أثار إقدام المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج على تنزيل دليل مساطر لتصنيف السجناء، في سياق استراتيجيتها الوطنية لإصلاح السجون، حفيظة عدد من الفاعلين الحقوقيين الذين التئموا، اليوم الثلاثاء، في ندوة صحافية اعتبروا خلالها الخطوة "تنزيلا للتجربة الأمريكية على واقع السجون" و"إمعانا في السياسة التعسفية الممنهجة"، على حد تعبيرهم. الموعد، الذي دعت إليه اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين، رصد ما وصفه "التراجعات الحقوقية القانونية الخطيرة في السجون"، وشدد، على لسان الهيئة ذاتها، على وجود ما وصفه "السياسة التعسفية الممنهجة المتبعة بالسجون المغربية والانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون الإسلاميون"، فيما اعتبرت اللجنة المشتركة أن إجراءات مندوبية السجون في تصنيف المعتقلين تأتي "وفق النموذج الأمريكي". وقال محمد حقيقي، المدير التنفيذي للرابطة العالمية للحقوق والحريات، إن المقاربة التي تعتمدها المندوبية العامة لإدارة السجون في معالجة ما وصفها "أزمة السجون" تجر وراءها "إخفاقات في تأهيل السجناء وأنسنة السجون"، مضيفا أن المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب تلزمه بتدبير سليم للسجون وتأهيل السجناء، "لكن هاجس المشرع لا يكون سوى المقاربة الأمنية.. بعيدا عن المقاربة الشاملة التي تهم إدماج السجناء". انتقاد حقيقي لمندوبية السجون استمر بقوله إن جميع مبادراتها باءت بالفشل، وفق تعبيره، مشيرا إلى أن دليل تصنيف السجناء قوبل بالرفض من طرف السجناء وموظفي السجون، ومتسائلا باستغراب: "كيف يعقل أن يتم تصنيف السجناء ونحن نعلم أن 60% من الساكنة السجنية هم احتياطيون، فما مصيرهم أمام تلك التصنيفات التي تمثل ضربا لقرينة البراءة؟". واختار الناشط الحقوقي أن يطلق على التدابير التي جاءت بها مندوبية السجون وصف "العقوبات"، باعتبارها، في نظره، "تحد من حرية السجين داخل السجن بعدما سلبت منه في الخارج بالقانون.. فيطاله التعسف تحت مسمى التدابير التأديبية"، ليشير إلى "الوضعية الكارثية للسجون ودفع المعتقلين دائما إلى الدخول في احتجاجات"، على حد تعبيره. أما أحمد الهايج، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فوصف مقاربة المغرب في العدالة الجنائية ب"المختلة" وهو يعتبر أنها "لا تنبني سوى على التجريم والعقاب واستحضار البعد الأمني دون غيره"، مضيفا: "في الوقت الذي تسعى فيه الدول إلى تجويد القواعد النموذجية للسجناء، نجد أن المغرب لا زال يتخبط في وضع الخطط مقابل احتفاظه بسياسة تزج بالأخضر واليابس في السجون في ظل غياب عقوبات بديلة". وفي مقارنة بالسياسة الجنائية الأمريكية، قال الهايج إن السجون الأمريكية، التي تضم أكبر نسبة من السجناء في العالم، لا تضم معتقلي الرأي والسياسة، معتبرا أن هذه الفئة من المعتقلين هم أكبر ضحايا السياسة السجينة في المغرب، متسائلا، في الوقت ذاته، عن مصير قرارات فريق العمل الأممي القاضية بالإفراج عن خمسة معتقلين في ملفات "السلفية الجهادية". في سياق ذلك، قال عبد المالك زعزاع، محامي بهيئة المحامين بالدار البيضاء، إن قضية السجناء تبقى "أكبر معضلة للدولة المغربية"، وأن السجون في المغرب "تنتج الجريمة على مر العقود"، معتبرا أن الدليل الذي جاءت به مندوبية السجون "هو تطبيق للخطة الأمريكية التي سيتم اعتمادها مع العام 2016"، فيما انتقد إقصاء الحركة الحقوقية من مراقبة تدبير السجون وأوضاع المعتقلين. ودعا الناشط الحقوقي إلى تشكيل لجنة من محامين وحقوقيين وعلماء وممثلين عن السجناء، "يؤطرها القانون لغرض مراقبة السجون"، ومجلس وطني للسجون يضم القضاة وباقي الفاعلين، وانتقد "تغييب رجال القانون والقضاء في اعتماد الخطة الجديدة للمندوبية". المتحدث اعتبر أن توزيع مندوبية السجون للمعتقلين على ثلاثة أصناف، "جريمة خطيرة جدا" و"جريمة خطيرة" و"جريمة خفيفة"، هو أمر مخالف للقانون الجنائي، "الذي يتحدث عن أربعة تصنيفات"، مشددا على أن الدليل ذاته يركز على المقاربة الأمنية، ومع أن "السجين ليس مجرما دائما كما يتخيل بعض الموظفين، فالتقسيم الجديد ينتج الجريمة ويغيب الأبعاد الإنسانية والاجتماعية".