خلفت الأزمة الامنية والسياسية التي عاشتها الجزائر، بعد إلغاء انتخابات نيابية فاز بها حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ عام 1992، قرابة 200 ألف قتيل إلى جانب مآسي اجتماعية أخرى مازالت قائمة رغم تراجع حدة العنف، منها ظاهرة ما يسمى "أطفال الجبل"، والذين ولدوا في معاقل الجماعات المسلحة بعضهم بدون نسب وآخرين حرموا من التعليم لسنوات. وترجع آخر حالة أعلن عنها لأطفال ولدوا وكبروا في مخابئ الجماعات المسلحة في الجبال إلى مطلع العام 2015، عندما أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية توقيف "إرهابي بمحافظة جيجل شرق العاصمة كان يعيش برفقة أسرته المكونة من خمسة أبناء في غابة منذ اكثر من 20 سنة" ووفق الوزارة، فأن "علي اسماعيل، الذي التحق بالجماعات الإرهابية أواخر نوفمبر من سنة 1993، كان يعيش برفقة عائلته التي سلمت نفسها بعد أن تم القبض عليه والمكونة من زوجته وأبنائه الخمسة أكبرهم 18 سنة وأصغرهم سنة واحدة". وأوضح المصدر ذاته أن "عائلة هذا الإرهابي عانت الأمرين بانتماء والدهم إلى الجماعات الإرهابية، مما فرض عليهم العيش في ظروف قاسية ومزرية محرومة من كل ضروريات الحياة، فمنذ أكثر من 20 سنة والأب يحرم أبناءه من حقوقهم المادية والمعنوية بعدم تسجيلهم في الحالة المدنية، محرومين من التعليم والعلاج، منعزلين عن الحياة الطبيعية بغابة معزولة بالجبل وكأنهم رهائن". ووفق حقوقيين فإن هذه الظاهرة تتعلق بأطفال ولدوا في الجبل، سواء بزواج تم بين مطاردين قتلوا وتركوا عائلاتهم أو سلموا أنفسهم استجابة لقانون المصالحة عام 2005، وتم العثور على الأطفال من طرف الجيش ومصالح الأمن خلال عمليات التمشيط التي تتم في الجبال، وأطلق عليهم لاحقا وصف"أطفال الجبل". وتقدر إحصائيات غير رسمية لمنظمات حقوقية عدد هؤلاء الأطفال بحوالي 600 طفل فيما تتكتم السلطات الرسمية عن عددهم الحقيقي. المحامي مروان عزي الذي ترأس خلية متابعة وتطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية (غير حكومية)، قال في تصريح صحفي إن الخلية تكفلت ب37 ملفا يخص أطفالا ولدوا في الجبل، تتراوح أعمارهم بين 5 و15 سنة، في الفترة بين 2006 و2010، من أصل 100 ملف حٌول إلى الخلية. وتابع "37 ملفًا فقط تم تسوية وضعيتهم، وتم ترسيم عقود الزواج للآباء في سجل الحالة المدنية، وتم منح الأبناء الألقاب العائلية، بالاستعانة بتقنية الحمض النووي للتأكد من نسب الطفل". لكن الخلل الذي حصل بحسب، الحقوقي عزي، أن تدابير ميثاق السلم والمصالحة التي أتى بها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وصادق عليها الجزائريون في استفتاء شعبي يوم 29 سبتمبر 2005 كآلية لمواجهة تداعيات الأزمة الأمنية، ومن ذلك إسقاط المتابعة القضائية على المتهمين ممن لم يتورطوا في جرائم القتل والاغتصاب، أغفلت التكفل بحالة الأطفال الذين ولدوا في الجبل. ويقول"لقد تم التكفل بالحالات اعتمادا على قانون الأسرة، لأن ميثاق السلم والمصلحة الوطنية لم يشر إليهم بتاتا...وعلى هذا الأساس رفعنا دعاوى أمام القضاء، لإثبات نسب الأطفال وهو الأمر الذي حصل". وتنص المادة 44 من قانون الأسرة الجزائري على أنه "يثبت النسب بالإقرار بالبنوة أو الأبوة والأمومة لمجهول النسب". أما الهيئة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان التابعة للرئاسة الجزائرية، فقال رئيسها المحامي فاروق قسنطيني عن الموضوع "لا شئ تحقق بالنسبة للضحايا من الأطفال..هم يكبرون لكن دون وثائق ثبوتية". ويضيف" سبق لوزارة التضامن أن وعدت بالتكفل بالأطفال ولم يحدث شيئا، وحينها رفعت مقترحات إلى الرئيس بوتفليقة في مرحلتين من خلال التقرير السنوي الذي أصدرته الهيئة عامي 2007 و2010" لحد الساعة". وتابع "المصالحة الوطنية أغفلت هذه الفئة، وما حصل انه تمت معالجة بعض الحالات وفق أحكام قانون الأسرة، وهذا غير كاف، كما أن الأمر يتطلب معالجة شاملة لن تكون قانونية فقط، فالقضية قضية مجتمع". ويقول رئيس شبكة ندى المهتمة بقضايا الأطفال (غير حكومية)، عبد الرحمان عرعار "إن بعض أطفال الجبل قد تم التكفل بهم في مراكز خاصة" من قبل منظمته. وأوضح عرعار "أن الشبكة قد رافقت حالات أطفال كانوا مجهولي النسب موجودون في مراكز للطفولة، حتى سن الرشد ومنهم من دخل الجامعة، كما تم تحويل أطفال للعيش في اسر أخرى تكفلت بهم". ووفق نفس المتحدث "هناك ضرورة للمرافقة النفسية المستمرة لهؤلاء الأطفال، ولقد تعاملت مع أطفال كانت حالتهم النفسية سيئة للغاية، وأكبر صدمة يواجها الطفل علمه بعدم وجود والدين له، هذا الوضع لا يمكن معالجته بطريقة قانونية فقط..علينا أن نعطيهم فسحة أمل وهذا ما نعمل عليه. *وكالة أنباء الأناضول