ترددت في الأيام الماضية داخل كواليس حزب العدالة والتنمية أخبار عن تقديم ملتمس سيتم رفعه إلى مكتب المجلس الوطني من أجل المطالبة بإقالة السيد عبد الإله بنكيران من منصبه كأمين عام للحزب. هذا الملتمس يستند في أساسه القانوني على المادة 79 من النظام الداخلي لحزب العدالة والتنمية والتي تنص على أن للمجلس الوطني أن يعارض في مواصلة الأمين العام لمسؤوليته وذلك بالموافقة على ملتمس الإقالة، ولا يقبل هذا الملتمس إلا إذا وقعه على الأقل ثلث أعضاء المجلس. وبعد اطلاعي على مشروع الملتمس الذي أعده أحد الأعضاء البارزين وأطر حزب العدالة والتنمية، تبين لي أن الدافع وراء الملتمس هو ما اعتبره أصحاب الملتمس خطأ جسيما ارتكبه أمينهم العام، والمتمثل في الإدلاء بتصريحات يعبر فيها عن أن الحزب لن يشارك في مسيرات 20 فبراير، دون العودة للهيئة ذات الاختصاص التي هي الأمانة العامة وفي مستجد سياسي استثنائي وبالغ الأهمية، مما يعتبر خرقا واضحا للمقتضيات القانونية المنظمة لعمل الحزب. ورغم أن النظام الأساسي لحزب العدالة والتنمية يخول لأمينه العام أن يكون الناطق الرسمي للحزب غير أنه أعطى صلاحية تحديد المواقف الرسمية للأمانة العامة حسب المادة 47 من نفس النظام. ودون الخوض كثيرا في مضمون مشروع الملتمس أو الوثائق الداخلية لحزب العدالة والتنمية، لا بد من تحليل هذه المبادرة في سياقها العام الداخلي، الوطني والدولي والمتمثل في العناصر التالية: 1- انتخابات 2009 وما نتج عنها من نتائج متوسطة لحزب العدالة والتنمية رغم توسع دائرة الترشيحات، وخسارة رئاسة بعض المدن التي كانت بحوزته كمكناس وتمارة، والحرب الضروس التي مورست عليه من طرف غريمه الأصالة والمعاصرة والتي حرمته من رئاسة بعض الجماعات المهمة أو المشاركة في تسييرها. 2- الحرب الغير المعلنة من طرف وزارة الداخلية على حزب العدالة والتنمية والتي تمثلت في عدد من البلاغات التي أصدرتها ضد الحزب المذكور في سابقة من نوعها، مما اعتبره بعض المتتبعين خروجا عن الحيادية والاستقلالية وضربا لمبدأ مساواة الأحزاب أمام الدولة. 3- الاستقالات التي همت أعضاء العدالة والتنمية بسبب المشاكل المرتبطة بالإعداد الانتخابي، والتي كانت محور تدخل من طرف عدد من الأطراف والتي عكست ولاءات قديمة وعلاقات قبلية نتج عنها اصطفافات وتدخلات من أجل تزكية أشخاص دون آخرين. 4- قوة شخصية الأمين العام وذاتيته المفرطة التي طبعت أداءه في منصبه، وقد كان هذا عاملا مهما دفع غالبية أعضاء المؤتمر الوطني الأخير للحزب سنة 2008 إلى اختيار عبد الاله بنكيران دون سلفه سعد الدين العثماني أو منافسه مصطفى الرميد. 5- توقيع عدد مهم من قياديي الحزب الجهويين والإقليميين لبلاغ يؤطر مشاركتهم بصفة فردية في مسيرة 20 فبراير بالرباط بعد اتخاذ الأمانة العامة لقرار عدم المشاركة في مسيرات 20 فبراير، مما اعتبره البعض التفافا على قرار المؤسسات ومحاولة لعصيانه، وهو ما سيدعو الأمين العام ونائبه المكلف بالتنظيم الحزبي إلى نهج مسطرة الاستماع والتقصي بحقهم. 6- إصدار حزب العدالة والتنمية لبلاغ صرح من خلاله أن قراره بعدم المشاركة في تظاهرة 20 فبراير قد تم في الأمانة العامة للحزب بعد أربع ساعات من النقاش المستفيض الذي تناول الموضوع من مختلف جوانبه كما أنه تم اتخاذه من خلال تصويت سري، وأن مشاركة أي عضو من الحزب مهما كان وضعه فيه لا يمكن أن تكون إلا مشاركة شخصية وعلى مسؤوليته ولا يمكن أن تعتبر تمثيلا للحزب بأي شكل من الأشكال. 7- تقديم قياديين بارزين لاستقالاتهم من الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية وهم مصطفى الرميد، الحبيب شوباني، عبد العالي حامي الدين وقد أكد أحدهم في رسالته أن دواعي الاستقالة ولعلها دواعي الجميع، تتمثل في التدبير المرتبك الذي طبع سلوك بنكيران في هذه المرحلة وخاصة الموقف المتعلق ب20 فبراير، واعتبره قرارا انفراديا من قبل الأمين العام رهَن معه باقي مؤسسات الحزب. إن كل هذه الأحداث وغيرها في نظري هي ما دفعت بعض أعضاء المجلس الوطني لاقتراح ملتمس إقالة أمينهم العام، كفعل ديمقراطي يستند على قوانين الحزب، ليبقى السؤال المطروح، هل هو سلوك ديمقراطي حقا أم أنه تصفية حسابات وإرسال رسائل ملغومة؟ إن حداثة حزب العدالة والتنمية في المشهد السياسي وتجربته في المجال التنظيمي وانتقاله من تجربة دعوية صرفة إلى ممارسة العمل السياسي رغم كل ما يقال عن الفصل بين الحزب كمشروع سياسي وحركة التوحيد والإصلاح كإطار دعوي مستقل، تجعل ممارسته التنظيمية المتقدمة بالنسبة لسنه تجربة محفوفة المخاطر من شأنها أن تخلق انقاسامات عدة وتفرق أعضاءه أمام توسع حجم المسؤوليات داخل الشأن العام والمحلي، وهذا ما يتضح في عدد من القرارات التي أصدرتها هياكله، من حل لبعض الفروع وتأديب عدد من الأعضاء ومنع آخرين من الترشح لتمثيل الحزب. إن هذه الممارسة التنظيمية جعلت الحزب أشبه بمحاكم التفتيش التي نصبت نفسها من أجل محاسبة الأعضاء وتقييمهم في دائرة الأخلاق والمرجعيات التي تبقى مجرد نظريات لا علاقة لها بالسلوك العملي. وكل متمرس في العمل السياسي يتفطن جيدا لهذه القرارات، ويعي خلفيتها التي غالبا ما تكون مقرونة بتصفية حسابات داخلية وإزاحة الخصوم باسم القانون. وعلى ضوء هذا التحليل، أجد أن هذه المبادرة الديمقراطية كما يدعي أصحابها ليست إلا ورقة ضغط يحاولون من خلالها إبراز أهميتهم واستغلال الظرف السياسي المرتبط بالثورة في العالم العربي من أجل القيام بثورة داخلية ظاهرها التقييم والمحاسبة وباطنها الانقضاض على الأمانة العامة من أجل موقع أقوى وتشكيل لوبيات أكثر ضغطا من أجل تموقع جيد في انتخابات 2012. وسأحاول أن أعلل هذا التحليل كالآتي: 1- هل تتم إقالة الأمين العام لحزب ما على ضوء تصريح معين؟ عمليا، مسؤول من حجم الأمين العام منتخب بشكل ديمقراطي في مؤتمر وطني كبير، لا يمكن التفكير في إقالته على ضوء موقف سياسي أصدره إلى موقع إخباري، أيدته الأمانة العامة باتخاذ نفس الموقف. وكان بالأحرى على هؤلاء الإخوة اقتراح مدارسة الواقع السياسي المغربي الحالي واتخاذ موقف أكثر شجاعة وانسجاما من شأنه أن يحقق زخما سياسيا. 2- قد يقول بعضهم بأن الأمين العام للحزب فرض على أعضاء الأمانة العامة موقفه، وهيأهم لاتخاذه وعدم مخالفته، وفي هذا القول امتهان لقيمة أعضاء كبار من حجم باها والداودي والعثماني الذين يعرفهم الجميع باستقلاليتهم وتبصرهم، كما أن تصويت الأمانة العامة على الموقف المتخذ لم يتضمن أي تصويت بالمشاركة وامتناع شخص واحد عن التصويت. 3- إن الأمين العام اتخذ مواقف شجاعة وخاض حربا ضروسا على بعض خصوم الحزب، وبذل مجهودات كبيرة من أجل إطلاق سراح جامع المعتصم والعمل من أجل الإفراج عن المعتقلين الستة وانتقاد الأداء الحكومي بقوة وفي اجتماعات رسمية، فهل يمكن نسيان كل حسناته في مقابل موقف اتخذه إزاء حركة معينة لم يسئ لها كما جاء في حواره مع ممثلي حركة 20 فبراير في ندوة الأيام. هذا يعتبر ضربا من الإجحاد إلى رجل تحمل العديد من الإساءات وخسر الكثير في منصبه الحالي وهي ضريبة المسؤولية والعمل السياسي. 4- أليس من شأن إقالة الأمين العام أن تكون لها تداعيات سياسية ستزيد من ضخامتها وسائل الإعلام وأبواق الخصوم والانتهازيين، والحزب حاليا في سياق سياسي تاريخي مهم يستحق منه الترابط وتعميق النقاش من أجل اتخاذ خطوات أكثر انضباطا ووعيا. 5- إن الخطوة المذكورة ليست فعلا ديمقراطيا بل وسيلة تنظيمية أقرها قانون الحزب لكنها تبعد عن الغاية الديمقراطية للمادة القانونية، فالأمين العام انتخب من طرف المؤتمر الوطني لمدة 4 سنوات وعدم رضانا على أدائه ينبغي أن يتجلى في مؤتمر الحزب المقبل بعد أربع سنوات من أجل تقييم موضوعي غير مجحف يعطي للأمين العام حقوقه كاملة ووقته الكافي من أجل تنزيل برنامج الحزب، ورغم أن المجلس الوطني هو أعلى مرتبة قانونية من الأمانة العامة، فهو أقل مرتبة من المؤتمر الوطني الذي انتخب الأمين العام والمنطق الديمقراطي يقتضي احترام الهيئات وتراتبيتها بالنظر إلى الاختصاصات المسندة، والحق الذي أعطي للمجلس الوطني من أجل إقالة الأمين العام هو حق مقيد بالخطأ الجسيم الذي يلحق ضررا بالغا بالحزب. وفي الختام ينبغي على سياسيي العدالة والتنمية داخل حزبهم أن يعوا جيدا ماهية وغايات القاعدة القانونية المنظمة لعملهم الداخلي، وإلا كيف سنفسر المطالبة بالإصلاحات السياسية والدستورية واستقلال القضاء والإفراج عن المعتقلين السياسيين رغم أنهم حوكموا استنادا على قوانين. إن الديمقراطية ليست نتاج تطبيق القانون وإنما نتاج حكامة جيدة تعي وتدرك تماما واقعها السياسي وتحافظ على ترابط التنظيم بدل الإقصاء والانتقام ولو كان معللا. ولا يعني موقفي هذا أنني أتفق مع السيد بنكيران في مواقفه وأدافع عنه بل هو تعبير عن رفضي لاستغلال أنظمة الحزب والتعبئة البليدة التي تستخف بعقول المناضلين من أجل الوصول إلى أغراض شخصية وتحقيق أهداف أعتبرها بعيدة عن مبادئ الحزب وغاياته. وللحديث بقية