بالرغم من المكاسب التي حصل عليها مغاربة الخارج على مستوى المقتضيات الدستورية وحرص الحكومة على تفعيلها من خلال تنفيذ البرنامج الحكومي، إلا أن الإرث الثقيل بسبب تعاقب سياسات عمومية غير متناغمة لم تستجب للانتظارات المستعجلة لمغاربة الخارج فيما يخص مواكبة الاحتياجات والمطالب المستعجلة، ولهذا نؤكد على ضرورة اتخاذ تدابير وآليات جديدة ونهج سياسة أكثر وعيا بالتحديات الجديدة وحلول مبدعة من أجل التعامل مع الظروف الحياتية للمهاجرين المغاربة خلال وجودهم بأرض الوطن بالشكل الذي يراعي ويخدم حجم الإكراهات الاجتماعية والقانونية المفروضة عليهم بالمهجر، وخاصة مع أول تحد ظهر في الآونة الأخيرة، والمتمثل في تهديد دعشنة الشباب المغاربي بشكل عام، أو من أصول مغربية على وجه التحديد. ولذلك نرى أن اللحظة تستوجب تقييم الاستراتيجية ومستوى التقدم في البرامج والإجراءات بشكل. ويستدعي الوقوف على أهم الإشكالات التي يحياها المغاربة القاطنين بالخارج، والتي تحظى بعناية ملكية سامية متميزة والمفترض فيها أن يبقى بعيدا عن كل المزايدات السياسية، ومناقشته توجب الوعي أولا بالمتغيرات الديمغرافية والسوسيو-ثقافية العميقة التي يعرفها مغاربة الخارج، ففي أقل من أربعة عقود عرف المغاربة القاطنون بالخارج متغيرات ديمغرافية وسوسيوثقافية عميقة تتجلى في: -التزايد الديمغرافي الملحوظ حيث أن عدد المغاربة القاطنين في الخارج وصل إلى ملايين 4 ونصف مغربي مقيم بالخارج ، حسب الإحصائيات المتوفرة لدى القنصليات والتمثيليات الدبلوماسية المغربية في جميع دول العالم، و6 ملايين باحتساب المجنسين المقيمين بشكل غير قانوني: -عولمة الهجرة المغربية حيث أنها تجاوزت الحدود الأوربية لتغطي القارات الخمس. -التأنيث البارز حيث أن 52 بالمائة من مغاربة الخارج إناثا والتشبيب متزايدا بحيث أن أكثر من 70بالمائة من مغاربة الخارج لهم أقل من 45 سنة، ثم الحركية المتزايدة للمغاربة خاصة مع تداعيات الأزمة الاقتصادية التي أرخت ظلالها على نسبة من هؤلاء المواطنين والناتجة عن العولمة ونتائجها والتنقل العبر القاري. - بروز نخب سياسية ومدنية ومن نساء ورجال المال والأعمال ولوبي غير مستثمر بأهم المنظمات الدولية ذات التأثير والأثر على القرار الدولي. -تحولات عميقة بسبب عدة عوامل أخرى منها أساسا التجدر المتزايد التوجه نحو الاستقرار النهائي في بلدان الإقامة (مع بروز الجيلين الثاني والثالث والرابع للمغاربة الذين ولدوا وترعرعوا خارج بلدانهم الأصلية فضلا على مسار التوطن في بلدان الإقامة). - تحول في البنية السوسيو-مهنية للجالية المغربية حيث عرفت تحولا نوعيا على امتداد السنوات، إذ يمثل أصحاب الكفاءات العالية في ميادين مختلفة حسب دراسة البنك الدولي أكثر من 17% من مجموع مغاربة العالم مما يجعل المغرب حسب البنك الدولي يصنف في المرتبة الثالثة عالميا بالنسبة لهجرة الأدمغة.000 -المحافظة على علاقات وجدانية وعاطفية قوية مع المغرب، يتم التعبير عنها بأشكال عديدة: العودة المكثفة خلال فترات العطل، ارتفاع المبلغ الإجمالي للتحويلات المالية، انخراط مئات الجمعيات والكفاءات في مشاريع التعاون مع البلد الأصل. بالموازاة مع هذه المتغيرات فإن هناك تهديد حقيقي للمد المتطرف المستهدف للشباب المغاربة ومحاولة دعشنتهم، لا سيما وأن المعطيات الرقمية تؤكد تصدر المغاربة قائمة الوجود الإسلامي في كل البلدان الأوربية، فضلا عن بروز إشكال هوياتي عميق لم يعالج بعدُ. لمواكبة هذه المتغيرات والنقص المتراكم الحاصل فيما يخص الاستجابة لاحتياجات ومطالب مستعجلة عديدة، ورهانات استراتيجية ومصالح حيوية سواء بالنسبة لهذه الفئة من المواطنين أو بالنسبة للمغرب وبالتالي لم يستطع أن يواكب هذه المتغيرات العميقة من طرف الحكومات السابقة مدخله على المستوى الاستراتيجي بالإضافة إلى الحاجة لحماية استعجالية لصورة المغرب ولكفاءاته وعدم إعطاء الفرصة لليمين المتطرف لتصريف أجندته المعادية للأجانب والمغاربة من بينهم. اولا : يتمثل في بناء رؤية وإستراتيجية وطنية طويلة المدى، كما هو الشأن في جميع القطاعات، وتتطلب ضرورة تطوير العمل المؤسساتي المشترك، وتقوية قدرات القطاع المشرف على شؤون الجالية المغربية وإرساء شراكة استراتيجية مع الفاعلين المغاربة بالخارج و تقوية وإغناء العمل المشترك مع دول الاستقبال، فالتفعيل الأمثل للدستور يستدعي أن تكون لدينا إستراتيجية وطنية منبثقة عن رؤية واضحة المعالم في تدبير هذا الملف0 ثانيا: استعجالية تقديم جواب مؤسساتي لمواجهة تهديد المد المتطرف والداعشي المستهدف للشباب المغربي ومن الاجيال الصاعدة، وتحصينها من الفكر الارهابي لأن المؤلم أن التقارير الأمنية تشير إلى أن أغلب المقاتلين أجانب وهاجروا إليها من بلجيكا وفرنسا وألمانيا وأمريكا ونسبة مقلقة من أصل مغربي، والمعطيات التي رصدها وزير الداخلية بمجلس النواب في الانضمام المرتفع للشباب من أصل مغربي حوالي 1350 مقاتل من أصل مغربي التحق للقتال باسم ما يسمى بالدولة الاسلامية في العراق والشام. هذه الحقائق تلقي علينا المسؤولية المشتركة لمواجهة دواعي تغذية الفكر الداعشي لدى هذه الأجيال الصاعدة والتي تبدو مؤشراته مقلقة بالنظر لضلوع شباب من أصل مغربي في جل الأحداث الإرهابية التي عرفتها أوروبا، فضلا على أن العرض الديني في السوق الدينية المعولمة بالخارج يقدم شبابنا كلقمة سائغة تتغذى من سياق ومناخ الكراهية والاسلاموفوبيا وأزمة الهوية والظروف الحياتية لنسبة من الشباب الذي يعيش الهشاشة في كل معانيها الروحية والاقتصادية والاجتماعية. أولوية تقديم جواب مؤسساتي للمطلب الديني والثقافي يدمج كل أبعاد الثقافة المغربية المتنوعة بالنظر الى الاحتياجات العاجلة والتهديدات الواقعية المحيطة بالهوية الدينية والثقافية المعتدلة للمغاربة القاطنين للشباب خاصة تفرض نفسها وهي ترجمة لالتزامات المغرب الدستورية بمقتضى الفصل16 ، وفق مقاربة تشاركية ومندمجة من أجل تطوير وتنويع وتوسيع برامج التربية والتأطير الديني والثقافي وتقديم عرض ثقافي قوي وجذاب متناغم من خلال المراكز الثقافية التي أعطى الانطلاق لإحداها جلالة الملك كجواب للمملكة لأهمية البعد الثقافي في مواجهة الإرهاب تجاوبا مع المطالب المتزايدة للمغاربة المقيمين في الخارج لحماية هويتهم الوطنية الدينية والثقافية وحماية لهم من غوائل التطرف ومكافحة تهديد الدعشنة. وبالتالي، نرى أنه لابد من إحداث لجنة بين وزارية خاصة ببلورة مشروع مكافحة التهديد الداعشي والتطرف المستهدف للشباب المغاربة وإبرام اتفاق كإطار للعمل من أجل بلورة ورسم محاور هذا المشروع يضم الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة، المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج ومؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، وزارة الثقافة ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ومجلس الجالية و وزارة التجارة الخارجية باعتبار إشرافها المباشر على الأجهزة القنصلية كمرافق لتنفيذ السياسات العامة في شقها الإداري0 وإحداث لجنة تنسيق وتتبع دائمة مشتركة بين المؤسسات كإجراء من أجل المساهمة في تحقيق التماسك المطلوب في السياسات العمومية الموجهة نحو المواطنين المغاربة بالخارج التي تواجه تهديدات خطيرة خاصة فيما يتعلق بالاحتياجات ذات الاولوية و تنظيم مناظرة وطنية في الموضوع بالتشارك مع المجتمع كل الفاعلين بالداخل والخارج لتحديد مخرجات حماية شبابنا من مشروع القتل والدمار وتهديد الدعشنة0 *نائبة برلمانية وباحثة في شؤون الهجرة وتُعد لأطروحة دكتوراه في موضوع المواطنة العابرة للحدود