يعتبر النقاش الدائر حاليا داخل صفوف حزب العدالة والتنمية نقاشا ايجابيا بالنسبة لمناضلي الحزب وللمشهد السياسي المغربي عموما، إذ يؤسس لثقافة حزبية جديدة قوامها النقد وتفعيل الرقابة على القرارات الحزبية.لقد تكرس طويلا اعتقاد مفاده مشروعية تماهي ذاتية رئيس الحزب مع توجهات الحزب واختياراته حتى المصيرية منها.وبذلك يتراجع صوت القواعد ليطغى عليه صوت الزعيم.وأحسن من عكس هذه الحقيقة هو بنكيران.حيث رجح المؤتمر الأخير كفته على كفة العثماني بدعوى كاريزميته و قوته الكفيلة بإخراج الحزب من مأزق المنزلة بين المنزلتين التي وضعه فيها العثماني بتعويمه لخطاب الحزب من خلال جرعة الدبلوماسية الزائدة التي اتصف بها .تلك كانت القراءة التي انتصرت فحملت بنكيران إلى رئاسة الحزب.إلا أن الغضب المتزايد اليوم داخل العدالة و التنمية والذي يتم تصريف احتقاناته إعلاميا،ينبئ عن تخييب بنكيران لظن مريديه قبل منتقديه .لقد البس الحزب لبوس التهافت الممجوج على المؤسسة الملكية لاعتبارات مردودة عليه في مجملها،ذلك أن أطروحة النضال الديمقراطي التي تبناها المؤتمر، والتي أطلق عليها بنكيران بموقفه الاخيرمن حركة 20 فبراير رصاصة الرحمة،لا يمكن أن تستقيم بالترويج المتواصل لملكية تنفيذية بصلاحيات لامحدودة. أما المرجعية الإسلامية التي ينطلق منها الحزب ،فتكمن عظمتها و عدالتها في نزع القدسية عن الأنبياء بله الحكام والقادة، غير أن بنكيران يصر كل مرة على خيانة هذه المرجعية حينما يصرح أن احترامه للملك يمنعه من مجرد التعليق على كل ما يتعلق باختصاصاته،في حين اثبت شباب 20 فبراير أنهم أكثر احتراما للملك من كل الزعامات الحزبية حين طالبوه حضاريا بحماية الملكية بدمقرطتها وتكريس انفتاحها، فكان تفاعل الملك سريعا بشكل تجاوز سقف مطالب بنكيران الذي صرح مؤخرا انه مستعد للمشاركة في حكومة يترأسها وزير أول يعينه الملك حتى لو تصدر حزبه نتائج الانتخابات. فهل يوجد نضال ديمقراطي أفضل من هذا؟ غير أن الملك نفسه ازدرى هذا الطرح فأجاب بنكيران انه سيصير وزيرا أول بمجرد إعلان حزبه فائزا بالانتخابات.أما النظرية التي تؤمن باعتبار إمارة المؤمنين صمام الأمان ضد من يهددون مرجعية الدولة الإسلامية،فتعتبر نظرية مكرسة لشكليات لم تثبت قوتها إجرائيا ما دامت المطالبة بمحاربة الفساد و الرشوة والقمع ونهب المال العام، أكثر دعما و تمتينا للمرجعية الإسلامية.لقد أخطا بنكيران التقدير حينما ابتخس حركة 20 فبراير و شكك في مراميها كاشفا عن قصور كبير في قراءة المتغيرات السياسية، ومسببا إحراجا كبيرا لأعضاء حزبه حينما فرض عليهم "التولي يوم الزحف "وليس ذلك من شيم الأحزاب الكبرى في شيء.سنظل نحن أعضاء الحزب نضع أيدينا على قلوبنا إلى حين اطلاعنا على مقترحات الحزب الرسمية بخصوص التعديلات الدستورية ،رغم أن تركيبة اللجنة المكلفة بصياغة هذه التعديلات تظل غير مطمئنة إذ تجمع قسرا بين المتناقضات المتمثلة في تصور كل من الرميد و بنكيران للملكية.إن إيماننا بقوة حزبنا و مصداقيته، سيظل يغذي أملنا في أن تتبني هذه اللجنة نهجا ديمقراطيا من خلال توسيع النقاش مع قواعد الحزب عبر الهيئات المجالية مادامت آلية متابعة التعديلات الدستورية - وهي الهيئة الرسمية -تعمل على توسيع قاعدة الاستشارة مع مختلف الفاعلين.نطمح ألا يخلف بنكيران الموعد مع التاريخ مرة أخرى،كما ندعوه إلى الإصغاء لنبض قواعد الحزب المتطلعة للتغيير. أما حان الوقت إذن للاعتراف بالخطأ و استعادة زمام المبادرة؟بنكيران وحده يملك الجواب كما يملك الجواب عن سؤال آخر:لماذا تحول موقع الحزب إلى نسخة رديئة من وسائل الإعلام الرسمي التي لا تنشر إلا ما يرضي أصحاب القرار؟ففي النهاية ليس الشقيري و رباح وحدهما من كتب بخصوص موقف بنكيران من 20 فبراير. لابد من إخراج الحزب من الشرنقة التي تكبله حاليا ليفسح المجال أمام النقاش المصيري الذي يقف المغرب على أعتابه بدل استنزاف الجهد في مناقشة قضايا تنظيمية داخلية لا يعتبر الظرف ملائما للتنازع حولها. *عضو بحزب العدالة و التنمية