزراء باقتراح من رئيس الحكومة، فإن هذا الأخير مطالب بتشكيل أغلبية حكومية لا تقل عن 198 مقعدا، ذلك أن الفقرة الثالثة من الفصل 88 «تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح البرنامج الحكومي». وهكذا، فإن عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، مطالب بإجراء سلسلة من المشاورات مع الأحزاب السياسية قصد تشكيل أغلبية حكومية. الدستور المغربي لم يلزم رئيس الحكومة بآجال معينة، لكن مستلزمات السير العادي لمؤسسات الدولة تتطلب تشكيل الحكومة في أوقات معقولة. غير أن تحقيق هذا الطموح ينبغي أن يحترم مبدأ سمو الدستور (الفقرة الأولى)، وأن ينتبه إلى مبدأ الأغلبية الحكومية المنبثقة عن مجلس النواب كقاعدة مركزية في النظام الدستوري المغربي، لا يمكن تجاهلها كفلسفة مستقرة في متن الدستور المغربي شكلا ومضمونًا (الفقرة الثانية)، وبناء عليه، فإن الأساس الدستوري لحل إشكالية تعذر توفر أغلبية حكومية يوجد في الفصل 98 من الدستور المغربي (الفقرة الثالثة). 1- مبدأ سمو الدستور لا بد من التذكير بهذا المبدأ الدستوري المعروف ونحن نبحث عن الجواب الدستوري المطلوب عن بعض الإشكاليات القانونية والسياسية التي تعترض الممارسة، والمقصود بمبدأ سمو الدستور، هو علو القواعد والأحكام الدستورية على غيرها من القواعد القانونية المطبقة في الدولة، وضمان خضوع الجميع لأحكامه، حكاما ومحكومين، مع ضرورة إيجاد التفسيرات الكفيلة باحترام أحكامه من قبل الأفراد وهيئات الدولة المختلفة، ولذلك، فإن البحث عن الجواب الدستوري عن تعذر تشكيل الأغلبية الحكومية لأي سبب من الأسباب ينبغي أن يخضع لهذا المبدأ، وهو ما لا يسمح بالاجتهاد خارج نص الدستور ولا يسمح بالتعسف في تأويل نصوص الدستور، خاصة في النازلة التي نحن بصددها، والتي تمت معالجتها بشكل صريح في نص الدستور الحالي، ولا مجال للاجتهاد فيها مع وجود صريح النص. من النتائج المترتبة على قاعدة السمو، احترام مبدأ المشروعية: حيث لا يمكن أن يصدر أي قرار فردي أو مؤسساتي إلا في حدود الاختصاصات التي ينص عليها الدستور بشكل صريح، وأي سلطة من سلطات الدولة لا يمكن أن تمارسها إلا السلطة التي خولها الدستور إياها وبالحدود التي رسمها. ويعتبر مبدأ السمو من المبادئ المسلم بها في النظرية العامة للقانون الدستوري حتى في حال عدم النص عليه في صلب الوثيقة الدستورية. إن الدستور هو مصدر جميع السلطات العامة في الدولة، وهو ما يعني أن هذه السلطات لا تمارس حقاً شخصياً تقوم بتصريفه كما تشاء، وإنما تمارس وظيفة تحددها النصوص الدستورية وتبين شروطها ومداها. لكن قبل قراءة الفصل 98 من الدستور الذي عالج الإشكالية موضوع هذه المقالة، لا بد من قراءته على ضوء المكانة الجديدة التي أعطاها الدستور المغربي للعملية الانتخابية بصفة عامة، ولمفهوم الأغلبية البرلمانية/الحكومية، انسجاما مع تطور الطابع البرلماني للنظام الدستوري المغربي. 2- مبدأ الأغلبية الحكومية لا بد من التوقف عند الفقرة الثالثة من الفصل 88 التي تعتبر من أهم عناصر التقدم في الدستور المغربي، والتي تبرز الطابع البرلماني للنظام الدستوري المغربي، حيث تعتبر «الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح البرنامج الحكومي». وبالتالي، فإن تصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء يعتبر بمثابة تنصيب برلماني للحكومة، ما يتعذر معه قيام حكومة بدونه. وتندرج قاعدة الأغلبية الحكومية في إطار فلسفة الدستور الجديد التي اعتبرت أن «النظام الدستوري للمملكة يقوم على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها… وعلى ربط المسؤولية بالمحاسبة» (الفصل الأول). إن فصل السلط وربط المسؤولية بالمحاسبة ينسحب بشكل مباشر على المؤسسات التي تمارس السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية. ولذلك اعتبر الفصل الثاني من الدستور أن «السيادة للأمة، تمارسها مباشرة بالاستفتاء، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها»، كما اعتبر أن «الأمة تختار ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم». إن شرعية تمثيلية الأمة داخل المؤسسات المنتخبة تتم عبر الاقتراع الحر والنزيه والمنتظم، وقد تأكد ذلك بالتنصيص الصريح على أن «الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي» (الفصل 11 من الدستور)، ولذلك، فإن مؤسسة الحكومة تكتسب مشروعيتها الديمقراطية انطلاقا من الإرادة الحرة للمواطنين المعبر عنها بواسطة الانتخابات، التي من المفترض أن تنتهي بفرز أغلبية وأقلية. غير أن الدستور المغربي، واستحضارا منه لإمكانية عدم فرز أغلبية برلمانية واضحة تمكنها من تشكيل الحكومة، حسم اختيار رئيس الحكومة في الفصل 47 «من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب»، وذلك «على أساس نتائجها»، فيما ربط «التعيين الملكي لباقي أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها». فمشروعية تعيين رئيس الحكومة تكتسب من الاقتراع العام المباشر، فيما تعيين باقي الوزراء يكتسب مشروعيته من سلطة الاقتراح التي يتمتع بها رئيس الحكومة المعين من قبل الملك بناء على نتائج الاقتراع العام. إذن، من الواجب القول إن الدستور المغربي كان واضحا في ربط موقع رئاسة الحكومة بنتائج انتخابات أعضاء مجلس النواب، ولا مجال للبحث عن إمكانيات أخرى خارج هذه القاعدة المركزية في النظام الدستوري، وبالتالي، فإن احتمالات اللجوء إلى الحزب الثاني لرئاسة الحكومة تفتقر -في جميع الأحوال- إلى الأساس الدستوري، كما أن الدعوة إلى التحكيم الملكي، في حال تعذر تشكيل الأغلبية الحكومية، هي تعبير عن انحراف واضح في فهم معنى التحكيم الملكي والسياقات التي تتطلب استدعاءه. غير أنه ينبغي أن نلاحظ أن التقدم الحاصل في مكانة الانتخابات من الناحية الدستورية، لم يواكبه تقدم مماثل في الإطار القانوني المنظم للعملية الانتخابية، الذي يبقى مسؤولا بشكل أو بآخر عن عدم فرز أغلبية برلمانية واضحة. ولذلك، فإن مسلسل تشكيل الحكومة، في ظل نظام انتخابي، لا يسمح بإفراز أغلبية برلمانية واضحة من حزب واحد أو حزبين، كما هو الحال في معظم الدول الديمقراطية، وهو ما يستدعي من رئيس الحكومة البحث عن أغلبية برلمانية قبل اقتراح أعضاء الحكومة على الملك، وهو ما سيتطلب زمنا سياسيا معينا، قد يطول وقد يقصر حسب نجاح الأطراف المعنية في بناء التوافقات المطلوبة، وتجاوز هذه الصعوبات، وهي صعوبات سياسية بطبيعتها، والمخرج منها لا يمكن أن يكون إلا سياسيا، أما التأخر في تشكيل الحكومة، فليس هناك ما يمنعه من الناحية الدستورية (باستحضار التجارب الديمقراطية المقارنة، فإن تشكيل أغلبية حكومية قد يتطلب عدة أشهر)، ولا يمكن أن يكون أساسا لاستدعاء الفصل 42 من الدستور أو الحديث عن ضرورة اللجوء إلى التحكيم الملكي كما ذهب البعض. لكن، في حال تعذر تشكيل أغلبية حكومية لأي سبب من الأسباب، فإن الجواب موجود في الدستور، وهو ما سنتطرق إليه في الفقرة الموالية. 3- حالة تعذر تشكيل الأغلبية الحكومية قبل الجواب عن هذا السؤال، لا بد من العودة إلى سياق كتابة الدستور، والتوقف عند خطاب 9 مارس 2011، الذي وعد فيه الملك بدستور جديد يقوم بتكريس تعيين الوزير الأول من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات مجلس النواب وعلى أساس نتائجها، كما دعا الملك في خطاب 17 يونيو 2011 إلى الانبثاق الديمقراطي للسلطة التنفيذية، بقيادة رئيس الحكومة الذي يتم تعيينه من الحزب الذي تصدر انتخابات مجلس النواب، «تجسيدا لانبثاق الحكومة من الاقتراع العام المباشر». وإذا كان رئيس الحكومة، طبقا لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 47، هو المخول لاقتراح أعضاء الحكومة على الملك قبل تعيينهم، فإن إعلان تعذر تشكيل أغلبية حكومية يعود إلى تقديره هو باعتباره المعني بتقديم البرنامج الحكومي الذي يعتزم تطبيقه أمام مجلس النواب، قبل تحصيل ثقة مجلس النواب المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة لأعضائه لفائدة البرنامج الحكومي. فإذا كان الملك يمتع بصلاحية حق حل مجلسي البرلمان أو أحدهما بظهير، فإن هذا الحل يتم طبق الشروط المبينة في الفصول 96 و97 و98 (الفصل 51)، «فللملك، بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية وإخبار رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين، أن يحل بظهير المجلسين معا أو أحدهما» (الفصل 96)، و«يقع الحل بعد خطاب يوجهه الملك إلى الأمة». هذه العودة إلى الأمة لشرح الحيثيات الموجبة للحل تحمل دلالة واضحة باعتبار «الأمة هي صاحبة السيادة»، وباعتبار أن الأمة هي التي اختارت «ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم». وقد ألزم المشرع الدستوري الأمة ب«انتخاب البرلمان الجديد أو المجلس الجديد في ظرف شهرين على الأكثر بعد تاريخ الحل» (الفصل 97)، وهو أجل دستوري كاف لإعادة انتخاب المجلس الذي تم حله، أو كلا المجلسين في حال تم حلهما معا، لأي سبب من الأسباب. وحرصا من المشرع الدستوري على الاستقرار المؤسساتي المطلوب، فإنه اشترط أنه «إذا وقع حل أحد المجلسين، لا يمكن حل المجلس الذي يليه إلا بعد مضي سنة على انتخابه» (الفقرة الأولى من الفصل 98)، وترك استثناء واحدا يمكن في حال وقوعه أن يتم حل المجلس ولو داخل أجل سنة من انتخابه، وهو «في حال تعذر توفر أغلبية حكومية داخل مجلس النواب الجديد» (الفقرة الثانية من الفصل 98). إن المكانة التي يحتلها مبدأ الأغلبية الحكومية في النظام الدستوري دفعت إلى استحالة الحفاظ على مجلس النواب قائما في حال تعذر تشكيل أغلبية حكومية -ولو بشكل مؤقت، أي في حدود سنة واحدة- حتى ولو تم انتخابه مرة ثانية بعد حله لأي سبب من الأسباب الممكنة. الخلاصة: إن القراءة المتأنية لمسطرة حل البرلمان، أو أحد المجلسين طبقا لمقتضيات الفصول 51، 96، 97 و98 من دستور 2011، تفيد بأن المشرع الدستوري شدد على ضرورة توفر أغلبية حكومية حتى بعد انتخاب مجلس النواب الجديد (أي المنتخب بعد حل مجلس نواب قديم)، وهو ما يعني أن الجواب الدستوري الممكن في حال تعذر تشكيل أغلبية حكومية في الظروف الراهنة، بناء على النتائج التي أفرزها اقتراع 7 أكتوبر، يكون هو حل المجلس المنتخب، وذلك من باب أولى، احتراما لمبدأ الأغلبية البرلمانية المستقر في متن دستور 2011، وانسجاما مع منطوق الفصل 98 من الدستور. انطلاقا مما سبق، وجوابا عن النازلة المطروحة حاليا، فإنه في حال إخبار جلالة الملك بشكل رسمي من قبل رئيس الحكومة بتعذر تشكيل أغلبية حكومية بالشروط التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة، فإن المخرج الدستوري هو حل مجلس النواب الجديد من طرف الملك بظهير، وذلك بعد استشارة رئيس المجلس الدستوري (الذي يقوم مقام المحكمة الدستورية)، وإخبار رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين، وأن يتم تنظيم انتخابات جديدة لاختيار أعضاء مجلس النواب في غضون شهرين على الأكثر من تاريخ الحل.