تحظى الخزانات والمكتبات العمومية، بالدول المتقدمة، أو البلدان السائرة في الطريق التنموي الصحيح، بالاهتمام الذي تستحقه، سواء من طرف المؤسسات الوصية عن الشأن الثقافي، أو من طرف عمّار تلك الفضاءات، الراغبين في الاستفادة من معينها الفكري والمعرفي، باعتبارها مفتاحا للعلم، وسلالم آمنة للارتقاء في عوالم التربية والوعي، غير أن واقع الحال في بقعة مجتمعية بإقليم خريبكة، سُمّيت منذ القدم ب"مدينة الشهداء"، فلا يُسمع حول الخزانات حديثٌ صالح، ولا يُتداول عن المكتبات خبرٌ مفرح، إلا لِمامًا. مدينة وادي زم، القصية عن مدينة خريبكة ب34 كيلومتر في اتجاه أبي الجعد، عبر الطريق الجهوية رقم 312، ارتبط باطن أرضها بمخزون مادة الفوسفاط، وتميّز تاريخها بالمقاومة الشرسة للاستعمار، قبل أن تخرج من رحِمها فئة من الشبان الذين ربطوا اسمَها قسرًا، عبر وسائل الإعلام، بعمليات النصب والاحتيال عبر الشبكة العنكبوتية، بعدما ضاقت بهم السبل، وتقاذفتهم الأهواء، وهم يلمحون فضاءات الثقافة والعلم تُغلق أبوابها، وتحلّ محل الكتب والمراجع أعشاش العناكب وغيران السّحالي. ومن بين تجليات الواقع الثقافي لمدينة وادي زم، المُعاش من طرف أبناء المنطقة، والمُلاحَظ من طرف زوارها، تواجد بناية قرب البحيرة الشهيرة بالمدينة، يتضح من أول نظرة تجاهها أنها تعيش الإهمال بكل ما يعنيه ذلك من تخريب، أمام أنظار السلطات والإدارات المسؤولة عن تسيير الشأن المحلي، وأمام أعين المسؤولين المشرفين على تدبير القطاع الثقافي بمدينة وادي زم وإقليم خريبكة. إلى جانب النوافذ المهشّمة، والجدران المتآكلة، والشبابيك الحديدية الصدئة، تتحوّل جنبات تلك البناية، أو "الخزانة القديمة"، بين الفينة والأخرى، إلى ما يُشبه المرحاض العمومي، يقضي به زوار البحيرة المجاورة حاجتهم، دون أن تُحرك تلك المشاهد مشاعر المهتمين بالشأن الثقافي بالمدينة، لا من منطلق المسؤولية الملقاة على عاتقهم، ولا من ناحية الغيرة على فضاء عمومي يسير بخطى ثابتة نحو الدّمار. منصف الرفيق، فاعل جمعوي بوادي زم، أشار إلى أن بعض الغيورين عن واقع المدينة تبنّوا، قبل فترة، الدفاع عن تلك الخزانة، وطالبوا حينها المندوب الإقليمي السابق لوزارة الثقافة بإقليم خريبكة بضرورة إيجاد حل لفضاء يحتضر يوما بعد اليوم، غير أن المسؤول كان يتحجّج في كل مرة بنقص الموارد البشرية بمندوبيته، وعدم توفّر من يقوم بتسيير شؤون المؤسسة إذا ما جُهّزت وفُتحت في وجه ساكنة المدينة. وعن إمكانية تسييرها من طرف الجمعيات أو متطوعين، أوضح الرفيق، في تصريح لهسبريس، أنه لا أحد يقبل التطوّع لتدبير شؤون فضاء ثقافي تنموي، "غير أن مشاريع عديدة من جهة، وتحركات في الكواليس من جهة ثانية، كانت ترمي إلى تحويل تلك البناية إلى مقهى أدبي، حتى يتم استغلالها تجاريا تحت غطاء ثقافي، ولحسن الحظ اصطدمت المحاولات بالبيروقراطية التي كانت، على غير عادتها، ذات نتائج إيجابية"، حسب منصف. وأوضح المتحدث ذاته أن "تحويل البناية إلى مقهى أدبي سيتمثل بالتأكيد في تخصيص متر مربع واحد للكتب، وباقي المساحة لمقهى عمومي، ذي أهداف تجارية ربحية صِرفة، وهو ما يُفسّر كثرة المتنافسين للاستحواذ على المشروع، دون أن يظهر أثر لمن يرغب في تحويل الفضاء إلى معرض أو متحف بيئي أو خزانة ثقافية، أو أي فكرة أخرى ذات أهداف تنموية، بعيدة عن لغة المال والتجارة". وعن توفّر الخزانات والمكتبات وفضاءات المطالعة بمدينة وادي زم، أوضح الرفيق، بصفته رئيس مجلس دار الشباب بوادي زم، أن المصالح البلدية حوّلت قاعة داخل مقر دار الشباب إلى خزانة، "إلا أن ما تتوفّر عليه من مقررات دراسية قديمة، وكتب لا تواكب العصر، جعل وجودها مثل عدمه، حيث لا صوت يعلو فوق صوت الإهمال داخل الخزانة، في حين أنها تتوفر على 5 موظفين من البلدية، و3 آخرين من الإنعاش الوطني، مقابل صفر زائر في اليوم". وبعد أن أشار منصف الرفيق إلى أن مسيّري الشأن المحلي يفتقدون للغيرة على الثقافة، ولا يعيرون فضاءاتها أي اهتمام، طالب المتحدث ذاته، من خلال تصريحه لهسبريس، بضرورة تدخل وزارة الثقافة، وتحمّلها مسؤولية تحويل البناية المهملة قرب البحيرة إلى خزانة أو أي مشروع وزاري آخر، عوض منحها في طابق من ذهب للراغبين في استغلالها لمزاولة أنشطة تجارية تحت مسمى "مقهى أدبي". أما المندوب الإقليمي لوزارة الثقافة بخريبكة، فقد أشار إلى أن اتفاقية شراكة حول موضوع الخزانة وُقّعت، قبل فترة، بين الوزارة والمجلس الجماعي السابق، ولا تزال سارية المفعول إلى اليوم، حيث لم يتمّ فسخها ولا تفعيلها، مؤكّدا على أنه يحاول في الوقت الراهن إيجاد حل لتحيينها وتفعيلها مع المجلس الجماعي الحالي بوادي زم، خاتما تصريحه لهسبريس بالقول أن "وزارة الثقافة مستعدة لإنجاح المشروع إذا ما قبِلت المصالح الجماعية بتوفير الفضاء وباقي الالتزامات الواردة في الاتفاقية". ومن جهته، أوضح رئيس المجلس البلدي لوادي زم أن البناية كانت تحتوي في ما مضى على خزانة، قبل أن يشملها، في الفترات الأخيرة، مشروع الممر الأخضر، الممول من طرف كتابة الدولة في الماء والبيئة سابقا، من أجل إنشاء فضاء كبير ذي صبغة بيئية، على طول كيلومتريْن و800 متر تقريبا، ويضم البحيرة والحديقة والخزانة السابقة التي جرى الاتفاق على تحويلها إلى متحف بيئي، للمساهمة في إنجاح المشروع الكبير. وأضاف المتحدث ذاته أن الاتفاقية الموقّعة في السابق بين المجلس البلدي ووزارة الثقافة، القاضية بتهيئة البناية على أساس خزانة جديدة، (الاتفاقية) لم تعد قائمة منذ انطلاق مشروع الممر الأخضر، مستدركا أن "مشروع بناء دار للثقافة بالمدينة سيُمكن من توفير خزانة داخل المرفق ذاته، وذلك بشراكة بين المجلسين الجماعي والجهوي، ووزارة الثقافة"، مؤكّدا على أن "المكتبة المتوفّرة بدار الشباب، وإنْ كانت غير مجهزة بالشكل المطلوب، فهي تقدّم خدماتها لقاصديها".