إثر "الحدث البانكيموني" الذي هز وقعُه جوانبَ سياسية، وديبلوماسية، ووطنية، ومجتمعية.. - ويتوقع أن يكون الوقع أشد وطئا على العلاقات الدولية- هب المغاربة في مسيرة الأحد الجماهيرية، 13/03/ 2016، بعاصمة المملكة المغربية الرباط، والتي فاق عددها 3 ملايين مواطن مغربي. التحم فيها الشعب المغربي قاطبة، وبكل تنظيماته، وأطيافه، وألوانه، وانتماءاته الفكرية، والسياسية، والنقابية، والجغرافية. ولا شك أن القارئ والمتتبع لهذا التجلي الجماهيري المغربي يخلص من خلال تأملاته لهذا الحدث الوطني التاريخي للمغاربة إلى عدة دلالات؛ حسب طبيعة المقاربة المعتمدة، وزاوية النظر، والبارديغم المرجعي المؤطر للقراءة، والمحدد لآليات النمذجة، وكذا الأدوات التحليلية والتفسيرية المعتبرة. ومن أهم وأبرز زوايا النظر، نقارب الحدث بشكل مركز في أبعاده السوسيولوجية والسيكولوجية. فما الملامح الرئيسة المتعلقة بالبعدين السوسيولوجي والسيكولوجي؟ وما هي العبر والدروس الاجتماعية والقيمية التي توحي بها هذه التظاهرة؟ أولا: الأبعاد السوسيولوجية؛ يعد الحدث ظاهرة اجتماعية بامتياز؛ وتنضوي على ممارسات اجتماعية عدة؛ منها: 1. التواصل الجماهيري: انطلق الفعل التواصلي مبدئيا من مركز القرار، ومن بيان حكومي وسياسي انطلاقا من المؤسسة التشريعية، لشجب وإدانة تصريح ممثل الأممالمتحدة الذي مس المغرب في وحدته الترابية التي تعد من الثوابت والمقدسات الوطنية بالنسبة للمغاربة برمتهم ملكا وشعبا؛ فوجد صداه الطيب في قلوب المغاربة في مختلف ربوع المملكة، فلبوا نداء الوطنية المتجذرة في أعماقهم، وبكل عفوية وسلاسة. بالإضافة إلى هذا النوع من التواصل الذي يمكن أن نسمه بالتواصل الرسمي، ظهر للمتتبع أيضا طيلة المسيرة ممارسة أشكال تواصلية أخرى تجلت في الزي المغربي، والشعارات والهتافات العميقة والدالة في بعده السيميائي، واللافتات المكتوبة التي تحمل جملا معبرة عن قضية المغاربة، وتشبثهم بوطنهم وقيمهم المغربية العريقة والسمحة. كما عبر المغاربة بمختلف أطيافهم عن رسائل تواصلية حضارية، اتسمت بالحكمة، والتروي.. معلنين فيها رفضهم لأي مساس بوطنيتهم، وبعيدا عن أي زلة أو هفوة أو تنقيص أو خدش بكرامة من يسيء إليهم. 2. الانسجام والتناغم: رغم أن المسيرة تمثل أطيافا وألوانا مختلفة، فإنه مع ذلك فقد أبان المغاربة عن قيم أخلاقية اجتماعية حضارية سامية، دونما تحيز أو عصبية. ومن المقومات التي ساهمت في نسج هذا التلاحم بين المغاربة وحدة الهدف، والتمسك بالمشترك. وهو مدخل أساسي لبناء الدولة، والالتفاف حول قضايا المغاربة الأخرى. 3. التعاون بين المركز والإقليم: يعد التعاون اللامشروط، والتطوع الأريحي، سمة من سمات الشعب المغرب الأبي. ولا أدل على ذلك أنه بمجرد النداء الوطني لبى وأجاب. وقد ساهمت في ذلك التركيبة الاجتماعية كلها. ونسجل هنا أيضا دور المجتمع المدني الذي يعتبر مكونا أساسيا من مكونات الشعب المغربي، وطرفا لا ينكر فضله في خدمة التنمية لصالح البلد. وبفضل هذه القيم الإنسانية والحضارية المتجذرة في الشخصية المغربية، ندرك أن إرادة الشعب المغربي في البناء إرادة قوية وصادقة، ونتفاءل خيرا في مستقبل الشعب المغربي تجاه بلده، والذود بكل إخلاص وتفان عن ثوابته ومقدساته الدينية والوطنية. ولعل العزم والتواصل الهادف مع المجتمع المغربي، وإشراكه في الإشراف واتخاذ القرار، من مقومات هذه الإرادة، والبناء. ثانيا: الأبعاد السيكولوجية؛ سيكولوجية المواطن المغربي تميزت عبر التاريخ بالإباء، والنخوة، والإيثار، والبسالة، والتضحية في سبيل خدمة دينه ووطنه وملكه؛ لذلك، فليس من الغرابة أن تجسد مسيرة نداء الوطن، هذه المقومات السيكولوجية لدى الإنسان المغربي؛ بمثقفيه، وعلمائه، ونسائه، ورجاله، وشبابه، وكبرائه. هذا، وقد جسدت المسيرة، جوانب أبرزت المنحى السيكولوجي ومقوماته لدى الشعب المغربي، أهمها: 1. الإرادة الشعبية القوية؛ إذ الشعب المغربي شعب قوي ومتحمس، ومخلص في التصدي والدفاع عن قضيته التي يؤمن بها. ولا تثني عزائمه المثبطات. ووفاؤه وصدقه يذكي حماسه، ويجدد عزمه وإرادته.. ولاسيما إن كان موضع ثقة واستشارة ممن يستنفره في سبيل المضي قدما لخدمة الصالح العام. 2. الرغبة الصادقة: ومن مؤشرات هذه الرغبة الاستجابة للطلب بكل أريحية، وتحمل المشاق، ومتاعب الأسفار، والتصبر والتجلد لنصرة قضايا الدين والوطن، غير آبه بما يلاقيه من الصعاب وما يواجهه من المتاعب. 3. الاستعداد للتضحية: لولا الاستعداد الذي أبان عنه المغاربة، قبل خوض المسيرة وخلالها، لما قدر لهذه المسيرة الملايينية أن تنجح، وأن تترك في النفوس صدى وطنيا ودوليا. وقد لاحظنا كيف تحول هذا الاستعداد إلى إنجاز سيكتب في سجل التاريخ عموما، والذاكرة المغربية خصوصا، بمداد من ذهب. كما ستبقى هذه المبادرة ملحمة من الملاحم الوطنية التي سيخلدها التاريخ لفائدة المغاربة قاطبة بغض النظر عن اختلاف انتماءاتهم، وتعددهم اللغوي والثقافي والحزبي. وبناء عليه، فإن "الحدث" محطة لاستنباط دروس وعبر أخلاقية واجتماعية مهمة، منها: الشعب المغربي شعب متواصل، ويمد يده لكل من يرغب في ربط الصلة به، ولإشراكه في قضايا وهموم الوطن، والقضايا المصيرية للأمة. المغاربة يمتازون بقيم وخصال اجتماعية متعددة، منها الصدق، والوفاء، والتضحية، والشجاعة، والإيثار. المغرب من طنجة إلى تخوم الصحراء يمثل بالنسبة لأبنائه وحدة لا تقبل التجزيئ، وأي مساس بها يعد عدوانا على مقدساتهم، وسلوكا مرفوضا لا يقبل أبدا. مركز القرار، واتخاذه بالنسبة للمغاربة، يمكن أن يبنى من قبل الشعب كله، كل من موقعه، دونما تحيز أو تعصب بين المركز، والإقليم. كلما توافرت الإرادة القوية لإشراك الشعب المغربي، وفي السراء والضراء، في أي قضية تتجاوز الدوائر الضيقة، نجده صبورا، معطاء متعاونا. أخيرا، ما أحوجنا للالتفات حول المشترك، وتجاوز كل ما من شأنه أن ينفر الشعب المغربي، ويهدد التماسك المغربي الرصين. *باحث في التواصل والتنمية.