وصل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزيأمس الاثنين الى المغرب حيث كان في استقباله الملك محمد السادس، في زيارة رسمية تستغرق ثلاثة أيام لبلورة فكرته عن الاتحاد المتوسطي، وحشد التأييد لقطاع الأعمال الفرنسي، وإنقاذ صفقة بيع مقاتلات قيمتها 2.5 مليار دولار . ومن المنتظر أن يدفع الرئيس الفرنسي، خلال هذه الزيارة، باتجاه تعزيز تعاون البلدين في المجال النووي السلمي، بموجب إعلان نوايا يفترض أن يوقع بين الرباط وباريس، كما سيقوم بمحاولة لإقناع المغرب بتفضيل طائرات رافال الفرنسية، التي لم يسبق أن بيعت لدولة أجنبية، على طائرات إف - 16الأميركية. ويرافق ساركوزي إلى الرباط وفد مهم يضم أكثر من 70 فاعلا اقتصاديا ورجل أعمال، الشيء الذي يترجم الإرادة الفرنسية في الرقي بالعلاقات الاقتصادية الثنائية. "" وحطت طائرة الرئيس الفرنسي بمطار المدينة، على الساعة الرابعة والنصف ، فيما كانت أشعة شمس توشك على الغروب، ما أعطى لمراكش الحمراء رونقا خاصا اضاف إلى الحلة الجميلة التي اكتستها المدينة بعد تزيينها بأعلام البلدين.ولدى اقتراب الموكب من ملتقى الطرق، وعلى مقربة من فندق المامونية الشهير، ارتفعت التصفيقات والهتافات مدعومة بأهازيج وإيقاعات الفرق الفلكلورية. ومن المقرر أن يلقي الرئيس الفرنسي بمدينة طنجة، ملتقى الحضارات، والتي "تجسد الانفتاح على حوض البحر الأبيض المتوسط"، خطابا يعرض فيه معالم مشروعه الطموح المتعلق بالاتحاد المتوسطي الذي يعتبر "صلة وصل بين أوروبا وإفريقيا". ويرى العديد من الملاحظين أن الشراكة الأورومتوسطية التي تضم37 دولة، فرضت نفسها لكونها توفر لهذه الدول إطارا للحوار السياسي الشامل، وتتضمن إنجازات اقتصادية حقيقية يستهان بها في غالب الأحيان (برامج ميدا والبنك الأوروبي للاستثمار ومنطقة التبادل الحر الضرورية على مستوى التدفقات التجارية)، كما ساهمت هذه الإنجازات في تعزيز الاتصالات بين المجتمعات المدنية. ويتعلق الأمر بتجميع البلدان المطلة على المتوسط حول مشروع مشترك يعنى بالتنمية الاقتصادية والأمن والبيئة والثقافة. ويؤكد معهد الاستشراف الاقتصادي للفضاء المتوسطي على مجالات الماء والفلاحة والنقل والطاقة. وبالنسبة للرئيس الفرنسي، فإن الاتحاد المتوسطي يمكن أن ينتظم حول لقاء دوري لرؤساء البلدان والحكومات على شاكلة مجموعة الثمانية بالنسبة للدول المصنعة الكبرى، بحيث ستتوفر (الاتحاد المتوسطي) على مجلس للمتوسط، كما تحظى أوروبا بالمجلس الأوربي، علاوة على نظام أمني جماعي يمكنه من تثبيت الأمن بدل السباق نحو التسلح والتهديد. وشهدت العلاقات الاقتصادية بين البلدين، خلال السنوات الأخيرة، طفرة نوعية، تجسدت في المكانة المتميزة التي تحتلها فرنسا ضمن الشركاء الاقتصاديين للمغرب سواء على صعيد المبادلات التجارية أو الاستثمارات او السياحة أو التعاون المالي. وتعد فرنسا أول شريك تجاري للرباط بحجم مبادلات مهم، مافتىء يتزايد منذ عدة سنوات. وحسب مكتب الصرف، ارتفعت المعاملات التجارية بين البلدين من 55.8 مليار درهم سنة 2002 إلى 58.6 مليار درهم سنة 2004، قبل أن تصل إلى حوالي 70 مليار درهم سنة 2006. وشكلت الصادرات المغربية إلى فرنسا 32.5 مليار درهم من مجموع المبادلات التجارية للمغرب سنة 2006، في حين بلغت الواردات حوالي 37.1 مليار درهم، مما نتج عنه رصيد بقيمة 4.6 مليار درهم لصالح فرنسا. وتشمل المبادلات بين البلدين مجموعة متنوعة من المنتوجات، تضم مواد إلكترونية، وألبسة جاهزة، ومنتوجات فلاحية بالنسبة للصادرات المغربية، والمحروقات والقمح والسيارات والطائرات بالنسبة لصادرات فرنسا. وتأتي فرنسا في المقدمة من حيث الاستثمار بالمغرب وفي المرتبة الثانية ضمن الممولين للمملكة بعد البنك العالمي. وقررت باريس رفع قروضها ذات الامتياز إلى المغرب إلى 460 مليون أورو برسم الفترة 2007 - 2009، في حين رفعت الوكالة الفرنسية للتنمية من الغلاف المالي المخصص للمغرب إلى 460 مليون أورو، بدل 300 مليون خلال الفترة 2004 -2006. كما تشكل تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج (20.6 مليار درهم سنة 2006)، موردا مهما للعملة الصعبة بالنسبة للاقتصاد الوطني، تساهم في توازن ميزان الأداءات، في الوقت الذي يسجل فيه الميزان التجاري للمغرب عجزا حادا.ويعكس هذا التطور المتزايد الذي يشهده التعاون الاقتصادي بين المغرب وفرنسا انشغال البلدين بتعزيزه أكثر للرقي به إلى مستوى العلاقات التاريخية والمتميزة القائمة بين الرباط وباريس. وبخصوص قضية الصحراء المتنازع يبقى ساركوزي متشبثا ب "موقف فرنسا إزاء هذه القضية"، مشيدا باستئناف المفاوضات بمنهاست، والتي جرت على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1754 وهو القرار. وقال الرئيس الفرنسي، في تصريح لوكالة الأنباء المغربية الرسمية، إن "هذا القرار، كما تعلمون، يشير إلى مبادرة الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب، وهو المقترح الذي وصفناه بذي المصداقية والبناء". توقيع اتفاقيات قضائية واقتصادية بين الرباط وباريس الى ذلك ترأس العاهل المغربي وساركوزي، مساءأمس بالقصر الملكي بمراكش مراسم التوقيع على عدد من اتفاقيات التعاون بين المغرب وفرنسا تهم مجالات النقل السككي والتعاون القضائي والضمان الاجتماعي والمعادن والتطهير السائل.ويأتي المجال السككي على رأس التفاقيات الموقعة، إذ قالت شركة الستوم للسكك الحديدية أن البلدين وقعا اتفاقا بشأن مشروع لخطوط القطارات فائقة السرعة يربط بين مدينتي طنجة والدارالبيضاء. وقالت الستوم في بيان لها "مذكرة التفاهم بين المغرب وفرنسا... تمنح الصناعة الفرنسية وبخاصة الستوم... أعمال التصميم والتنفيذ والتشغيل والصيانة لخط طنجة-الدارالبيضاء فائق السرعة"، مضيفة أن "مرحلة طنجة-القنيطرة ستكون الأولى من هذا المشروع"، وأكدت أنه من المقرر أن يصبح هذا الجزء جاهزا للعمل في 2013. وفي مراكش، قال باتريك كرون الرئيس التنفيذي للشركة، والذي كان يرافق الرئيس الفرنسي، إن قيمة الصفقة ملياري يورو "2.8مليار دولار".وخصص لنيكولا ساركوزي استقبال حماسي، إذ احتشدت على جنابات الطريق التي مر منها الموكب أعداد كبيرة من عاصمة النخيل، إلى جانب مواطنين فرنسيين وسياح أجانب. وهكذا تبرهن باريس عن رغبتها في الإسهام في جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمغرب الذي انخرط بعزم وإصرار في سياسة إصلاحية شملت عمليا جميع القطاعات.وعلى الصعيد السياحي، فان فرنسا تعد البلد الأول من حيث عدد سياحه الذين يزورون المغرب، والذي بلغ حوالي 2.6 مليون سائح (زائد 8 في المائة)، مما يدر مداخيل تصل إلى حوالي 21.7 مليار درهم أي ما يمثل 41.3 في المائة من مجموع مداخيل الأسفار في المملكة.