تابعت باهتمام مختلف المشاركات التي ساهم بها أعضاء من حزب العدالة و التنمية من قياديين و مسؤولين مجاليين و أعضاء ، في العديد من المواقع و الصفحات الإلكترونية ، وحاولت أن أتفهم مضامينها ودوافعها و مراميها و التي تأتي إما في سياق التعبير عن رأي مخالف أو احتجاج أو عدم قدرة على استيعاب ومن ثمة الرغبة في الاستيضاح أوفي سياق اقتراحي ، لكن رغم ذلك لم أتمكن من استساغة هذا المسلك في التواصل من طرف بعض هؤلاء الإخوة و الأخوات لإبداء موقفهم اتجاه قرار للحزب أو محاسبة مسؤولين عن اصداره أو بعد التعقيبات التي هي من تداعيات هذا النقاش ، وذلك لأسباب مبدئية و إجرائية ، فمن حيث المبدأ يمكن بسط أسباب التحفظ التالية : 1-فمن أوائل حقوق العضو التي يطّلع عليها عند رغبته في اكتساب عضوية حزب العدالة و التنمية ، إبداء الرأي في القضايا السياسية و التنظيمية و المالية للحزب داخل مؤسساته ، و النص هنا في حقيقة الأمر دمج بين الحق وأحد أهم ضوابط ممارسته وهو ساحة التعبير والذي عبر عنه هنا بداخل مؤسسات الحزب وذلك رغبة في إكساب عملية إبداء الرأي و الحوار حجية تنظيمية و قوة بناء، ومن زاوية أخرى فإن أغلب التجارب السابقة لهذه الممارسة أبانت عن مصداقية في التنزيل و حرية تامة في التعبير ، ناهيك على أن الحزب، وبشكل عام، طوّر و لا زال صور تصريف الديموقراطية الداخلية لتصل اليوم إلى مستويات متميزة بشهادة المراقبين ( تنصيص على التداول في تحمل المسؤوليات ..، الحق في إمكانية تجديد الثقة في المسؤولين ، الحق في إقالة المسؤولين ، إقرارحالات التنافي ،أشكال متعددة للتواصل و الحوار....) لهذا السبب الأول أجد من غير المبرر اللجوء إلى فضاءغير فضاء التنظيم لتصريف موقف من قرار أو قضية معينة أو الرغبة في تقويم مسار معين . فحق الفرد إبداء الرأي و حق التنظيم أن يبسط هذا الرأي التنظيمي داخل فضاءاته ومؤسساته المخولة لذلك. 2- مآلات هذه السُنة المرجوحة ، تصريف المواقف خارج ساحات الحزب تفتح الباب لكل من لم يؤخذ برأيه في مسألة ما أن يطل غذا من موقع إلكتروني أو صحيفة أو غيرهما ليظهر إحتجاجه و تخطيئ مخالفيه ويفتح الباب للرد و التعقيب ، لتتوزع الجهود على الإنتصار للمواقف ووجهات النظربدل أن تجتمع لتنفيذ القرار. فهذا المسلك هو تأسيس و تقرير لسُنة و سابقة تنظيمية سيكون عليها ما عليها من تأثير خطير على مصداقية الديموقراطية الداخلية ، إذ ما جدوى الشورى في اتخاذ قرر معين و التصويت عليه ، و ما جدوى تقليب الرأي و مناقشة موضوع ما و أخذ الوقت الكافي في ذلك ليضرب بعرض الحائط رأي الأغلبية ، ألا يمكن اعتبار هذا المسلك نوع من التعالي التنظيمي يفرضه البعض على باقي الأعضاء ، قد يجيب بعض الإخوة بكون الموقف الذي يهمنا هنا لم يكن شوريا وكان تصرفا انفراديا ، لكن في نظري ، لأن نجتمع على رأي كهذا قوّي بقرار تنظيمي ، خير من أن تتناسل مواقف لا حد لها . بعض الإخوة و الأخوات، برر هذا النهج ، بجملة" لو كان كلام(الأخ الفلاني) داخليا لأجبته داخليا" أي أن ردودهم هي إضطرارية دُفعو اإليها من باب إزالة سوء الفهم ، لكن كيفما كان الحال فهذه العبارة توحي بأن الآخر هو من يجب أن يتحمل تبعات ولادة هذا الشكل من التواصل لأنه هو البادئ ، لكن ، في نظري ، السابق و اللاحق معا سقطا في المسلك المرجوح إذ لوكان كل ماينشر عن الحزب أو عن بعض أعضائه قابلناه بسيل من الكتابات ، حتى لو أحسسنا بضرر ذاتي أو توهمنا ضررا جماعيا ، لعطلنا طاقاتنا في ما لا يفيد خاصة إذا كان الطرف الآخر، من أبناء الحزب ،والفرصة ستحين قريبا بينهما ليتمكنا من الاستيضاح و التوضيح . 3- يحتج بعض الإخوة لصوابية هذا الإختيار في نقاش قضايا الحزب علنا ، بمقولة أن هذا الحزب هو حزب للشعب و بالتالي فإن من حق هذا الشعب أن يطلع على تفاصيل ما يجري داخل البيت الحزبي و من ثمة فليس من طريقة أفضل إلا ماقاموا به .،و هذا في نظري مثالية لا يجب أن نسقط فيها لإعتبارات ، أهمها ، أنه إن كانت الغاية من التواصل هي الشفافية و الوضوح ، و معرفة مدى انسجام مواقف الحزب مع إختياراته وتصوراته فهذا يحققه الحزب يوميا بتواصل قياداته و مسؤوليه بشكل مباشر و غير مباشر عبر الأنشطة و البلاغات و البيانات و موقع الحزب و الإستجوابات الصحفية ...أما إن كانت الغاية هي إطلاع المواطن على ما يعتمل داخل الحزب من نقاش تنظيمي يرتبط جزء منه بمساطر و أوراق داخلية فهذا ليس فيه جدوى معتبرة ، لأن المعتبر عند الشعب هو المؤشرات الميدانية ، فالمطلوب عنده التنزيل لا التقعيد. الإعتبار الثاني أنه ليس من صور تجسيد الديموقراطية فتح الباب كلية أمام غير أعضاء الحزب للتعرف على كل تفاصيل حياته التنظيمية ، فهذا ليس معمول به حتى في أرقى الأنظمة ديموقراطية ، فالحزب ليس بدعا في هذا الجانب عن غيره من الأحزاب الديموقراطية . هذا من ناحية المبدأ،أما على مستوى تنزيل هذا النقاش فلي على بعضه الملاحظات التالية ׃ 1- فمما يؤاخذ على مجموعة من المقالات لغة الخطاب المستعملة ،فإذا سلمنا أن للحوار التنظيمي فضاؤه ، فإن من اللازم التسليم أن لأي حوار شروط صحة و أخلاقيات تجعل منه أداة للبناء وتجعل الرغبة في الوصول إلى الموقف السليم هو الغاية المطلقة منه بعيدا عن الذاتية والبحث عن الإنتصار للنفس ، و يمكن التمثيل لبعض هده المؤاخذات بمايلي ، * فمن جهة هناك السقوط في التعميم (مثلا القول، بأن بنكيران يصر كل مرة على خيانة هذه المرجعية(أي المرجعية الإسلامية).. –أو من مثل ( فالسيد الأمين العام في مداخلاته وحواراته دائما يختزل الحركة الإسلامية في حركة الإصلاح و التجديد سابقا ثم يختزل حركة الإصلاح و التجديد في شخصه هو..) ، فالتعميم من الناحية العلمية ، مع تحفظي كذلك على مضامين هذين المثالين ، يستوجب استقراء كاملا لمسيرة من أطلقنا عليه هذه الأحكام ، وهذا لا يتأتى إلا لمراكز الدراسات المتخصصة و المتابعين المهتمين ، و الحالة هذه، فالموضوعية تقتضي النسبية في الطرح . *توظيف مصطلحات ليست في مكانها، إن لم نقل أنها ذات طبيعة اتهامية، أو على الأقل حمالة أوجه ، من مثل كلمة مريدين أو كلمة حواريين ..وفي هذا تلميح إلى أن بعض أعضاء الحزب يتعاملون مع بعض القيادات تعامل المريدين مع شيوخهم حيث تتعطل آلية النصح لهم و تحل محلها الطاعة العمياء في الصواب و الخطأ ، وهذا خلاف واقع الحال في الحزب والنماذج كثيرة هنا. * الإمعان في تحميل الكلمات و الصيغ تحميلات أكبر من المراد منها مما يؤدي إلى التعسف في الإستنتاج. * مناقشة بعض الأمور كأنها من باب الحق مقابل الباطل ، بينما نشأنا في بيئة تنظيمية يتم التذكير فيها كل مرة على أن هذا اجتهادنا في العمل الإصلاحي السياسي و أن مقاربتنا للمواقف هي مقاربة الصواب و الخطأ مادمنا في ميدان الإجتهادات وما دام إختلاف زاوية القراءة و النظرفيه أمر وارد و بقوة، ومن ثمة فلا معنى لمصطلح النفاق أو التولي يوم الزحف في بعض هذه النقاشات. ثم حتى لو سلمنا جدلا بمقاربة الحق و الباطل في بعض الأمور، فليس كل الحق يقال بل يجب أن نسأل قبل قوله ، يقال لمن ؟ومتى ؟وكيف؟ ولماذا؟.. * في أدبيات الحركة الإسلامية ، تشبعنا بروح التقدير لمن هو أكبر منا وسباق في نشر الدعوة واقتحام مجالات العمل و مبادر إلى البذل ومنفق من جهده ووقته ووقت أسرته وصحته في سبيل المساهمة في التأسيس و التمكين لهذا المشروع ، هذا السبق،الذي كان في ظرفية لا تحتاج منا لتوصيف إضافي ، يجعل من الواجب علينا أن نبادله التقدير،ومن صور هذا التقدير الإحترام وأنا لا أتكلم عن شخص بعينه بل عن جيل و من كل التنظيمات العاملة ، فمِثل هؤلاء تذوب أخطاؤهم في إيجابياتهم خاصة إذا كانت الأخطاء تدخل في باب التقدير ، أضف إلى ذلك أن قاموس لغتنا العربية غني بالمصطلحات و بالأساليب التعبيرية التي تفي بغرض معين دون انتقاص من أخ أو إمتهان له ، فكيف إذا كان المعني من طينة من ذكرنا ، و أنا هنا أولا، لا أريد التمثيل بأمثلة على بعض هذه المؤاخذات ويكفي أن أحيل على بعض النقاشات الواردة في عريضة تدعو لإقالة الأمين العام موجودة على صفحات الفايسبوك للإستئناس ، و ثانيا، أقر بأحقية كل عضو في مناقشة المواقف و تقييم ومحاسبة أداء المسؤولين ولو كانوا كذلك من طينة من أشرنا إليهم ، فهذا من بديهيات العمل الجماعي الشوري ومن باب السماء من فوقنا ، ولكن بالمسلكية السليمة تنظيميا و لغة . 2- من المحاذير التي سقط فيها هذا الخروج الإعلامي هو عدم توقف مجموعة من الإخوة و الأخوات في النقاش عند صوابية موقف الأمين العام من عدمه ، بل توسعوا إلى ملفات هي من باب العودة إلى الوراء إن لم اقل فتح باب البلبلة في ساعة نحن في حاجة إلى تضميد الجراح و جمع الصفوف استعدادا لمواجهة تحديات صعبة مقبلة تخص المساهمة القوية في تشكيل صورة المغرب الجديد الذي نطمح إليه جميعا ، من أمثلة هذه المواضيع التطرق إلى ملف الوحدة بين حركة الإصلاح والتجديد و رابطة المستقبل الإسلامي في سياق يفهم منه بيان أوجه التفاضل بين التنظيمين ، التطرق لملف الإنتخابات و بعض ما شابها من إختلالات جزئية ، قدماء الحزب و تهميش الملتحقين به من أبناء الحركة الإسلامية لجهودهم ..هذه أمثلة لمواضيع ، في نظري ، خارج موضوع الساعة ومناط النقاش الحالي ، ولا فائدة حقيقية في الخوض فيها حاليا. 3- من سلبيات الحوارالكتابي في هذه الفضاءات الإفتراضية ، غياب إمكانية توضيح بعض المواقف أو الحيثيات في حينه و الإستدراك المجنب للإستنتاجات المتسرعة ، مما يدفع إلى تناسل الردود و التعقيبات مع ما يصاحب ذلك من دخول في مواضيع لا علاقة لها بالقضية المثارة ، وبالتالي يبقى التواصل المباشر أفضل الطرق و أقلها ضررا إن حصّن بأدبيات الحوار المعروفة، فيكون للإستفسار جوابه في الحين و يكون للشبهة ردها المضاد مما يقطع مع التداعيات السلبية المذكورة ، وكما قدمت سابقا ، ففضاءات الحزب ساحة نموذجية لذلك . ختاما ،حزب العدالة و التنمية ، كتنظيم حزبي ،يجب التذكير على أن العضوية فيه تؤسس على تلازم الحقوق و الواجبات ، و أنها عضوية بناءة ملتزمة،و أنه يجب أن تصرف المواقف في اللحظة المناسبة و بالمسلكية المناسبة ويؤطر ذلك كله بأخلاق رفيعة ، لتظهرحقيقة معدن و طينة أبناء هذه المدرسة الإصلاحية .. صحيح أن الظرف استثنائي ، لكن عند الاستثناءات تظهر قوة التنظيم وسلامة منهجه و اختياراته التصورية و التنظيمية ، ونحن مطالبون مستقبلا بتمحيص وتقييم مواقفنا و أطروحتنا على ضوء تشخيص عميق لواقعنا الذي يحفل بمتغيرات جوهرية ومطالبون بإستخلاص الدروس من هذا التمرين الديموقراطي القاسي . مع متمنياتي أن تكون دورة المجلس الوطني المقبلة محطة شجاعة في التشخيص و القراءة ، شجاعة في اتخاذ القرارات اللازمة و شجاعة في التنزيل . يبقى هذا من باب العتاب ، والله من وراء القصد و هو يهدي السبيل. *مسؤول مجالي في حزب العدالة و التنمية (أكادير)