عندما كتبت مقال " مقاطعة بيت الله الحرام " ، للتنديد باستضافة النظام السعودي للرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي ، فوجئت باهتمام المواقع الإخبارية الإيرانية ومواقع بعض الأحزاب الشيعية بالمقال ، حيث عاودت نشره على أوسع نطاق ، بل زايد أحدهم على مكانة مكةالمكرمة وقال إنه هجر زيارتها منذ فترة طويلة وأنه يختار الحج إلى كربلاء العراقية باعتبارها أطهر من بلاد الحرمين الشريفين . وحتى عندما نشير في تقاريرنا الإخبارية إلى الوضع في البحرين وتنامي الحركة الاحتجاجية هناك ، تتلقف ذات المواقع أي مقال يدين نظام الملك حمد بن عيسى آل خليفة ، وكنا حينها لا نلفت لموضوع إعادة نشر تقاريرنا الإخبارية في وسائل الإعلام الإيرانية أي اهتمام ما دام الاستبداد ملة واحدة ، وما دام واجب إدانة الظلم فريضة شرعية على كل مسلم حر يؤمن بالله ربا وبالنبي محمد عليه الصلاة والسلام نبيا ورسولا . ورغم الشكوك التي تخالجنا بين الحين والآخر حول السر الكامن وراء تركيز قناة " العالم " الفضائية الإيرانية وقناة " المنار " التابعة لحزب الله اللبناني على الموضوع البحريني ، متجاوزة بذلك الحجم الذي يستحقه الحدث البحريني في خريطة الأحداث العالمية ساعتها ، إلا أننا وبسذاجتنا الفطرية وثقتنا المفرطة في حزب الله ، حامل لواء " المقاومة " ضد الاحتلال الإسرائيلي والذي فضلناه على تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري ، وكذلك ثقتنا في الثورة الإسلامية الإيرانية ، والتي اعتبرناها ثورة للأمة ، كل هذه الثقة جعلتنا لا نشكك في نوايا وسائل إعلام إيران وحزب الله بخصوص إدانة قمع نظام الملك حمد للمحتجين البحرينيين . وحينما انطلقت انتفاضة الشعب السوري ضد نظام بشار الأسد ، يصاب المرء بالدهشة والاستغراب عندما يرى قناة " المنار " التابعة لحزب الله تكذب جهارا نهارا وتتحدث عن مسلحين سلفيين يرغبون في زعزعة استقرار سوريا ، بل أكثر من ذلك ترى أن المتظاهرين السوريين يخضعون لأجندات المشروع الصهيوني – الأمريكي بمطالبتهم نظام آل الأسد بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، وعندما يتحدث لسان حزب الله " المجاهد " عن الشأن السوري وفق هذه الرؤية علينا أن ننصت بتأمل ، لأن المسألة ساعتها تتجاوز الحديث عن استبداد العاهل البحريني الملك حمد ، فالقوم هاهنا لا تهمهم دماء المسلمين ، وإنما تهمهم مصالح المعتقدين بفكر طائفتهم ، وهنا مكمن ظلالهم . هل يستطيع أحد أن يشك في ديكتاتورية نظام الأسد ، وهو النظام الجمهوري الذي أورث فيه الأب الحكم لابنه المراهق ؟ هل يستطيع أحد أن يشك في إجرامه ووحشيته وهو الذي يحكم على كل منتسب لجماعة الإخوان المسلمين بالإعدام شنقا حتى الموت ومتابعة أمه وأبيه وأخيه وأخته وحتى جدته بتهمة صلة القرابة بالعضو الإخواني ؟ وهل يستطيع أحد أن ينكر نفاق هذا النظام وهو الذي يدعي احتضان قيادة " حماس " بنت الإخوان المسلمين في وقت يوضع فيه أبناء الحركة الأم على أعواد المشانق ؟ وهل يستطيع أحد أن ينكر استغلال هذا النظام لرغبة الأمة الفطرية في تحرير فلسطين بادعاء مناهضة الصهيونية وهو الذي لم يستطع إطلاق رصاصة واحدة في وجه الاحتلال في وقت لا تزال فيه هضبة الجولان محتلة ؟ . على حركة حماس أن تعلن عن موقفها الواضح من المجازر التي يرتكبها نظام بشار الأسد ضد الشعب السوري الشقيق وإلا ستنظر الأمة إلى عملها المقاوم باعتباره عملا مشبوها ما دامت متحالفة مع عصابة " مافيوزية " لا تتوانى في قتل أشقائنا السوريين بمختلف طوائفهم ، أما حزب الله وإيران فقد غسلنا أيدينا نحوهم منذ متابعتنا للوسائل الإعلامية الناطقة باسهما ، فهذا الحزب استغل اسم الله الرحمان الرحيم لتضليل الأمة بمقاومة ثبت أنها لم تخرج إسرائيل من جنوب لبنان إلا لتبقي الداخل اللبناني معوقا مشرذما تتقاذفه الأيدي السورية الإيرانية والسعودية والأمريكية ، فلو ترك لبنان لأهله لهزم الإسرائيليين باسم اللبنانيين جميعا ولا فضل للبناني على آخر إلا بقدر تضحيته ، لكن مقاومة حزب مشبوه تبقي انتصاره مشبوها إلى الأبد ، وتبقي وضع لبنان أيضا مشبوها إلى الأبد . الآن عرفت السر وراء مطاردة السلطات المغربية لبعض المتشعيين ، ولماذا يتحدث البعض عن دور إيراني في احتلال العراق وتمزيق نسيجه الاجتماعي ، ووضعه موضع الشبهة أيضا عندما سطع نجم السيستاني والصدر والمالكي وفرق الموت ، وذبح الرئيس السابق صدام حسين صبيحة عيد الأضحى ، فحيثما يحضر الشيعة يحضر القتل والموت في الوقت المناسب لهم وتحضر معهم إسرائيل وأمريكا . وعندما نرى ارتباط تمزق لبنان وقابليته للاختراق الخارجي ، وتمزق العراق وإخضاعه للتوازنات الطائفية ، والرغبة في تمزيق البحرين وإخضاعه لنفس التوازنات ، ومقاربة الشأن السوري وفق نفس الرؤية بغية إخضاعه لنفس التوازنات ، وعندما يكون الشيعة الخيط الناظم لكل هذه الحالات الشاذة ، فعلينا أن نقر أن انتساب هؤلاء القوم للأمة الإسلامية موضع تساؤل كبير وبحث عميق . وعلى المرء أن يتساءل لماذا سقط نظام بن علي في تونس بسرعة ؟ ، وسقط بعده مباشرة نظام حسني مبارك بسرعة فائقة أيضا ؟ ولماذا لم توضع موضع الشك الدماء التي سفكها أتباع نظام الرئيس اليمني علي عبد الله صالح ؟ ، في حين ، أوصل نظام العقيد القذافي ليبيا إلى شفا الحرب الأهلية والتقسيم ، وقهقه الرئيس السوري في خطابه أمام مجلس الشعب بعد أيام من سفك دماء المتظاهرين بدرعا وقال إنه مستعد للمواجهة .. الخيط الفارق بين حالة تونس ومصر واليمن من جهة ، وليبيا وسوريا من جهة ثانية ، هو أن العقيد معمر القذافي والطبيب بشار الأسد يعتقدان بفكر الدولة الفاطمية الشيعي ، مع تغليفهما لهذا الفكر بنظام الحكم الاشتراكي للظهور أمام العالم بأنهما زعيما نظامين " تقدميين " ، لذلك لن يتواني آل القذافي وآل الأسد في بيع بلديهما للشيطان من أجل البقاء في الحكم ، لأنهما ببساطة يستمدان عقيدتهما من مصادر مشبوهة ترتبط مباشرة بالعقيدة اليهودية . علينا أن نحمد الله نحن المغاربة أن مثل هذه العقائد لم توسخ نقاء فطرة أبناء هذا البلد ، لذلك وحتى لو طالب المغاربة بإسقاط النظام الملكي عندما يزيغ عن البوصلة فإنه سيسقط دون أن تسفك دماؤهم كما سقطت من قبله دول سطع نجمها في فترة وأفل بعد استنفاذ مقومات وجوده ، وتلك الأيام نداولها بين الناس ، كما يقول رب العزة .. وعلينا أيضا أن نتذكر أن المشكلة التي ترهق نظامنا السياسي اتفقنا معه أو اختلفنا ممثلة بنزاع الصحراء ، أتت جذورها من تلك المنطقة المشبوهة التي تسفك فيها دماء السوريين اليوم ، عن طريق كتابات عرب شيعة ومسيحيين في سوريا ولبنان أمثال مشيل عفلق وإبراهيم اليازجي ومهدي عامل ، ترجموا لنا الفكر الماركسي إلى العربية باسم القومية العربية وحق الشعوب في تقرير المصير ، ليدوخوا بذلك الفكر الولي مصطفى السيد ورفاقه حتى خلقوا لنا مشكلة من عدم . ومنذ انتشار هذا الفكر في منطقتنا والمكون من الخليط الاشتراكي - الشيعي ، وإيديولوجية حق الشعوب في تقرير المصير ، ظل الغربيون يبتزون المغرب بملف الصحراء حتى تصبح عقبة أبدية أمام بسط سيطرته على أراضيه ، ولم يتم تحرير الشعب السوري من الظلم والاستغلال ، ولم يتم تحرير هضبة الجولان وفلسطين من الاحتلال ، وبقيت الشعارات هي هي ، وظل حزب الله يكذب علينا صباح مساء بهزيمة إسرائيل ، وظلت سوريا آل الأسد تقتل السوريين بالمئات خشية الوقوع في المصيدة الإسرائيلية .. ونسي السوريون أنهم وقعوا في المصيدة الإسرائيلية منذ أن تركوا آل الأسد حكاما عليهم ، وآل الخميني أوصياء على دينهم ، وحزب الله الشيعي مدافعا عن حوزة أمتهم .. حقا ، ومن خالص قلبي ، أكره حزب الله . [email protected]