زنيبر يبرز الجهود التي تبذلها الرئاسة المغربية لمجلس حقوق الإنسان لإصلاح النظام الأساسي للمجلس    دلالات لزيارة رئيس الصين الودية للمملكة المغربية    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'    أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..        المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في سوريا:"أسد" و"غابة" و"عصابة"
نشر في هسبريس يوم 25 - 02 - 2012


بسم الله الرحمن الرحيم
وحده الجماد هو الذي لا يتأثر لمشاهد القتل والإبادة والتهجير التي تطول الإنسان في سوريا مهما كانت الدواعي والمبررات، فعندما تختلف الأديان والمذاهب والأعراق والأجناس ينتصب المشترك الإنساني الأخلاقي داعيا إلى تحكيم صوت العقل والحكمة، ومانعا من الولوغ في دماء الأبرياء واتباع سياسة الأرض المحروقة والعقاب الجماعي ، وإذا غُيِّب ذلك المشترك فإن البشرية تنزل إلى أدنى دركات الحيوانية،ولقد كان العقَّاد مُصيبا لما عدَّ حرمان الشهداء من حقهم في العطف "خطأ في الشعور وخطأ كذلك في التفكير"1 لأن " تسديد العطف الإنساني فرض من أقدس الفروض وهو كل ما يملك التاريخ من جزاء، وهو الثورة التي يحتفظ بها الخلود"2،ولذلك فإن الذي يتفرج على محرقة سوريا ويلتمس المعاذير للقتلة هو شريك في الجريمة،وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقي الله عز وجل مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله."3
ولكن ليس بالعاطفة وحدها يمكننا فهم ما يجري في سوريا،وحتى لا نسقط في القراءات المبتسرة،والمعالجات التي تعتمد ازدواجية المعايير وتعترف بالحق في العدل والكرامة والحرية للمنتمين لدين دون دين،أو لمذهب دون مذهب،أو لعرق دون عرق،لاسيما في هذا الزمان والسياق الذي تداعت فيه شعوب المنطقة العربية إلى استرجاع ما اغتصب منها بالترغيب والترهيب في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين والأردن والمغرب..إلخ،ولسنا مجازفين إذا قلنا:إن أهم ما اغتصب هو حق الشعوب في اختيار من يحكمها،وحقها في الاحتجاج على سوء توزيع الثروة.
يكاد الخبراء والسياسيون والدارسون يجمعون على أن الوضع في سوريا جد معقد:
أولا :من حيث التركيبة الطائفية للبلد
ثانيا :من حيث هشاشة الاستقرار في الدول المجاورة (لبنان،العراق)
ثالثا:من حيث اختلاف مصالح الدول الكبرى ذات العلاقة التاريخية بالمنطقة (روسيا،أمريكا،أوروبا)
رابعا:من حيث أثر حدوث أي تغيير في سوريا على الكيان الصهيوني
ونظرا للتعقد المذكور اعتمد النظام السوري سياسة خلط الأوراق:
أولا: خلط الأوراق على الساحة الفلسطينية واستغلال اختلافات الفصائل،بل والتدخل في تدبير تلك الاختلافات
ثانيا:خلط الأوراق على الساحة اللبنانية عبر التدخل المباشر
ثالثا:خلط الأوراق على مستوى الشعارات المرفوعة: المقاومة والممانعة
رابعا:خلط الأوراق على مستوى جغرافية المذاهب في المنطقة،بشكل لا يدري معه المرء هل التحالف مع إيران وحزب الله مثلا ينبني على أساس طائفي أم سياسي
خامسا:خلط الأوراق على مستوى مرجعية الدولة:القانون أم القرابة والطائفة
هذا الركام من الخلط يدفعنا إلى التساؤل:
أولا:ما هو الخفي وما هو المعلن في خطاب وسلوك النظام السوري:الطائفية أم القومية،الممانعة أم الموادعة.
ثانيا :من هو الحاكم الفعلي في سوريا:الرئيس أم الحزب أم الطائفة أم الأجهزة الأمنية
ثالثا:ما سر هذه الاستماتة في قمع الاحتجاجات الشعبية بأساليب برَّزَت في النذالة والوحشية والسادية.
ويحملنا السعي إلى معرفة نوع التفاعل الدولي والإقليمي مع الثورة السورية إلى التساؤل أيضا:
أولا: هل دول العشائر والعائلات في الخليج صادقة في نصرة الديمقراطية التي ينشدها الشعب السوري؟
ثانيا:ما سر تأييد الغرب المحتشم للثورة،لا سيما بعد أن استدرك الخطأ الفادح الذي وقع فيه لما فاجأته الثورة التونسية فلم يكن له سابق إعداد استراتيجي وفلسفي للتعامل معها،بل بالعكس كان له سابق تحالف "مقدس" مع الأنظمة الاستبدادية وهو الآن- أي الغرب- يسعى إلى مواكبة الأحداث على نحو يمكنة من المراقبة المستمرة لما يجري ويعتمل في المنطقة العربية والإسلامية،ولم لا استمالة الثوريين وتصييرهم أسرى لرق "إحسانه"
ثالثا:هل تحضر الحكمة أم تغيب في الموقف الإيراني من الثورة السورية وهو يعلم علم اليقين أنه يتعامل مع نظام أقلية في سوريا؟
الأقلية والأغلبية والطائفية
لقد سيطر حزب البعث على مجمل الحياة السياسية والاقتصادية والفكرية في سوريا منذ 1963،وتزامن ظهوره مع نجوم قرن الفاشية والنازية والنزعات القومية العنصرية،فجاء بعكس النتائج التي كان يتوخاها،وخالف الشعارات التي كان يرفعها،فقد أراد بناء الوحدة فكان هو أول ضحية للتقسيم والتشرذم بين البعث العراقي والبعث السوري،وحرم الأقليات غير العربية من الكثير من حقوقها لاسيما الأكراد الذين جردوا من الجنسية السورية بموجب إحصاء 1962 ،أراد الاشتراكية فظهرت مراكز نفوذ اقتصادي قوي أعطت الأولية للقرابة والطائفة والولاء للاستفادة من الثروة وإطلاق اليد في الموارد والمؤسسات العامة،أراد الحرية فحول"الزعيم الأوحد" سوريا إلى سجن كبير بعد فرض حالة الطوارئ منذ 1963 إلى اليوم،وتم النص على سيطرة الحزب على الدولة والمجتمع في المادة الثامنة من الدستور السوري.
وبدون معرفة التركيبة الطائفية لسوريا سيتعسر على المتتبع فهم ردود الفعل العنيفة للنظام على الحراك الثوري المنادي بإسقاط فساده واستبداده،فحسب إحصائيات 2011 فإن أهل السنة يشكلون نسبة الأغلبية ب 72%،يليهم العلويون بنسبة 12%،يليهم المسيحيون - بمختلف كنائسهم- بنسبة 9%،ثم الدروز بنسبة 5%،ثم الإسماعيليون بنسبة 1%،وسيطول بنا الحديث لو ذهبنا نبين مواطن الاختلاف العقائدي بينها،وسنجد أن الخلاف قليلا ما يُلتفت إليه عندما يكون بين دين ودين(مسلمون- مسيحيون)،ويلتفت إليه كثيرا عندما يكون بين المذاهب(سنة- شيعة) لأسباب تاريخية ليس هنا موضع التفصيل فيها،وهذا لا يغني عن القول:إن أهم ما يميز الطائفة العلوية المحسوبة على الشيعة الاثنا عشرية عن الأغلبية السنية في سوريا هو القول بأحقية علي- كرم الله وجهة- بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بموجب نص جلي،وأن الإمامة منصب إلهي انحصر في اثني عشر إماما هم:علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر،وعلي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد وعلي بن محمد الهادي والحسن العسكري ومحمد بن الحسن المهدي الذي غاب وسيظهر في آخر الزمان،ويعتبرون الراشدين الثلاثة رضي الله عنهم (أبا بكر وعمر وعثمان) مغتصبين للحكم،أما السنة فهم جمهور المسلمين الأعظم الذين يعتقدون أن الخلافة منصب مدني،وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات ولم يستخلف ولم ينص على أحد بقول أو فعل،لكن سرعان ما أقبرت العصبيات الأسرية هذا المبدأ العام في وقت مبكر بعد الانقلاب على الخلافة الراشدة ليأخذ التاريخ مسارا آخر.
وفي سنة 1970 يتولى حكم سوريا أول رئيس من الطائفة العلوية هو حافظ الأسد بعد أن تمكن من إزاحة ابن طائفته الرجل القوي في الجيش صلاح جديد فسجنه ثلاثا وعشرين سنة (1970- 1993)،ولم يكن الشعب السوري يلقي بالا لخلفية الأسد الطائفية إلا بعد أن شرع في سن سياسات ظالمة في حق أبناء الأغلبية عندما عزل رموزها عن مراكز القرار وأخضع الجيش والأجهزة الأمنية لنفوذ وقيادة الضباط العلويين المنتمين إلى حزب البعث ذي الهوية القومية للتغطية على النزوعات الطائفية،وإلا بعد أن احتوشت العائلة الأموال واحتكرت الامتيازات،وأذاقت المعارضين صنوف التقتيل والتعذيب والتنكيل،
ففي عام 1955 اندهش العقيد عبد الحميد سراج رئيس مكتب المخابرات لدى اكتشافه أنّ مالا يقل عن 65% من ضباط الصف كانوا تابعين للطائفة العلوية،وأفاد الدكتور مطاع صفدي الذي انضم إلى حزب البعث وكان من أوائل منتقديه أن "التسريحات بالمئات استهدفت جميع الضباط من أبناء المدن الكبرى، ومن (السنيين) خاصة،حتى فرغت أسلحة كاملة من ضباطها الرئيسيين، كسلاح الطيران وسلاح البحرية، والآليات، وكذلك اتبعت نفس الخطة حيال صف الضباط والجنود، حتى أصبح من المتعارف عليه أن ألوية كاملة بأركان حربها وصف ضباطها وجنودها، وقف على طوائف معينة، كاللواء السبعين والخامس مثلا"4،ووافقه الرأي منيف الرزاز الذي كان من قادة حزب البعث العراقي إذ قال:" أغلق باب الكليات العسكرية ومختلف المدارس العسكرية في وجه شباب المدن السنيين. حتى أن دورات كاملة من هذه الكليات قد سرحت من الخدمة جميعها، وقبل أن تتخرج"5،وقصد التعمية على حقيقة التطهير الطائفي في صفوف العسكر لم يكن النظام يسمح بالمجاهرة بالتمايزات الطائفية،كما احتفظ بقيادات سنية في الجيش لأنها تنفع في "الديكور" التعددي كالعماد مصطفى طلاس الذي أحيل على التقاعد عام 2003.
لقد اعتبر الإسلام الارتداد إلى محاور الولاء القبلي والعشائري أمرا من أمور الجاهلية التي تم تجاوزها لما خلص العرب من عقلية القبيلة وأنشأ لهم لأول مرة في التاريخ دولة مدنية تحتكم مكوناتها إلى سلطة الأخلاق والشريعة والقانون لا إلى قرابة الدم،وبالتالي يسقط عن مرتبة الاعتبار الشرعي كل من حاد عن جادة العدل والصواب والحق مهما تسربل باسم السنة أو الشيعة أو غيرهم،ولذلك فالشعب السوري لا يطلب غير تمتيعه بحريته كاملة غير منقوصة في العيش الكريم،وفي ثروته الوطنية،وفي اختيار حاكمه،وحقه في التخلص من حكم العائلة التي تتلمظ بدمائه،والحقيقة التي لا جدال فيها هي أن النظام السوري كان دوما يتبع سياسة طائفية وفق قاعدة أسميتها "تغليب الأقليات لإخراس الأغلبية"،وهو يدرك جيدا أنه يخوض معركة حياة أو موت،ولن يجد حرجا في تعقيد الوضع ولسان حاله يقول: "علي وعلى أعدائي" ففي الأفق تتراءى نذر المحاسبة على الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها ضد الإنسانية، ففي مذبحة"حماة" التي حدثت سنة 1982 سقط ما بين 30-40 ألف قتيل من بينهم نساء وأطفال ومسنين إضافة إلى 15 ألف مفقود ،وأُرغم نحو 100 ألف نسمة على الهجرة عن المدينة ،وتمت إزالة 88 مسجداً وثلاث كنائس ومناطق أثرية وتاريخية نتيجة القصف المدفعي،وأحاطت بالمدينة كل تشكيلات الأمن والمخابرات والجيش والشبيحة،ومُنع الدخول إليها أو الخروج منها وسط تعتيم إعلامي شديد،فلم يعلم أهل دمشق بما كان يحدث في"حماة"،واليوم تتكرر ذات المأساة في "حمص" على مرأى ومسمع من العالم،إذ يتم قصف المدينة برا وجوا،وتتعفن الجثث في الشوارع،ولا يجد الجرحى من يسعفهم،ولا يجد المرء السلوى إلا في الصمود الأسطوري للسوريين الذين يخرج الواحد منهم وهو يردد "الموت ولا المذلة" محاكيا الشعار الحسيني الخالد "هيهات منا الذلة" ،حاملا روحه على كفه لا يدري هل يرجع إلى بيته أم يرتقي شهيدا،إنه مشهد دموي يصح معه القول:إن سوريا فيها أسد وغابة وعصابة،أسد يحسن الخنق والفتك وكسر الرقاب ورض العظام وقطع الأوعية الدموية،له لبؤة من "حمص" ولكنها لم تنفع أهلها شيئا ولم ترد عنهم عدوان "الأسد" الذي لا يتحمل مطاردة طويلة لما يريد أن يفترسه،وغابة يُعمل الحطاب ساطوره في أغصانها الطرية،وعصابة تقدم ذوي القربى في المغانم وتأخرهم في المغارم،فتحولت إلى "مافيا" تحتكر المال والسياسة.
وهو مشهد يُذكِّر أيضا بالجرائم والمذابح التي ارتكبها حزب البعث العراقي بشتى صنوف الأسلحة التقليدية والكيماوية،حتى أتى اليوم الذي صدر فيه قانون"اجثتات حزب البعث"،فلماذا "شيطن" المدافعون عن النظام السوري حزب البعث العراقي- وهو أهل لذلك- ولم "يشيطنوا" حزب البعث السوري،أو لم يقل الشهيد محمد باقر الصدر"لو كان أصبعي بعثيا لقطعته".
إننا في مقام توصيف واقع لا يمكن إنكاره وهو واقع السلوك الطائفي للنظام السوري،أما إذا انتقلنا إلى مقام توصيف الحلول واقتراح البدائل،فإن ثوار سوريا ومعارضتها مدعوون إلى تجاوز اللغة الطائفية ليَسَعوا الناس بسياسة عملية قوامها الإنصاف والعدل،والعدول حين التمكن عن نهج الانتقام من "العلويين" الذين كان النظام وعائلة الأسد يداريان بهم نهمه إلى السلطة والمال،بل عليهم أن يعطوا المثال في الصفح والعفو والتسامح،وكم كان موقف "حزب الله" سيبدو جميلا لو أنه لم يوقف دورة تأييد الثورات عند البحرين مما حمل الكثيرين على نعت تقييمه للحراك الثوري السوري بالطائفي،فحرام أن يضيع الرصيد النضالي التي اكتسبه الحزب في مواجهة العدو التاريخي للأمة"إسرائيل" نتيجة مواقف متسرعة وضيقة الأفق وغير محسوبة النتائج،وحتى لا يقال لنا:لا تنه عن خلق وتأتي مثله نقول:لا وجه للسياسة التمييزية التي يتبعها نظام البحرين تجاه مواطنيه الشيعة الذين يشكلون أكثر من نصف السكان،والذين يجب أن يكون لهم رأي في سياسة البلد بدون خلفيات طائفية أو ارتباطات خارجية.
لقد كان للسيد حسن نصر الله وقفات ضمن خطابات متعددة مع الأحداث في البحرين،ففي أحدها تساءل:" لماذا السكوت عن الظلم اللاحق بإخواننا وأهلنا وشعبنا في البحرين ،لماذا السكوت عن حقهم في المطالبة السلمية بالحقوق،لماذا؟بل الذهاب أبعد من ذلك إدانة تحركهم،اتهام هؤلاء الشهداء وهؤلاء الجرحى هل فقط لأنهم شيعة،هل إذا كان الإنسان في بلد ما ينتمي إلى دين ما وإلى مذهب ما يسقط عنه حقوقه الإنسانية والمدنية الطبيعية،هل انتساب غالبية المعارضة في البحرين إلى المذهب الشيعي يجعلها معارضة مسلوبة الحقوق مستباحة الدماء،مهدورة الكرامة تصدر في حقها الفتاوى أين هو الحق والإنصاف في هذا؟"6 وأجاب قائلا:" نحن جميعا مسلمين ومسيحيين ،من السنة والشيعة،وقفنا إلى جانب فلسطين لم يسأل أحد ما هو دين ومذهب شعب فلسطين دين ومذهب شعب تونس،دين ومذهب شعب ليبيا،دين ومذهب شعب اليمن،هذا واجبنا جميعا أن ننصر المظلومين والمضطهدين..لا يمكن أن نبقى مكتوفي الأيدي عندما تنشب نزاعات بين الظالم والمظلوم،بين الحق والباطل"7،كلام لا خلاف عليه لو عُدِّيَت الأحكام الواردة فيه إلى الحالة السورية،ولو تمت التعدية لأعدنا صياغة حديث السيد نصر الله - بعد تغيير اسم البلد- هكذا:" لماذا السكوت عن الظلم اللاحق بإخواننا وأهلنا وشعبنا في سوريا ،لماذا السكوت عن حقهم في المطالبة السلمية بالحقوق،لماذا؟بل الذهاب أبعد من ذلك إدانة تحركهم،اتهام هؤلاء الشهداء وهؤلاء الجرحى هل فقط لأنهم سنة،هل إذا كان الإنسان في بلد ما ينتمي إلى دين ما وإلى مذهب ما يسقط عنه حقوقه الإنسانية والمدنية الطبيعية،هل انتساب غالبية المعارضة في سوريا إلى المذهب السني يجعلها معارضة مسلوبة الحقوق مستباحة الدماء،مهدورة الكرامة تصدر في حقها الفتاوى أين هو الحق والإنصاف في هذا؟ نحن جميعا مسلمين ومسيحيين ،من السنة والشيعة،وقفنا إلى جانب "حزب الله" في مواجهته "لإسرائيل" لم يسأل أحد ما هو دين ومذهب "حزب الله" دين ومذهب شعب تونس،دين ومذهب شعب ليبيا،دين ومذهب شعب اليمن،هذا واجبنا جميعا أن ننصر المظلومين والمضطهدين..لا يمكن أن نبقى مكتوفي الأيدي عندما تنشب نزاعات بين الظالم والمظلوم،بين الحق والباطل" لكن مع نظام الأسد لم تتم التعدية،وعلى هذا النحو جاء الموقف من ثورة سوريا يحمل في ثناياه سياسة الكيل بمكيالين ،قال السيد نصر الله:
" موقفنا من الوضع في سوريا وما يجري في سوريا أنا سأكون صريحا فيه وواضحا جدا لأن الموقف يتطلب مسؤولية واضحة ومحددة وكبيرة:
- نحن أمام بلد مقاوم وممانع
- إني مقتنع أن بشار الأسد مؤمن بالإصلاح وجاد ومصمم
- النظام "مش مقفل" مبارك كان مقفل،مبارك كان مقفل،القذافي كان مقفل،البحرين مقفل
- كل المعطيات والمعلومات تؤكد أن الأغلبية من الشعب السوري تؤيد بشار الأسد
- إسقاط النظام في سوريا مصلحة أمريكية وإسرائيلين
- ندعو السوريين إلى الحفاظ على بلدهم وإلى الحفاظ على نظامهم المقاوم والممانع"8
يلاحظ على هذا الموقف المعارض للحراك الثوري السوري أمران: الأول سقوطه فيما عابه على معارضي الحراك البحريني،الثاني تحجُّجُه بمقاومة وممانعة النظام السوري،والمتمسك بهذه "الحجة" بمثابة من يرى مجرما يُقطع باليمنى أوصال جثة بعد أن أردى صاحبها البرئ قتيلا،وباليسرى يحمل المصحف،فيغمض من شاهده عيناه عن واقعة القتل ولا يرى إلا حمل القاتل للمصحف،هذا على فرض أن النظام السوري كان مقاوما وممانعا،وهذا ما سنفحصه جيدا في مقالة آتية.
الهوامش
1 عباس محمود العقاد،الحسين أبو الشهداء الحسين بن علي،ص 128
2 نفسه
3 رواه ابن ماجه والبيهقي في سننهما وأبو يعلى في مسنده
4 مطاع صفدي،حزب البعث،ص 339- 400
5 منيف الرزاز،التجربة المرة،ص 159
6 http://www.youtube.com/watch?v=eMQ5pGyoGEA
7 نفسه
8 http://www.youtube.com/watch?v=nalgCO8aVyE


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.