استضافت القناة الثانية يوم الأربعاء الماضي الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الدكتور سعد الدين العثماني، في برنامج لكل الناس الذي يعده الزميل عبد الصمد بن شريف وقد تناول النقاش جملة من القضايا الوطنية والتي لها علاقة بحزب العدالة والتنمية من قبيل هيكلة الحقل الديني وعلاقة الدين بالسياسة وتداعيات أحداث 16 ماي كما تناول البرنامج مسيرة حزب العدالة والتنمية ومرجعيته وعلاقاته ومواقفه من بعض القضايا، واسترايجية الحزب في العلاقة مع المواطنين. ونظرا لأهمية البرنامج ، وتعميما للفائدة، ننشر مضامين اللقاء: تقديم عبد الصمد بن شريف هناك من يصفه بأنه حزب الدولة في الحركة الإسلامية، وعندما شارك في الانتخابات التشريعية الأخيرة، فاجأ جميع المراقبين بما حصده من نتائج حملته إلى احتلال المراتب الأولى، لكن الأحداث الإرهابية التي عرفتها مدينة الدارالبيضاء في 16 ماي 2003 كانت لها تداعيات وتأثيرات قوية على حزب العدالة والتنمية، كانت لها تأثيرات على موقعه وصورته وانتشاره، خصوصا وأن البعض حمله المسؤولية المعنوية في ما حدث، ورغم هذه العاصفة، خرج الحزب منها سليما، وتبنى خطابا سياسيا براغماتيا وتمكن من طي صفحة أحداث 16 ماي الإرهابية، بمد يد التعاون والتنسيق مع كافة القوى السياسية، غير أن المؤتمر الوطني الخامس للحزب، الذي انعقد في أبريل ,2004 كرس التطبيع مع المحيط السياسي وأسس لخطاب الاعتدال والانفتاح، فماذا تغير في ثوابت الحزب؟ وكيف يتعامل مع المستجدات والتطورات؟ كيف ينظر إلى هيكلة وإعادة تنظيم الحقل الديني؟ وبالتالي أي استراتيجية يتبنى الحزب في إطار التواصل مع الجماهير؟ لمناقشة مجمل هذه المحاور، نستضيف الدكتور سعد الدين العثماني، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية.
عبد الصمد بن شريف: هل يمكن أن نعتبر حزب العدالة والتنمية حزب الدولة في الحركة الإسلامية؟ سعد الدين العثماني: بسم الله الرحمان الرحيم أولا أشكر القناة الثانية على إتاحة هذه الفرصة بعد طول انتظار، وحزب العدالة والتنمية يعتز بأنه يوم تأسس سنة 1967 على يد الدكتور عبد االكريم الخطيب ومجموعة من رفاقه، وفي مقدمتهم الأستاذ بن عبد الله الوكوتي، تأسس على مبادئ واضحة، هي المرجعية الإسلامية والملكية الدستورية والوحدة الوطنية، والحزب سيبقى وفيا لهذه المبادئ التي تأسس عليها أول مرة، ولم ولن يحيد عنها، وليس هناك تغيير في تشبثه بهذه المبادئ، ووفائه لها، لأننا نعتبر أنه على أساس هذه المبادئ والانطلاق منها سيبنى مغرب جديد، وقد كان الدكتور الخطيب سنة 1965 رئيسا للبرلمان، وكان من السياسيين النادرين الذين رفضوا حالة الاستثناء لما أعلنها الملك الحسن الثاني رحمه الله، وطالبوا بالعودة إلى الدستور وإلى المسلسل الديموقراطي، فأسس الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية. الحزب إذن تأسس في سياق معين، وهو وفي لمبادئه وسيبقى وفيا لها.
عبد الصمد بن شريف: في إطار الخرجات الإعلامية لوزير الداخلية السابق إدريس البصري، ذكر في أحد حواراته أنه لعب دورا ربما في استدراجكم أو إدماجكم في إطار العمل المؤسساتي، إلى أي حد تصح هذه التصريحات؟ سعد الدين العثماني: الوزير السابق له تصريحات كثيرة، وأظن أن من يأخذ بهذه التصريحات، فإما أن يأخذ بها كلها أو يرفضها كلها، ولا معنى لأن نأخذ تصريحا ونرفض تصريحات أخرى، نحن لما أردنا أن نندمج في الحياة السياسية في إطار حركة الإصلاح والتجديد، التي أصبحت فيما بعد حركة التوحيد والإصلاح، طالبنا بتأسيس حزب سياسي سنة 1992 تحت اسم حزب التجديد الوطني، فرفض هذا الحزب، فكان هناك خيار ثان، في إطار استراتيجية أعددناها آنذاك، فبحثنا عن هذا الخيار الثاني لدى أحزاب متعددة...
عبد الصمد بن شريف (مقاطعا): هل دخولكم إلى الحياة السياسية في إطار المشروعية تطلب تقديم تنازلات؟ سعد الدين العثماني: لم تكن هناك أي تنازلات، ما معنى هذه التنازلات؟
عبد الصمد بن شريف: أقصد على مستوى المنطلقات الإيديولوجية والفكرية. سعد الدين العثماني: أبدا، الدكتور الخطيب لما تحدثنا معه، كان هناك اتفاق على المبادى الأساسية التي ذكرتها وكان هناك توافق عليها، وليس هناك أي تنازلات على مستوى المبادئ، وبالمناسبة فحزب العدالة والتنمية لايزال يعتز بكونه ينطلق من المرجعية الإسلامية، وسوف يبقى معتزا بهذا وسيبقى وفيا لهذا الخط ما حيي.
عبد الصمد بن شريف: ألا تجدون بعض الإحراج عندما تشددون على المرجعية الإسلامية، علما أن هناك تشديدا، على مستوى الخطاب الرسمي، على ضرورة فصل الدين عن السياسة؟ سعد الدين العثماني: إذا كنا نعني بالدين الإيمان بالقيم والالتزام بها كثقافة وكقيم وكدين وكسلوك ومعاملة ينطلق منها الإنسان في جميع مناحي حياته، فلا يمكن فصل الدين عن السياسة، وليس هناك أي دولة في العالم تفصل الدين عن السياسة، واليوم كنت مع سفير دولة فنلندا فأخبرني أن رئيس الوزراء اليوم عندهم من الحزب المسيحي، وهو راهب، ولكن يجب الفصل بين السياسة وبين الوظائف الدينية مثل الفتوى والخطابة والمجالس العلمية، هذه يجب أن تكون فعلا بعيدة عن أي صراع حزبي...
عبد الصمد بن شريف: ألا يمارس حزب العدالة والتنمية مثل هذا السلوك، ويستغل الفتوى والخطب الدينية وبعض الأنشطة من أجل تمرير خطابه؟ سعد الدين العثماني: لا، أبدا، نحن حزب سياسي وعندنا منابر معروفة، وعندنا خطاب معروف، وحرصنا دائما على أن تبقى المساجد بعيدة عن أي منافسة حزبية، وهذا حرصنا عليه باستمرار منذ سنة 1997 عندما دخلت أنا إلى البرلمان، وهذا شيء واضح، لكن هذا ليس معناه أن لا يدافع الإنسان عن الخلق الإسلامي أو ألا يتحدث بمرجعية إسلامية، وهذا لا يقول به أحد ولم يفعله أحد من السياسيين المعروفين في بلادنا منذ الاستقلال إلى اليوم.
روبورتاج يعرض شهادات في حق حزب العدالة والتنمية
عبد الصمد بن شريف: طيب أستاذ سعد الدين العثماني، قبل أن نواصل النقاش نتابع هذا الروبورتاج: توفيق بوعشرين، صحافي وباحث: رغم المجهود الذي بذله هذا الحزب من أجل التكيف مع قواعد اللعبة الديموقراطية، كما هي معمول بها في المغرب، فمازال لم يحسم هل هو حزب سياسي أم حزب ديني، وهذا راجع في نظري، من جهة إلى ارتباطه بحركة التوحيد والإصلاح، التي مازالت لم تتضح بعد معالمها، ومن جهة أخرى لأنه يعرف أن هناك طلبا متزايدا على الخطاب الإسلامي في الشعارات السياسية، فقد تقدم الحزب في اتجاه الحسم في علاقته بالسياسة وبالهوية الدينية، لكنه مازال مترددا في الحسم هل هو حزب إسلامي أم هو حزب سياسي له برامج وله تصورات حول قضايا التشغيل والبطالة والتضخم إلى غير ذلك من القضايا.
عبد العالي حامي الدين، أستاذ باحث: حزب العدالة والتنمية ينطلق في أساسه الإيديولوجي من المرجعية الإسلامية ويعبر عنها بشكل واضح، واستطاع أن يتكيف بذكاء مع مجموعة من المفردات السياسية الحديثة، مثل مفهوم الديموقراطية، واستطاع أن يبيئه داخل مرجعيته الثقافية بشكل ذكي، واستفاد من تنظيرات العديد من المفكرين الإسلاميين، ومن أبرزهم الدكتور أحمد الريسوني، الذي يشكل العمق التنظيري والفكري للممارسة السياسية لهذا الحزب، وبطبيعة الحال ممارسته السياسية تتكيف بذكاء وبنظرة مقاصدية مع المتغيرات، ويمكن أن نصنف تيار العدالة والتنمية في إطار الحركة الإسلامية التي تقوم بممارسة سياسية براغماتية، لكن محكومة بمقاصدية إسلامية.
مصطفى حيران، صحافي: أعتقد أن أهم تحول عرفه حزب العدالة والتنمية هو تحول ما بعد 16 ماي، إذ إن تلك المحطة المؤلمة حجمت قوته وانتشاره، ليس الانتشار الجماهيري، بل على مستوى القبول به كفاعل سياسي بيافطة إسلامية، باعتباره كما قال البعض مسؤولا إيديولوجيا عما حدث يوم 16 ماي، وأعتقد أن الحزب الآن يمر بمرحلة مختلفة جدا عما قبل 16 ماي، ويبدو أن هذا الحزب استطاع أن يقوم بإداراة إيجابية لأصابع الاتهام
عبد الصمد بن شريف: دكتور سعد الدين، لا شك أن هناك العديد من الملاحظات تدور في ذهنك بخصوص ما قاله بعض المتدخلين في هذا الروبورتاج من أن حزب العدالة والتنمية متردد في الحسم بين كونه حزبا إسلاميا أم سياسيا، وكذا علاقته بحركة التوحيد والإصلاح، والتكيف بذكاء مع البيئة وتبييء بعض المصطلحات، كما قال أحد المتدخلين. كيف تعلق على ما ورد في هذا الروبورتاج؟ سعد الدين العثماني: يمكن للإنسان أن يأخذ أي صورة عن أي فاعل سياسي، لكن أنا أتحدث عما هو داخل هذا الفاعل السياسي منذ أكثر من عقد، بل عقدين من الزمان، نحن كتبنا عن الديموقراطية وكتبنا عن الحوار وعن تجديد الفكر الإسلامي، وكتبنا عن الحداثة منذ بداية التسعينات، وأنا كتبت شخصيا، وكتب فاعلون آخرون من داخل حزب العدالة والتنمية، إذن هناك مواقف واضحة قبل 16 ماي وحتى قبل أن ندخل في الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية ونصبح فاعلين سياسيين، هناك وضوح عندنا في هذه المفاهيم، وكون الآخر لم يتابع هذه التحولات، هذا فيه قصور في الحقيقة...
عبد الصمد بن شريف (مقاطعا): هل المشكل في الطرف الآخر؟ سعد الدين العثماني: أو في تواصلنا نحن، القصور في أحد الاثنين، إما في تواصلنا نحن وفي إيصالنا للمعلومة، أو في قدرة الآخر على التوصل بهذه المعلومة والتقاطها في الوقت المناسب، والمغرب كله دخل في سلسلة من التحولات منذ بداية التسعينات إلى الآن، وهذه التحولات بعضها متسارع وبعضها بطيء، ونحن جزء من هذه التحولات، لكن حزب العدالة والتنمية واضح في توجهاته، ليس فيها لبس ولا غموض عندنا، فحزبنا ليس حزبا دينيا بالمفهوم الكنسي، وليس حزبا دينيا بمعنى أنه يصدر الفتاوى ويقوم بالوعظ والإرشاد، بل هو حزب سياسي يعتز بكونه ينطلق من المرجعية الإسلامية، وهذا يجب أن يفهم، لأنه في دول العالم كلها هناك أحزاب دينية، لكن الذي يجب أن نتحدث عنه فعلا هو أن فهمنا للمرجعية الإسلامية ليس معناه الانغلاق وليس معناه التشدد أو الغلو أو التطرف، وليس معناه معاداة الآخر، ولا رفض الديموقراطية، ونحن نعتز أن المرجعية الإسلامية تسع كل هذه الأمور، بل بالعكس تعطيها مضمونا أخلاقيا ومستقبليا قويا جدا.
عبد الصمد بن شريف: هناك من يلاحظ أن حركة التوحيد والإصلاح لا لبس لها في ما يتعلق بالمرجعية الإسلامية، وهذه الحركة تعتبر العمود الفقري للحزب إن صح التعبير ما هي طبيعة العلاقة القائمة بين الحركة والحزب، وكيف توفقون بين تمسك الحركة بالطروحات الإسلامية وبين الانفتاح؟ سعد الدين العثماني: الطروحات الإسلامية يتمسك بها الشعب المغربي كله...
عبد الصمد بن شريف (مقاطعا): نحن نناقش في سياق أن هناك خطابا مهيكلا من الناحية التنظيرية والفكرية .
سعد الدين العثماني: فكرنا واضح ويقرؤه الناس، فإن كان فيه خطأ وبُين لنا نتراجع عنه، لكن إن كان من الأمور التي يمكن أن يختلف فيها اختلاف رأي، فهذا لا حرج فيه، لأن عندنا حرية التعبير وحرية الرأي، العلاقة بين حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية علاقة واضحة، فلحركة التوحيد والإصلاح مؤسساتها (المؤتمر مجلس الشورى المكتب التنفيذي...) تنتخب بطريقة مستقلة بشكل كامل عن حزب العدالة والتنمية، الذي له بدوره هياكله، وبالمناسبة فعدد كبير من أعضاء هذا الحزب ليسوا أعضاء في الحركة، لكن الكثير من أعضاء الحزب أيضا يعتزون بأنهم ساهموا من قبل في عمل جمعوي من داخل حركة التوحيد والإصلاح، وجميع الأحزاب السياسية التي فيها نخب مهمة تربت في مجتمع مدني وفي عمل ثقافي وفكري واجتماعي، ثم توجهت إلى العمل السياسي، وهذا ليس فيه أي غضاضة، وليس عيبا أن يكون الإنسان قد عمل في نشاط ثقافي ومجتمعي سابق، استفاد منه وبنى شخصيته...
عبد الصمد بن شريف (مقاطعا): إذن فحركة التوحيد والإصلاح هي مدرسة لتخريج الأطر . سعد الدين العثماني: نعم هذا صحيح.
عبد الصمد بن شريف: أستاذ سعد، من دون شك أن أحداث 16 ماي كان لها تأثير قوي على الحزب، هل بالفعل وجد حزبكم نفسه مضطرا لمراجعة بعض الطروحات والمواقف؟ سعد الدين العثماني: الطروحات، بمعنى الأفكار المبدئية لم يراجعها حزب العدالة والتنمية، بعد 16 ماي، وحزبنا من قبل لم يكن قط لا مع العنف ولا مع التشدد، بل بالعكس كان مدرسة للاعتدال والوسطية منذ كان، ووثائقه التي كانت متسلسلة منذ تأسيسه وفي المراحل كلها، وفي مؤتمراته ومجالسه الوطنية، وتقاريره السياسية واضحة في هذا....
عبد الصمد بن شريف (مقاطعا): لكن أصابع الاتهام وجهت إلى كون الحزب يتحمل المسؤولية المعنوية، وهناك من طالب بحله، وهم من سميتموهم أنتم بالاستئصاليين، وعندما تجدون أنفسكم محاطين بكثير من الخصوم إن صح التعبير فمن الضروري أن يقدم المرء تنازلات. سعد الدين العثماني: أنا قلت إنه ليس هناك أي تغيير في المبادئ التي تأسس عليها الحزب، لأن أموره كلها واضحة، ولكن بعد الهجمة الظالمة التي تعرض لها على إثر أحداث 16 ماي، كان من المؤسف جدا أن منافسين سياسيين طالبوا بحل الحزب، وهذا كلام غير ديموقراطي وتوجه استئصالي غير مسموح به...
عبد الصمد بن شريف (مقاطعا): هل كانت لهذه الدعوات أهداف ربما غير سياسية؟ سعد الدين العثماني: هذا وارد، وهذا يسأل عنه أصحابه، لكن لا شك أنها تدخل في إطار التنافس السياسي، وقد قلت إن حزبنا واقعي، ينطلق من الواقع ويأخذه بعين الاعتبار، وليس حزبا طوباويا يغيب الواقع. نحن حزب يدافع عن المصالح العليا للبلاد وعن مستقبلها بشراسة، ولسنا مستعدين للتضحية بمصالح بلادنا، ومستعدون لاتخاذ القرارات الراشدة والمناسبة لمصلحة البلاد وتقدمها، ولأمنها واستقرارها، ولذلك فبعد 16 ماي، كان القرار الأساسي الذي تأثر فيه الحزب بهذه الأحداث وأخذها بعين الاعتبار هو التصويت على قانون مكافحة الإرهاب، فالحزب كان معارضا لهذا القانون، وحتى بعد 16 ماي، مازلنا نعتبر أنه تضمن أمورا غير معقولة، لكن لأن تلك الفترة كانت مؤلمة بالنسبة للشعب المغربي، وكان لابد من رسالة قوية إلى كل من يريد أن يضر بمصلحة البلاد، فإننا قررنا التصويت بنعم على قانون مكافحة الإرهاب، وبينا أن تصويتنا تصويت سياسي، لأننا كنا نريد توجيه رسالة موحدة من الشعب المغربي...
عبد الصمد بن شريف (مقاطعا): هل كان تصويتا من أجل جبر الخواطر فقط، أم أنكم صوتتم فقط من أجل أن تمر العاصفة بسلام؟ سعد الدين العثماني: كانت هناك في هذا القانون مواد صوتنا ضدها بلا، وكانت فيه مواد تحفظنا عليها، وصوتنا بنعم تصويتا سياسيا أخذا بعين الاعتبار المرحلة التي كان يمر بها المغرب آنذاك، وهذا ليس فيه غضاضة، إذا أخذ الإنسان ظروف بلده بعين الاعتبار وحاول أن يقدم تضحية، فأظن أن هذا عمل يجب أن يشكر عليه حزب العدالة والتنمية
عبد الصمد بن شريف (ضاحكا): الدولة ستشكركم أو الشعب، كما تشاؤون... لوحظ أن حزب العدالة والتنمية بدأ يتعاطى بطريقة جديدة مع الأحداث والوقائع، هل كانت هذه رغبة ذاتية وإرادية، أم أن المسألة ارتبطت بضغط ما من جهة ما؟ سعد الدين العثماني: جميع القرارات التي يتخذها الحزب تكون وفق مساطر وقوانين واضحة، وفي مؤسساته المخول لها أن تتخذ هذه القرارات وبطرق ديموقراطية، ولذلك فاتخاذ القرار داخل حزب العدالة والتنمية عملية صعبة وملزمة، لأنها تخضع للنقاش والحوار والاختلاف الداخلي، ونقطع مجموعة من المراحل من أجل اتخاذ القرار، ونحن نعتز بهذا لأنه هو الذي يعطي لحزب العدالة والتنمية الغنى والقوة، لكن هذا لا يمنع من أن الحزب يأخذ بعين الاعتبار المعطيات الخارجية ولا يمكن له أن يغيبها أبدا، لأن السياسة هي فن الممكن وهي التفاعل مع الواقع.
عبد الصمد بن شريف: هناك من انتقد تدبير الحزب وقيادته، على اعتبار أن الحزب بعد 16 ماي بدأ يتراجع ولم تعد مردوديته النيابية في المستوى المطلوب، بالإضافة إلى ان إشعاعه لم يعد بالشكل المنشود كذلك. سعد الدين العثماني: هذا تقييم يصعب التأكد منه، وأنا أظن أنه من حق حزب العدالة والتنمية أن يعتز بفريقه النيابي، لأن جميع أعضاء الفريق يعملون بجدية، وهذا يلاحظ من خلال الحضور في أشغال اللجان وفي الجلسات العامة، وكذا من خلال التعديلات التي نقدمها على مشاريع القوانين ودعوة الوزراء للمثول أمام اللجان النيابية لمناقشة مواضيع تهم المغرب، هذا كله عمل مستمر يقوم به الفريق وبشهادة الفاعلين الإعلاميين والسياسيين، ولذلك فأنا أظن أن فريق العدالة والتنمية يقوم بعمل رائع ومهم جدا، وليس الفريق فقط، بل حتى أعضاء الحزب في مختلف الأقاليم، لا من حيث التواصل مع المواطنين ولا من حيث حضورهم في العمل الجماعي في الجماعات التي نشارك فيها، سواء في التسيير أو في المعارضة، وأعضاء الحزب في كل هذا يتحلون بجدية عالية، وهناك طبعا أمور يجب أن تعالج داخل الحزب، لأنه دائما يرنو نحو الأفضل، ولكن أداء الحزب عموما يزيد ولا ينقص...
عبد الصمد بن شريف (مقاطعا): ألم يستفد الدكتور سعد الدين العثماني من الوضعية السياسية العامة لكي يحتل، ليصوت عليه أو لينتخب كأمين عام لحزب العدالة والتنمية، أقصد أنه تمت تنحية بعض الأسماء التي يمكن أن تعتبر من العناصر، لا أقول صقور الحزب، ولكنها ليست مقبولة بشكل أو بآخر بالنسبة للمسؤولين، وأقصد مصطفى الرميد مثلا؟ سعد الدين العثماني: أظن أن من تابع المؤتمر الخامس للحزب، وحضر فيه أو تابع ما كتبه عنه الصحافيون الذين حضروه، لأننا اتخذنا قرار شجاعا بالسماح للصحافة الوطنية والدولية بحضور كل مراحل الانتخابات، ومن تابع كل هذا سيرى الشفافية والديموقراطية التي دبر بها الحزب هذه المرحلة، وهذا هو المهم، وأنا أظن أن الربح الأكبر للمؤتمر هو أنه كرس الديموقراطية، التي هي موجودة في الحزب أصلا، لكن المؤتمر كرسها وبينها أكثر، وأظن أن القرار الديموقراطي يمكن أن يتفاعل مع العوامل الداخلية والخارجية، لكن المهم فيه هو أن يكون ديموقراطيا، وهذا أهم شيء داخل حركة سياسية وفي المجتمع، وأظن أيضا ان الديموقراطية لا تأتي دائما إلا بخير، لأنها تنفي الخلافات وتخول طريقة واضحة للحسم. المؤتمر شارك فيه حوالي 1600 مؤتمر، وهذا عدد كبير، ونحن لم نرد أن نقلص العدد، حتى لا يكون هذا مدخلا للطعن في ديموقراطيتنا الداخلية، وحتى يساهم أكبر عدد ممكن من أعضاء الحزب في هذا الورش المهم، عن طريق الرأي والنقاش والتصويت والانتخاب، وهذا كله مهم، وأظن أن ما ذكرته لم يكن له تأثير كبير.
عبد الصمد بن شريف: هناك من اعتبر أن إفشال مشروع العدالة والتنمية سيكون خطأ قاتلا، أين تتجلى الأهمية الحيوية لحزب العدالة والتنمية إذا تم إفشال مشروعه؟ سعد الدين العثماني: حزب العدالة والتنمية هو حزب وطني يريد أن يسهم في بناء المغرب، وفي الانتخابات التشريعية لسنة 2002 كان شعارنا هو نحو مغرب أفضل، والديموقراطية تقتضي أن جميع الفعاليات السياسية والحساسيات الموجودة يفسح لها المجال لتساهم في بناء البلاد وفي بناء مستقبلها، لأنها تعبر عن حاجة مجتمعية من جهة، وتساهم بعملها وبجهدها، ومن ثم فهذا إضرار بالديموقراطية الوطنية أن يطالب بحل حزب العدالة والتنمية، أو أن توضع العراقيل أمامه، ونحن نعلم أن الديموقراطية عملية طويلة النفس، وأنها تحتاج إلى نضال وإلى عمل شاق، ولذلك نحن نخوض هذا العمل الشاق وهذا النضال كل يوم في مختلف المواقع، بالتعاون مع الآخرين، ورغم أن هناك أصواتا نادت بعد 16 ماي بما سبق ذكره، إلا أنها سرعان ما خفتت، إذ استمرت هذه الدعوات شهرين أو ثلاثا ثم تراجعت.
عبد الصمد بن شريف: تسربت أخبار عن الاجتماع الأخير للمجلس الوطني للحزب (18 19 دجنبر 2004) مفادها أن مجموعة من البرلمانيين قدموا مذكرة يطالبون فيها بإقالة الأمانة العامة تحت طائلة أنها لم تحسن تدبير الحزب، خصوصا بعد أحداث 16 ماي، هل هذا وقع بالفعل؟ سعد الدين العثماني: هذا غير صحيح نهائيا، ولم يطالب أحد بإقالة الأمانة العامة...
عبد الصمد بن شريف (مقاطعا): ألم يدر أي نقاش من هذا القبيل؟ سعد الدين العثماني: لا، لم يدر أي نقاش حول إقالة الأمانة العامة، لكن المجلس الوطني هو هيأة تقوم أداء الأمانة العامة وتناقشه، ومن ثم فطبيعي أن تكون هناك انتقادات، والأمانة العامة لا تدعي الكمال، بل هي تريد من المجلس الوطني أن ينتقد ليبين الأخطاء لنصوب المسيرة، وهذا نقوم به باستمرار، وليست هذه أول مرة تنتقد فيها الأمانة العامة، بل حتى داخل هذه الهيأة نفسها كثيرا ما يتم النقاش في اتجاه انتقاد عملها، كانت هناك انتقادات وكان هناك نقاش في محطات متعددة من مسيرة الحزب منذ المؤتمر الوطني إلى اليوم، وهذا كله سجلناه، وهو من التفاعل الداخلي والنقاش الذي يتم باستمرار داخل حزب العدالة والتنمية...
عبد الصمد بن شريف: هل أنت رجل المرحلة، بمعنى أنك مقبول لدى السلطات وتجسد الاعتدال والانفتاح والوسطية؟ سعد الدين العثماني: هذا سؤال يجب أن يجيب عليه الصحافيون والمراقبون أو أعضاء آخرون...
عبد الصمد بن شريف(مقاطعا): هل تلمس في نفسك أنك قادر على أن تضيف شيئا للحزب؟ سعد الدين العثماني: إذا كانت لدي القدرة على أن أساهم في بناء مستقبل بلدي على أسس سليمة، فهذا سيكون شرفا لي،
عبد الصمد بن شريف: الكثير من وسائل الأعلام كانت تكتب عنك وتقول إنك شخص تتوفر فيه شروط الاندماج السياسي والقبول، هناك من رشحك بأنك ربما قد تكون وزيرا أولا، هل هذا التخمين وهذا النوع من الاستشراف مرتبط بنوع من الدفع الذاتي للحزب؟ سعد الدين العثماني: حزب العدالة والتنمية في تواصله وعلاقته مع الناس وفي عمله السياسي الميداني، عدد كبير من أعضائه لهم مؤهلات كثيرة، ولا أظن أني أكثرهم مؤهلات، لكني أكثرهم مسؤولية، وأنا أعتز بتقدير وتشريف أعضاء الحزب، لأني أستمد مشروعيتي من تصويتهم علي، وهذه مرحلة نؤدي فيها مسؤولية، وسيأتي مسؤولون آخرون يؤدون بدورهم مسؤوليتهم.
عبد الصمد بن شريف: لا شك أن الحقل الديني احتل حيزا مهما من اهتماماتكم، على اعتبار الانشغالات والأجندة الحزبية داخل تنظيمكم، في أي سياق تضعون ما أقدم عليه المغرب بعد 16 ماي من إصلاح وهيكلة للحقل الديني، تشكيل مجالس علمية، الفصل الواضح والقاطع بين الدين والسياسة؟ سعد الدين العثماني: نحن نثمن مختلف التطورات التي وقعت لتأهيل الحقل الديني في الفترة الأخيرة، لأن المغرب كان فعلا في حاجة إلى صحوة دينية، وكان وقع خلل لما بدأ نوع من تهميش الثقافة الإسلامية وتهميش التعليم الديني، سواء في الإعلام الرسمي، أي في القناتين الأولى والثانية، أو في بعض وسائل التنشئة الاجتماعية الأخرى، خصوصا وأن هذا وقع بعد سنة 1998 مع حكومة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، وأنا أحمل الحكومة جزء كبيرا من المسؤولية...
عبد الصمد بن شريف (مقاطعا): هل كون اليوسفي اشتراكيا هو الذي ساهم في تراجع الصحوة الإسلامية أو الاهتمام بالشأن الديني؟ سعد الدين العثماني: المهم أنا أحمل الحكومة المسؤولية، لأنه بدأ تقليص البرامج الدينية في القناتين وبدأ نوع من البعد عن الثقافة الإسلامية، فطبيعي...
عبد الصمد بن شريف (مقاطعا): اليوسفي كان يقول إنه لا يتدخل في الإعلام. سعد الدين العثماني: طبيعي أنه إذا لم نعط الثقافة الإسلامية السليمة والوعي الديني السليم، فإن الناس سيذهبون للبحث عنها في أماكن أخرى، واليوم هناك قنوات متعددة وهناك مواقع على الأنترنت ومصادر كثيرة، والطبيعة تخشى الفراغ، لذلك فإما أننعطي الثقافة الدينية السليمة، وإما فإن الناس سيبحثون عنها في أماكن أخرى، وأنا أظن أن هذا من أسباب ازدياد ظاهرة الغلو والتشدد في الدين. الآن هناك محاولة للاستدراك، وهذا لا يمكن إلا أن نرحب به، وهو شيء جيد، فوزارة الأوقاف حاولت أن تقوم بتجديد في هذا المجال، إما بتشبيب المجالس العلمية وإدارتها، وإما بالقيام بمجموعة من المبادرات، وما إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم إلا واحدة منها، وغيرها من المبادرات الأخرى. عبد الصمد بن شريف: هل أنتم بكل صراحة مقتنعون بالكيفية التي يتم بها الآن تبليغ الرسالة الدينية أو الخطاب الديني سواء على مستوى الإعلام أو على مستوى المؤسسات؟ سعد الدين العثماني: أنا أظن أن هناك تطورا إيجابيا وكبيرا جدا، ويكفي أن أذكر بأن القناة الثانية هذه السنة قامت بمبادرة أنوه بها شخصيا، وهي مبادرة تنظيم مسابقة في تجويد القرآن الكريم، التي لم نر مبادرة مثلها منذ مدة على شاشة القناة الثانية، وهذا شيء جيد، وأظن أنه لا يجوز لنا أن نترك الفراغ في هذا المجال، وليس معقولا أن يذهب المغاربة للبحث عن الفتوى في بلدان أخرى، وكأن المغرب ليس فيه علماء وفقهاء، ونحن بالعكس لدينا علماء ومفكرون ذوو كفاءات عالية، فقط يجب أن تعطاهم المكانة التي يستحقونها، وكما نحتاج إلى تأهيل جميع مجالات الحياة، فكذلك المجال الديني يحتاج إلى تأهيل وإلى اهتمام، ولهذا ننوه بهذه المبادرة التي ستستدرك الكثير مما فاتنا في هذا المجال.
عبد الصمد بن شريف: ما هو النصيب الذي يمكن أن تساهموا به في تأهيل الحقل الديني وتنقية الخطاب من الغلو والتطرف؟ سعد الدين العثماني: هذه رسالتنا وهي مستمرة، وأنا أطن أن وزارة الأوقاف والمجالس العلمية والجهات المهتمة بالمجال الديني الآن كافية كي تقوم بهذه المهمة.
عبد الصمد بن شريف: طيب أستاذ سعد الدين، أنتم تدافعون عن التسامح، ما هو سقف هذا التسامح؟ إلى أي مدى يمكن أن تكونوا متسامحين؟ فجريدة التجديد المقربة من الحزب، وهي لسان حال حركة التوحيد والإصلاح انتقدت بشدة مظاهر الاحتفال برأس السنة الميلادية، ألا يمكن اعتبار هذا نوعا من التشدد والإقصاء؟ سعد الدين العثماني: مدخل قضية الاحتفال برأس السنة، ليس معارضة الاحتفال به عالميا...
عبد الصمد بن شريف (مقاطعا): حتى في المغرب؟ سعد الدين العثماني: حتى في المغرب، وقد طرحنا سؤالا شفويا في البرلمان انتقدنا فيه تخصيص أربعة أيام لعطلة رأس السنة الميلادية، فيما رأس السنة الهجرية عطلته يوم واحد فقط، هل تخصص فرنسا مثلا يوما واحدا عطلة في رأس السنة الهجرية؟ أردنا فقط أن يكون التعامل معقولا...
عبد الصمد بن شريف (مقاطعا): بماذا تفسر ذلك؟ سعد الدين العثماني: الحكومة هي التي عليها أن تفسر، أنا لا أستطيع أن أفسر ما قرره آخرون، أنا أتكلم عن ظاهرة، وأقول...
عبد الصمد بن شريف (مقاطعا): بعيدا عن التفسير السياسي، المواطنون الآن يخرجون ويشترون الحلويات ويحتفلون، هل هذه ظاهرة ثقافية أم نفسية؟ هل هي إحساس بالفرح؟ سعد الدين العثماني: نحن انتقدنا هذه الظاهرة على المستوى الرسمي، أما كون مواطن اختار أن يشتري الحلوى في تلك الليلة فهذا من حريته الشخصية، لكن الدولة يجب أن تكون لها رؤية معينة، ونحن قلنا أنه إذا احتفلت كل دولة بجميع الأعياد الدينية لكل الأديان، فسيصبح العام كله عطلة، نحن نبهنا فقط إلى أن هذا الأمر يجب أن يكون له موجه معقول، في إطار ثوابتنا طبعا وفي إطار أرضية المغرب، التي هي المرجعية الإسلامية، باعتدال ووسطية ودون تطرف، لا في هذا الاتجاه ولا في هذا الاتجاه. وحزب العدالة والتنمية لما غير اسمه سنة 1998 من الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية إلى العدالة والتنمية، فصحيح أن مرجعيتنا العامة هي المرجعية الإسلامية، لكن التركيز الأكبر لنضال الحزب، هو على العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية.
عبد الصمد بن شريف: أنتم تركزون على المرجعية الإسلامية، غير أن مسودة مشروع قانون الأحزاب تضع حدا فاصلا بين السياسة والدين، فلا مرجعية دينية لحزب يريد أن يرى النور. سعد الدين العثماني: هذا غير صحيح، وهذا غير موجود في المسودة التي أعطيت للأحزاب، المسودة تشير إلى أمور كان قد أشار إليها قانون الجمعيات من قبل، حيث نصت على ألا تكون الأحزاب طائفية، ونحن نرحب بهذا السياق، الذي تأسست على أساسه الجمعيات في المغرب كله، وليس هناك أي إشكال، وحزب العدالة والتنمية لا علاقة له بهذه المسألة، والنقاش في قانون الأحزاب هو نقاش آخر.
ربورتاج حول استراتيجة الحزب في التواصل مع الجمهور
عبد الصمد بن شريف: قبل أن نتابع الحوار، نتابع هذا الربورتاج، الذي يتمحور حول استراتيجة الحزب في التواصل مع الجمهور. توفيق بوعشرين، صحافي وباحث: إذا ما قارنا استراتيجية التواصل لدى حزب العدالة والتنمية بباقي الأحزاب الأخرى، نلاحظ أن الحزب بذل مجهودا كبيرا على مستوى التواصل وعلى مستوى تعدد الاتصال، التي لم تقتصر فقط على الجريدة أو الظهور في التلفزيون، فهو يمتلك لوجيستيكا تنظيميا وبنية تنظيمية واسعة يستطيع من خلالها التواصل مع فئات واسعة، وعلاوة على هذا فإن تواجده التنظيمي في الوسط الطلابي وفي الوسط النسائي وفي وسط التلاميذ وفي وسط فئات شعبية وجماهيرية عريضة مختلفة يمكنه من إيصال خطابه إلى فئات متعددة، وعبر وسائل وخطابات غير نخبوية، هذا على عكس الأحزاب السياسية التقليدية إن صح هذا التعبير
عبد العالي حامي الدين، أستاذ باحث: بقدر ما يمكن أن نقول إن حزب العدالة والتنمية الآن له موقع راسخ في الحياة السياسية، وإنه رقم يصعب تجاوزه، بقدر ما يمكن أن نقول إن من أهم نقاط ضعف حزب العدالة والتنمية مشكلة التواصل الجماهيري، سواء مع قواعده، أو مع عموم جماهير الرأي العام، إذ إن حزب العدالة والتنمية الآن يفتقد إلى جريدة رسمية تعبر عن آرائه بوضوح، وهو يصرف مواقفه من خلال جريدة أخرى، هي حريدة التجديد، التي تمثل حركة التوحيد والإصلاح، وتعبر في كثير من الأحيان عن آراء القائمين عليها وليس عن الآراء الرسمية للحزب، وهذه من أهم نقاط ضعف الحزب، ولكنه يعوض هذا بالتواصل عن طريق الأنشطة الثقافية والسياسية واللقاءات الجماهيرية، وهذا غير كاف.
عبد الصمد بن شريف: دكتور سعد، هل أنتم فعلا تفوقتم في التواصل مع الجماهير، بمعنى أنكم انتقلتم من التواصل النخبوي إلى التواصل القاعدي؟ سعد الدين العثماني: حزب العدالة والتنمية منذ تأسيسه وهو يهتم بالمواطن، الذي هو في قلب اهتماماتنا اليومية، ولذلك فمن الطبيعي أن يكون لدينا اهتمام بالتواصل مع المواطن، أولا لتوضيح مواقف الحزب من جهة، وأنا تقريبا أسبوعيا يكون عندي لقاء مع جمهور الناس...
عبد الصمد بن شريف (مقاطعا): يلاحظ أنكم كثيرو التنقل. سعد الدين العثماني: هذه مسؤولية، ونحن نعتمد سياسة القرب، ومن بين نقط الضعف في الديموقراطية المغربية عدم تعبئة كافة المواطنين ليهتموا بعمل هؤلاء السياسيين، لأنه إذا كان هؤلاء يعملون في واد والمجتمع يسير في واد، فبلدنا سيخسر أكثر مما سيربح، ولا بد من التعبئة ليعرف الناس هؤلاء السياسيين وأفكارهم ويسمعوا اقتراحاتهم لحل مشاكلهم، حتى يعلم المواطن يوم الانتخاب على من سيصوت...
عبد الصمد بن شريف: هل لأنكم في المعارضة ربما تريدون التجاوب والتفاعل مع المواطنين؟ سعد الدين العثماني: نحن نقوم بمهامنا، اليوم في المعارضة وبعدها يختار الله ما يشاء
عبد الصمد بن شريف: أنتم تنتقدون الحكومة وتقولون إنها لم تنجح في تدبير القضايا والمشاريع الكبرى، لو كنتم في الحكومة ما هي الإنجازات التي يمكن أن تحققوها؟ سعد الدين العثماني: أود أن يفهم الجميع لماذا ننتقد أداء الحكومة، فقد بدأت انتقاداتنا لها منذ تأسيسها، فهي أولا غير منسجمة وتضم تيارات سياسية، وهي جسم ضخم، ولم تستطع أن تكون فعالة وسريعة ومنسجمة، مما جعلنا نلاحط أن الوزير الأول يتدخل في عدة ملفات ليسويها بنفسه، كما أن الحكومة تعاني من كثرة الحقائب أيضا، بالإضافة إلى كل هذا، اتسم عمل الحكومة، سواء السابقة أو الحالية، بالبطء الشديد، لعدم جرأتها على القيام بالإصلاحات الضرورية، نحن لا تنقصنا البرامج، بل ينقصنا تنزيلها وتطبيقها على الأرض وتفعيلها.
عبد الصمد بن شريف: هل يمكن أن تلعبوا دور حزب العدالة والتنمية في تركيا؟ سعد الدين العثماني: السياق المغربي ليس هو السياق التركي، فهناك فرق بين النظامين السياسيين في البلدين، وليست لنا أي عقدة من المشاركة في الحكومة، ولكن لنا رؤيتنا...
عبد الصمد بن شريف (مقاطعا): تعلمون أن المغرب يعيش مسلسل الإنصاف والمصالحة، وقد ثمنتم الفكرة ولكنكم طالبتم بمراجعة العديد من المحاكمات التي تلت أحداث 16 ماي. سعد الدين العثماني: نحن تصورنا واضح في هذا المجال، ثمنا الخطوات التي تمت، وهذا يشرف بلادنا وندافع عليها، لكن في الوقت الذي نبدأ فيه طي صفحة الماضي، فهناك خروقات تمت بعد أحداث 16 ماي، كانت هناك انتهاكات لحقوق الإنسان وكانت هناك محاكمات لم تتم بالضمانات الضرورية، ونحن نطالب بأن يفتح هذا الملف الآن حتى لا تمر عشر سنوات ثم ننشئ هيأة إنصاف ومصالحة من جديد، وإصلاح عدالتنا من بين الأوراش المهمة التي لا بد من فتحها.
عبد الصمد بن شريف: بماذا تعلق على وصف الدكتور عبد الكريم الخطيب بعض الذين قدموا شهاداتهم في جلسات الاستماع بأنهم صعاليك ومجرمون؟ سعد الدين العثماني: تصريح الدكتور الخطيب كان قبل جلسات الاستماع، ولم يتكلم عن الذين قدموا شهاداتهم، أما في أحد حواراته، فقد سئل عن فكرة قالها من قبل في اجتماع المجلس الوطني لاتحاد الحركات الشعبية، الدكتور الخطيب يقول إن هذا المسلسل جيد، لكن فيه فراغات كبيرة، فمثلا هناك جمعية لضحايا أحداث انقلاب الصخيرات، وهؤلاء لم يعطهم الاهتمام الكافي لجبر أضرارهم، لا سياسيا ولا ماديا ولا معنويا، كما يتم بالنسبة للآخرين، وكذلك ضحايا الانتهاكات التي وقعت في المغرب من لدن التيار الراديكالي داخل حزب الاستقلال آنذاك، كما أن ملف ما بعد 16 ماي أيضا يجب أن تعطاه الأهمية اللازمة. وفي هذا فقط مطالبة بالعدل والتوازن في مقاربة القضايا.
عبد الصمد بن شريف: هل أنتم مستعدون لخوض الانتخابات بنفس جديد؟ سعد الدين العثماني: حزب العدالة والتنمية يتجدد باستمرار، وسندخل الانتخابات إن شاء الله بنفس جديد، لأننا نعتبر أن أهم شيء في حركة سياسية هو قدرتها على الاستجابة للتحديات والتجدد المستمر
عبد الصمد بن شريف: أنت طبيب نفساني، هل تستثمر معارفك في تدبير شؤون الحزب، وهل تبرز نوعا من الصبر نحو الشكاوى والمعاناة؟ سعد الدين العثماني: لا شك أن ما يختزنه الإنسان في نفسه وفي ذهنه من معلومات يستثمره في عمله.