لم يعبر مجلس الأمن، خلال الاجتماع المغلق الذي عقده يوم الخميس المخصص لقضية الصحراء المغربية، عن أي دعم للأمين العام للأمم المتحدة بعد الجدال الذي تورط فيه إثر انحرافه عن حياده في تعامله مع ملف الصحراء المغربية، وفي تعاطيه مع دولة ذات سيادة ودولة عضو في الأممالمتحدة. فبعد التصريحات غير المسبوقة التي أدلى بها الأمين العام في مخيمات تندوف قبل قرابة أسبوعين، وإظهاره لانحيازه الواضح لصالح الجزائر والبوليساريو، كان الأمين العام ومبعوثه الشخصي يظنان أنهما سيخرجان منتصرين من هذه المعركة، إلا أنهما تناسيا أن مجلس الأمن هو من له الكلمة الأخيرة في صون السلم والأمن الدوليين، وفي تقرير الطريق الذي يجب على الأممالمتحدة أن تسلكه للقيام بمهمتها على أكمل وجه، ومساعدة أطراف النزاع على التوصل إلى حل سياسي متوافق عليه. ويعتبر القرار الذي اتخذه مجلس الأمن بمثابة ضربة موجعة لبان كي مون في مواجهته الشخصية مع المغرب وسابقة في تاريخ الأممالمتحدة. فقد جرت العادة أن يقدم مجلس الأمن دعمه للأمين العام في حالات مشابهة، خاصةً إذا ما التزم بنطاق الولاية الممنوحة له من طرف المجلس بما يتماشى مع ميثاق الأممالمتحدة. فالمعمول به في حالات مماثلة هو أن يستصدر مجلس الأمن قرارا يدين فيه الدولة المتورطة في مواجهة مع الأممالمتحدة، أو يتخذ بياناً رئاسياً يدعو فيه إلى ضبط النفس وعدم اتخاذ أي خطوات تصعيدية. فمن خلال عدم إدانته للمغرب أو عدم إرغامه على العدول عن قراره بخفض حضور بعثة المينورسو في الصحراء المغربية، وإقراره بشكل ضمني بأن النزاع الموجود الآن هو بين المغرب وبين بان كي مون وليس بين الرباطوالأممالمتحدة، فقط عبّر مجلس الأمن، بشكل غير مباشر، عن عدم رضاه عن الطريقة التي تعامل من خلالها الأمين العام مع المغرب وعن عدم احترامه لولايته ولما يترتب عنها من احترام شروط الحياد وعدم الانحياز لأي طرف من أطراف النزاع. كما أبان الانقسام، الذي ظهر خلال الجلسة المغلقة، بين الدول التي دعت المغرب إلى مراجعة موقفه من المينورسو والدول التي أقرت بشكل ضمني بأن التوتر القائم هو بين المغرب والأمين العام شخصياً، بأنه ليس هناك إجماع في مجلس الأمن لا حول دعم المبادرة التي قام بها الأمين العام للأمم المتحدة لإعادة الأمور إلى نقطة الصفر من خلال تهميش المخطط المغربي للحكم الذاتي، ولا حول النهج الذي ينبغي على المنتظم الدولي إتباعه لإخراج المفاوضات بين المغرب والبوليساريو من النفق المسدود الذي توجد فيه منذ أكثر من ثمان سنوات. ولعل هذا الانقسام يوحي بأن مساعي الأمين العام لعزل المغرب وإضعافه أمام أعضاء مجلس الأمن في شهر أبريل القادم لا تتوفر على فرص كبيرة للنجاح، خاصةً في ظل تشبث فرنسا بدعمها التقليدي للمغرب وفي ظل الدعم الذي من المنتظر أن تقدمه كل من إسبانيا باعتبارها عضو غير دائم في مجلس الأمن وعضو فريق الأصدقاء حول الصحراء، الذي يضم كل من الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا فرنساوروسيا، بالإضافة إلى اليابان ومصر، العضو العربي في مجلس الأمن والسينغال. فإذا أضفنا دعم هذه الدول إلى التصريح الذي عبّرت عنه روسيا، في بحر هذا الأسبوع، برفضها لأي تغيير لمسار المفاوضات التي أسس لها قرار الأممالمتحدة رقم 1754، فيبدو أنه سيكون من الصعب بمكان على الأمين العام فرض رؤيته الشخصية وأجندته السياسية الشخصية على المغرب، أو إقناع أعضاء مجلس الأمن بضرورة تغيير المسار التفاوضي والتخلي بشكل نهائي عن الإطار الذي وضعه القرار سالف الذكر. كما أن الدرس الذي ينبغي على الدبلوماسية المغربية استخلاصه من خلال هذه الأزمة هو أنه لا يمكن ولا ينبغي للمغرب أن يعول على دعم الولاياتالمتحدةالأمريكية. فقد أظهرت واشنطن، من خلال تعاملها مع الأزمة، أن المغرب ليس من أولوياتها الرئيسية، وأن البيانات غير الواضحة التي دأبت الإدارة الأمريكية للرئيس أوباما على الإدلاء بها، خلال السنوات الأخيرة، بكون مخطط الحكم الذاتي يعتبر "واقعياً وذا مصداقية ويشكل أرضية للتوصل إلى حل سياسي"، لم تترجم على أرض الواقع إلى دعم واضح للموقف المغربي في عملية شد الحبل مع بان كي مون. وإذا كان هناك من وقت أهم يظهر فيه وفاء الحلفاء لالتزاماتهم، فهو وقت الأزمات. وفي هذا الصدد، فلو كانت للإدارة الأمريكية إرادة واضحة في تقديم دعم معنوي وسياسي للمغرب، لقامت بالاصطفاف إلى جانب فرنسا وإسبانيا واليابان ومصر والسنغال، وهي الدول التي عبّرت عن دعمها للموقف المغربي خلال الجلسة المغلقة ليوم أول أمس. فلا شك أن الأسابيع القليلة القادمة ستحمل تطورات أخرى في الموضوع، وأن الأمين العام ومبعوثه الشخصي سيحاولان تقديم تقرير سلبي عن المغرب، من المحتمل أن يتهمه بعرقلة المفاوضات وأن يحث أعضاء مجلس الأمن على تبني مقاربة جديدة في التعامل مع الملف. وبالتالي، فعلى الدبلوماسية المغربية أن تكثف من جهودها الحثيثة للحيلولة دون قيام مجلس الأمن بتغيير المسار التفاوضي الذي تم وضعه عام 2007. إلا أن الاجتماع الذي عُقد يوم أول أمس، والذي ترجم فشل الأمين العام في حشد دعم جميع أعضاء المجلس له في مواجهته مع المغرب، يوحي بأن الطريق سيكون شاقاً أمام بان كي مون لتحقيق أجندته السياسية الشخصية وإرضاء الجزائر وحلفائها. وبالتالي، فمن المنتظر أن يخرج الأمين العام للأمم المتحدة من الباب الصغير وأن يُضاف فشله الذريع في إدارة ملف الصحراء المغربية إلى فشله في إدارة ملفات كانت أكثر إلحاحاً على أجندة الأممالمتحدة خلال ولايته، خاصةً في ما يتعلق بمسألة فلسطين وسوريا والعراق واليمن وليبيا ومسلمي ميانمار ومالي، إلخ. فلسوء حظ هذا الأمين العام، ولسوء حظ المجتمع الدولي، أنه لم يتمكن من حل أي من تلك الأزمات أو أخرى، واكتفى خلال عشر سنوات بالتعبير عن انشغاله، في ألف من البيانات التي أصدرها منذ تعيينه قبل تسعة أعوام، إلى درجة أن المتتبعين والخبراء أصبحوا يعلمون فحوى التصريحات التي سيدلي بها حتى قبل صدورها. *مستشار دبلوماسي ورئيس تحرير Morocco World News