افتقد الشارع العربي والإسلامي هذه الأيام - في ظل الاقتحامات المتوالية للمسجد الأقصى- صوت السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله.. ذلك الصوت، الذي كان في من الأحيان يظل مجرد "فرقعة كلامية"، إلا أنه على خلاف بقية أصحاب الصوت العالي في العالم العربي، كان يتوفر على رصيد من الإنجازات العسكرية والسياسية في مواجهة الكيان الصهيوني تجعله يخرج ولو نسبيا من دائرة "الذين يقولون ما لا يفعلون".. خلال عدوان يوليوز 2006 تحول الرجل إلى ظاهرة.. في المغرب مثلا، كانت المقاهي تمتلئ عن آخرها ليس من اجل متابعة مباريات كرة القدم أو سباقات ألعاب القوى.. وإنما من أجل الاستماع إلى خطب "سيد المقاومة" الذي إذا حدث صدق.. وإذا هدد أو توعد نفذ.. لو بسط "السيد" يومها يدها وقال بايعوني.. لبايعه المغاربة قبل المشارقة.. فصوره دخلت كل البيوت، وأعلام حزب الله صارت تنافس أعلام فلسطين في المسيرات المليونية التي عرفتها المدن المغربية في كثير من اللحظات المفصلية في تاريخ الأمة المكنكوبة.. شعبية "السيد" كانت جارفة.. نسي الناس انتماءه الطائفي والمذهبي ورأوا فيه الزعيم الذي سيقود الأمة لاستعادة الثقة في نفسها وفي قدراتها وفي تاريخها.. لكن "السيد" على عادة أسلافه وأشقائه العرب.. اختار "القبيلة" على "الوطن"، وفضل ضيق الطائفة على سعة الأمة.. أوغل "السيد" في الدم السوري وأحيى التارات القديمة.. وخاض حربه المقدسة ضد من يعتبرهم ذرية يزيد وفلول بني أمية.. لم يعد عدوه في الجنوب.. بل صنع عداوات جديدة في الشرق والشمال.. ولم يتستر خلف التقية المعهودة بل أطل على الناس بوجه مكشوف ليعلن أنه سيحارب حتى آخر رجل دفاعا عن نظام بشار ولو تطلب ذلك ذبح الشعب السوري وتهجيره.. كثيرون لم يفاجؤوا بهذا الانقلاب.. فإيران التي يدين لها السيد بالولاء الطائفي الأعمى، والتي بنت ثورتها على شعار "فلسطين".. وعلى فرض أنها شريكة في دم كل صهيوني قتلته حركات المقاومة.. كم يساوي ذلك مقارنة بما أراقته من دماء العراقيين والسوريين المسلمين؟ لقد سلمت أمريكاالعراق لإيران بعد أن قلمت أظافره وقلعت أنيابه.. فهل ملأته عدلا بعد عقود من جور نظام البعث؟ هل شجعت العراقيين على التعايش وحق دمائهم؟ أبدا.. فمنذ اللحظة الأولى تكفلت ميليشياتها بالثأر من "العباسيين".. وسعت لتحويل الكوفة إلى منافس لمكة وأيقظت الفتنة الطائفية ووفرت لها الوقود الضروري بعدما نصبت أزلامها في مواقع القيادة وصارت لها في كل شبر من العراق كربلاء.. وتدخلت روسيا لإنقاذ نظام بشار من السقوط، ودعم الجمهورية "الإسلامية" التي فشلت في حماية "واليها على الشام"، رغم كل مذابحها ومجازرها ضد المدنيين "الأمويين" ولم ترحم طفلا ولا امرأة ولا شيخا وهي التي تقيم على مدار السنة مناحات على "شهدائها" رغم أنف التاريخ ووقائعه.. وها هي اليوم قد وضعت يدها في يد "الشيطان الأكبر" ولن يفاجأ أحد غدا إذا ظهر أنها فتحت صفحة جديدة مع بقية الشياطين "الأصغر" وضمنها إسرائيل.. بعدما أصبحت بغداد ودمشق أهم من القدس.. وسلام على شعار "قادمون".. كم قتل "السيد" وحزبه "المقاوم" من المدنيين السوريين والعراقيين، وهو الذي أصر خلال كل عدوان إسرائيلي على لبنان على "توقير" المدنيين الإسرائيليين؟ لا أدري هل نحزن على ضياع مشروع "السيد" كزعيم مقاومة عابرة للقوميات والجنسيات والطوائف، أم نسعد لأنه "ذاب الثلج وبان المرج" قبل فوات الأوان.. فشتان بين "سيد المقاومة" و"شبيح بشار".. https://www.facebook.com/my.bahtat