قيادي في الاتحاد الاشتراكي المغربي: استمرار حزبنا في الحكومة لم يعد ذا أهمية. قال الأشعري في حوار مع «الشرق الأوسط» إنه يرفض «الصفقات السرية» لحزبه وإن التحالف مع الإسلاميين مبرر. قرر 3 من أعضاء المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في المغرب، مقاطعة اجتماعات قيادة الحزب، احتجاجا على الأوضاع الداخلية للحزب الذي يشارك في الحكومة الحالية بست حقائب وزارية... ويتعلق الأمر بمحمد الأشعري وزير الثقافة السابق، والعربي عجول وزير البريد الأسبق، وعلي بوعبيد، نجل زعيم الحزب الراحل عبد الرحيم بوعبيد. ومما جعل لهذه الخطوة أصداء، وجود الأشعري شخصيا ضمن المجموعة القيادية الغاضبة، خاصة أنه كان من أبرز وزراء حكومة عبد الرحمن اليوسفي (1998 إلى 2002) وفي أكثر من مرة كان متحدثا باسم الحكومة، وكان يعتبر من القريبين من اليوسفي نفسه. والأشعري في الأصل نقابي وشاعر وروائي، وتولى قبل دخوله حكومة اليوسفي رئاسة اتحاد كتاب المغرب، ويحسب له أنه حقق إنجازات لافتة عندما كان وزيرا للثقافة. وفي هذا الحوار يتحدث الأشعري حول الأوضاع الداخلية في الحزب ويطالب بتجديد الحزب وفتحه أمام كوادر جديدة، كما يدعو إلى وحدة يسار حقيقية وليس تلفيقية على حد تعبيره. فإلى نص الحوار الذي جرى مع الأشعري في الرباط... * قراركم تجميد حضور اجتماعات المكتب السياسي رفقة كل من العربي عجول وعلي بوعبيد، هل كان احتجاجا على أوضاع الحزب، أم رد فعل على تطورات سياسية؟ - بعيدا عن أي تشخص للموضوع، لنقل إن معالجة الخط السياسي للحزب بطريقة عامة هي التي أدت إلى إيقاف مشاركتنا في اجتماعات المكتب السياسي. ويجب أن أشير إلى أن سؤال الاستمرار في الحكومة أو الخروج منها كان مطروحا منذ 2002، أي منذ ما سميناه الخروج عن المنهجية الديمقراطية، لكن الحزب كان دائما يحسم الأمور وفق ما تقرره أجهزته، وسواء في عام 2002 أو 2007 لم يقرر الحزب من خلال أجهزته الانسحاب من الحكومة، وعندما أثيرت هذه المسألة من جديد خلال المؤتمر الأخير لأسباب متناقضة، حتى نكون واضحين، بلور المؤتمر، وشاركت شخصيا في هذه البلورة، مخرجا لهذا للموضوع، بدعوة المكتب السياسي إلى فتح مفاوضات مع الأغلبية الحكومية من أجل وضع الإصلاحات السياسية التي ننادي بها، على جدول أعمال الحكومة، وفي حالة ما إذا وافقت الأغلبية على ذلك فإن الحزب آنذاك من حقه إعادة التفاوض حول مكانه ودوره في هذه الحكومة. * هل هذا القرار مبني على مقررات المؤتمر الثامن للحزب؟ - يجب ألا ننسى أن الأزمة التي اندلعت مباشرة بعد تشكيل هذه الحكومة وأدت إلى إقالة محمد اليازغي من منصبه أمينا عاما، وعبد الواحد الراضي نائبا له، بنيت على نتائج الانتخابات وطريقة إجراء المفاوضات لتشكيل الحكومة، لذلك طالب المؤتمر بإعادة هذا التفاوض من جديد ولكن ليس لأسباب شخصية أو لها علاقة بعدد الحقائب بل لأسباب سياسية. ثم جاء بعدها صياغة مذكرة الإصلاحات الدستورية التي توجهنا بها إلى الملك بعد شهور من العمل، ومن جملة مقررات المؤتمر الوطني أيضا صياغة مشروع لوحدة اليسار وهو مشروع لم نفلح فيه، كما وقعت الكثير من الأحداث لم يستطع حزبنا الجهر بالحقيقة والحق فيها. * ألا ترون أن قراركم بتعليق المشاركة في اجتماعات المكتب السياسي جاء متأخرا؟ - اعتاد حزبنا على المبادرة السياسية والجرأة في المواقف وهذا ما يعرفه أعضاؤه والرأي العام، وهي أدوار تراجعت اليوم. وبدا للجميع أن الاتحاد الاشتراكي صار يقبل بكل شيء ولم تعد تهمه السلبيات ومظاهر التردي، سواء تعلق الأمر بالانتخابات أو تشكيل الحكومة أو التعديلات المقترحة أو تدبير شؤون الأغلبية ومنها انتخاب رئاسة مجلس النواب، وعلى كل حال لا نشك في كفاءة عبد الواحد الراضي وإدريس لشكر في شغل المنصبين، إننا لا ننازع في الأشخاص بقدر ما ننازع في شكل الممارسة السياسية في هذا البلد ونقول يجب أن تبنى السياسة على علاقات منطقية وليس توافقات شكلية، ويجب أن تبنى أيضا على نوع من التعاقد الواضح بين المواطنين والسياسيين وإلا فسنذهب نحو انفصام خطير بين المواطن والسياسة، وبالتالي يجب أن تمارس السياسية وفق قيم وأخلاق، وليس عبر أسلوب الصفقات والاتفاقات السرية، لأن هذا الأسلوب لا علاقة له بالديمقراطية ويكرس عدم الثقة لدى المواطنين وتمييع العمل الحزبي ويساهم في العزوف الانتخابي. * ألم يساهم حزبكم بدوره في تمييع العمل الحزبي؟ - بالفعل نحن أرسلنا عددا من الرسائل المشوشة للمواطنين، وفشلنا في إعطاء الحزب نوعا من المسلكية السياسية الواضحة والتي لا تتنازل عن المبادئ الأساسية التي قام عليها الحزب. لقد جرت أمور بعد الانتخابات الجماعية فيها ما هو مبرر وما هو غير مبرر، وتجربة رئاسة مدينة أغادير مثلا ليست هي تجربة الرباط، والتحالف مع «العدالة والتنمية» في أغادير كان مبررا، خصوصا أن حزبنا حصد الأغلبية هناك و«العدالة والتنمية» أقلية قليلة، في حين أن أقليات أخرى كانت تشتغل ليل نهار لنسف اختيار المواطنين الذين وضعوا الثقة في الأغلبية الاتحادية في أغادير، بالتالي هذا اختيار منطقي ومبرر ويمكن الدفاع عنه، ومر في إطار من الوضوح والشفافية ودون لبس، لكن بالمقابل الصورة مختلفة تماما في الرباط، وعلى الرغم من تقديري للأخ فتح الله ولعلو (عضو المكتب السياسي للحزب ووزير المالية السابق) لم اقبل أن يحصل الحزب على منصب عمدة الرباط وهو لديه أقلية قليلة، واعتبرت هذا النوع من الإشارات خطرا على الحزب حيث تعطي الانطباع للناس بأننا نقبل أن نشارك في الترتيبات الفوقية التي تحاك لهذه المدينة أو تلك، وهي الخطيئة الأصلية والتي تفيد أننا سنصبح مثل كل الذين يمدون أيديهم للوليمة، وهذا ما كان يرفضه الاتحاد الاشتراكي دائما، وتتذكرون حكاية عبد الرحيم بوعبيد حين رفض أي وصاية على قرار الحزب وقرر الترشح في أغادير متحديا الجميع، وقرر أن يفعل ذلك لحماية قرار الحزب، فكل قبول بالترتيبات المسبقة خارج الشفافية والقواعد الديمقراطية هو قبول بالوقوع في الفخ، لهذا نقول إنه يجب أن نرجع المصداقية للعمل السياسي. * كيف سيتم إرجاع الثقة في العمل السياسي بشكل عملي؟ - إعادة الاعتبار للعمل الحزبي وللممارسة السياسية تبدأ أولا برفضنا المشاركة في الوليمة، أو اعتبار العمل السياسي استراتيجيات فردية وشخصية وألا نبني التوافق الفوقي الذي يطمس التمايز السياسي، وأعتقد أن ما نعيشه اليوم هو نوع من الانزلاق يجعل من التفاوض والتوافق القبلي الطريقة الوحيدة لتدبير المجال السياسي. * هل يملك اليوم حزب الاتحاد الاشتراكي قراره أم أن قيادته باتت تتلقى الإشارات من هنا وهناك؟ - لا أشكك في أي قيادي في الاتحاد الاشتراكي، وأريد أن أوضح أنني أعتبر أن الأمين العام للحزب (عبد الواحد الراضي) حريص كل الحرص على تحديث وتماسك الحزب ووحدته مستقبله، وأنا متأكد أنه سيدافع دائما على استقلالية القرار الحزبي. صحيح أن العمل السياسي العام يعرف انزلاقا خطيرا وهناك الكثير من التوافقات السياسية بعيدا عن الوضوح والشفافية، وهذا ما يفرض أن نحتكم إلى المنطق والقواعد الديمقراطية، وعندما نكون أمام مأزق حينها يكمن التوافق والترتيب، ولكن أن ننبذ القواعد والممارسة الديمقراطية ونحل محلهما التوافق المسبق والترتيب القبلي فهذا نوع من إلغاء الديمقراطية. * ما موقفكم من استمرار الحزب في الحكومة الحالية؟ - استمرار مشاركة الحزب في هذه الحكومة لم يعد ذا أهمية، وشخصيا لم يعد يهمني هذا الأمر، فأنا ضد البقاء دون معنى وضد الانسحاب بطريقة مزاجية كذلك، كل ما اطلبه هو أن تخضع قراراتنا الأساسية للنقاش السياسي الواضح وليس لعلاقة مصلحة أو مزاج هذا الشخص أو ذاك. أنا لست متطرفا ولست ساذجا حتى أقول إن العودة للمعارضة ستمنحنا طاقة سياسية جديدة، لكن من واجب الحزب أن يفتح النقاش من أجل المستقبل وهذا هو الأساس، وهذه الحكومة أصبحت وراء ظهرنا بمنطق الزمان وبمنطق السياسة. وما دمنا لم نخرج من أجواء التوافق الشكلي فإننا لن نصالح المواطنين مع العمل السياسي، وعلينا احترام ذكاء المغاربة لأنهم يرفضون الدخول والمشاركة في لعبة مغشوشة. * إلى أين وصلت مذكرة الإصلاحات الدستورية؟ - طرحنا في مذكرة الإصلاح الدستوري مطالبنا الأساسية، وهي بالمناسبة مطالب الكتلة الديمقراطية، وأعتبر شخصيا أن هذا العمل الذي قام به الاتحاد كان ضروريا، وأعتقد أن ما كان ينقصنا هو الحوار والنقاش مع المواطنين حول جملة من المطالب، لأني أرى أنه من غير المقبول أن تظل هذه الإصلاحات مجرد مراسلة خاصة، بل يجب أن تصبح نقاشا مفتوحا وعاما وتخضع لحوار يشارك فيه الجميع وليس في هذا أي تطاول على الاختصاصات الدستورية التي تكفل لكل طرف اختصاصاته في هذا الموضوع، وهذا لا يعفينا من الاجتهاد والتعبير عن المطالب التي نؤمن بها في هذا المجال ونعمل بشكل فعال لبلورة نوع من التوافق الوطني النبيل والشريف حول هذا الموضوع. لا أذيع سرا إن قلت لكم إنه عندما قدمنا رؤية حزبنا في مشروع الجهوية الموسعة للجنة المختصة قلنا إن هناك مجموعة من القضايا متوقفة على الإصلاحات الأساسية في المجال الدستوري. * ألم يحن الوقت بعد لتقاعد عدد من قيادات الحزب؟ - لا أتفق تماما على أننا نعيش أزمة تجديد النخب، حصل تقدم مهم في الكثير من المجالات، حتى مؤتمرنا الأخير مثلا تميز بتجديد نسبة كبيرة من النخبة الحزبية سواء تعلق الأمر بالمكتب السياسي أو المجلس الوطني. المسألة لا تتعلق فقط بتنظيم تقاعد البعض والإتيان بالبعض الآخر. ما ينقصنا هو آليات تسمح لبروز قيادات جديدة شابة وكفئة، ومعيار الكفاءة أهم من السن. لدي اقتناع راسخ وفكرة حريص عليها كل الحرص في هذا الصدد، وهي أن الحزب اليوم يجب أن يتجه إلى العضوية الحرة لكل المواطنين المقتنعين بمشروع وأفكار حزبنا ومقررات مؤتمراته الوطنية، معنى ذلك أنه يجب إدخال موضوع انضمام عناصر جديدة في تدبير مؤسسات الحزب، فلا يمكن بتاتا أن يبقى نفس الأشخاص في الفرع الحزبي أو الكتابة الإقليمية أو المكتب السياسي يتداولون المهام فيما بينهم، يجب أن يكون للمنخرطين الجدد مكانة أساسية في تشكيل القيادة الحزبية سواء محليا أو وطنيا، بمعنى أدق يجب وضع سياسة جديدة لتدبير العضوية داخل الحزب، وهذه أولى مهام التحديث داخل الحزب وأنا شخصيا أضعها في قلب مهام تطوير الحزب. والملاحظ اليوم أن تقليص حجم المنخرطين الجدد يؤدي إلى تقليص إمكانية بروز قيادات شابة وجديدة. * ألم يسبق لكم خوض تجربة الانفتاح في الماضي، وأدت إلى تراجع الحزب في الانتخابات الأخيرة وزادت من مشكلاته التنظيمية أكثر؟ - شخصيا كنت وراء مبادرة الانفتاح، وهي فكرة ومبادرة لا علاقة لها على الإطلاق بالانفتاح الانتخابي. مبادرة الانفتاح التي سبق أن أطلقناها في الحزب كانت تهم الانفتاح التنظيمي وليس الأعيان وسوق النخاسة الانتخابية. ولا أخفي أن هذه الفكرة استعملت لمحاربة الفكرة، أي إن التسوق الانتخابي واستقدام الأعيان الهدف منه محاربة الانفتاح التنظيمي الحقيقي، وهناك بون شاسع بين التسوق الانتخابي والانفتاح التنظيمي، ومن الطبيعي أن التسوق الانتخابي أدى إلى تسلل بعض الأشخاص إلى الحزب والذي تبين لاحقا أن لا علاقة تربطهم بالحزب ولا بأفكاره ومشروعه المجتمعي. وأعتقد أن توضيح الأمور سيجبر هؤلاء الأشخاص على مغادرة الحزب من تلقاء أنفسهم، فالخلط واللبس هو الذي يسمح بتسرب مثل هذه الكائنات. * ما الذي يميز الاتحاد الاشتراكي في وضعه وصورته اليوم عن باقي الأحزاب المغربية؟ - على الرغم من بعض الانزلاقات، حزبنا يمتاز عن غيره بالكثير من الصفات والمميزات، أولا هو مشروع تاريخي يعبر عن حاجة المجتمع المغربي، وفي مجتمعنا اليوم هناك حاجة ماسة لبروز القيم والمشاريع المرتبطة بالفكر اليساري والتقدمي والحداثي، وحزب الاتحاد الاشتراكي هو الأقدر لقيادة هذا التوجه. ما زال حزبنا قادرا على لعب دور قاطرة هذا التوجه مع باقي قوى اليسار، مع التذكير بأن مجتمعنا يعرف بروز وتنامي التيارات الرجعية والقوى المحافظة وبشكل لافت لغاية. * تطرح مسألة التحالفات إحراجا كبيرا للأحزاب المغربية، ويكتنفها غموض كبير، فما هو أفق تحالفات حزب الاتحاد الاشتراكي؟ - النظام الانتخابي في بلادنا يفرض على الأحزاب السياسية فتح باب التحالفات لتشكيل الائتلافات الحكومية. لذلك نحن لا ننكر أنه في حالة حصولنا على مركز متقدم في الانتخابات المقبلة سنتوجه إلى حلفائنا الطبيعيين الذين نقتسم معهم العديد من الأفكار والقيم والمشاريع سواء داخل الكتلة أو داخل اليسار، ولكن إذا نحن لم نستطع تشكيل أغلبية، فمن الممكن أن نتوجه كما فعلنا في السنوات الماضية إلى القوى المدافعة عن الديمقراطية والحداثة، لتشكيل الائتلاف الضروري من أجل تشكيل الحكومة. * إذن لا مانع للتحالف مع الأصالة والمعاصرة، الذي كنتم أطلقتم عليه اسم «الوافد الجديد»؟ - إلى الآن لا ندعو للتحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة ولنا ملاحظات أساسية، قلناها عدة مرات، ونحن ننتظر تطبيع هذا الحزب مع الحياة السياسية العادية. لا يمكن أن نغض الطرف عن كون حزب الأصالة والمعاصرة، حزبا أسس في ظروف استثنائية وبطرق استثنائية وبأساليب تذكرنا بما حدث في الماضي، بالتالي نحن نرفض هذه الطرق وهذه الأساليب ونعتبر أن ظروف النشأة والميلاد تعتبر نقطة سوداء في حياة هذا الحزب. بطبيعة الحال نحن ننتظر تطور هذا الحزب في الحقيقة السياسية للبلاد، من خلال المجتمع والمؤسسات وماذا سيصبح عليه غدا، هل سيستمر حزبا مسنودا وله امتيازات؟ أم سيصبح حزبا عاديا بأفكار ومشاريع واضحة؟ عموما فالصورة التي لدينا اليوم على هذا الحزب هو أنه حزب دخل البرلمان بثلاثة أعضاء فأصبح حزبا بأكثر من أربعين عضوا وفي زمن قياسي، والسؤال في الحقيقة مطروح على حزب الأصالة والمعاصرة وليس على حزب الاتحاد الاشتراكي ونحن سننتظر ونرى. * أين وصلت مساعي ومبادرات توحيد التيارات الاتحادية؟ - هذا موضوع لم نتقدم فيه كثيرا مع الأسف، بسبب سيادة النظرة التجزئية التي تركت بعض المبادرات تنطلق هنا وهناك مع هذا الطرف أو ذاك. أنا شخصيا وبكل صراحة، أدعو إلى مقاربة شمولية، أي إن الاتحاد الاشتراكي إذا أراد أن يلعب دور الموحد، فعليه أن يقوم بذلك عبر مشروع وأفكار واضحة وليس لقاءات واتصالات شخصية، كما يجب أن يطرح هدا المشروع للنقاش وإشراك مختلف المهتمين والفعاليات ليكون الجميع شريكا وشاهدا على هذا المشروع. وهذا من شانه إزالة «الجانب الأسطوري» الذي يحيط بموضوع وحدة اليسار، كأننا سنحقق معجزة إذا حصل هذا التوحيد. يجب أن نعيد هذا الموضوع إلى حجمه وطبيعته الحقيقية، وارى من الناحية الفكرية والسياسية والأخلاقية، ضرورة وواجب الاتحاد الاشتراكي القيام بمبادرة شمولية تجاه كل فصائل اليسار دون استثناء. وحدة اليسار ليست أن يلتقي طرفان ونصدر بيانا ونوزع المناصب على هذا وذاك في هذا الجهاز أو ذاك، هذه ليست وحدة، هذا تلفيق، وحدة اليسار هي أن نتوحد على مشروع وأتمنى أن تساهم الندوة الوطنية في بداية بلورة هذا المشروع. * يستعد حزبكم لتنظيم ندوة وطنية حول التنظيم، فما توقعاتكم من هذه الندوة؟ - قبل الحديث عن التوقعات، يجب التذكير بالسياق الذي تقرر فيه عقد هذه الندوة، يعلم الجميع أن الحزب عرف منذ سنوات محاولات عدة لهيكلته وتحديثه، وفق منظومة تستجيب لحاجياته. في السابق كنا نتوفر على تنظيم حزبي ينسجم مع الإيديولوجية الاشتراكية، وأبدع عمر بن جلون وثيقة تنظيمية في بداية الستينات ظلت هي المرجع التنظيمي للحزب لعدة سنوات، وبعد تبني الحزب لاستراتيجية النضال الديمقراطي بدأت قاعدة الحزب تتسع، ومن المؤكد أن المشاركة في الانتخابات والحياة النيابية وتولى مهام حكومية، طرح على الحزب مرة أخرى ضرورة التفكير في تحديث تنظيم الحزب وملاءمته مع المتطلبات الجديدة. والنقطة المركزية في مشروع التحديث اليوم هي الديمقراطية الداخلية، لأننا لا يمكن أن نستمر حزبا مهيكلا بطريقة مركزية أو على أساس نوع من التحكم وليس الخيارات الحرة للمناضلين، وبالتالي كان التوجه إلى إدخال أنماط جديدة من التدبير والتنظيم تجعل الحزب منفتحا أكثر ولا يشبه في شيء الهياكل الحزبية الكلاسيكية، وقد اتجه الحزب إلى إعطاء مشروعية للاقتراع المباشر والسري، بدل لجنة الترشيحات مثلا، المعتمدة في التنظيمات ذات النفس المركزي. من هنا جاء التفكير في العديد من القضايا المرتبطة بمشروع التحديث هذا في الآونة الأخيرة، ولعل أبرز ما حدث في هذا الإطار هو النقاش العام الذي دار في الحزب قبل المؤتمر الثامن. * تقصد فشل الحزب في اعتماد الاقتراع باللائحة الذي كاد يفجر المؤتمر؟ - نعم، فشل الحزب في اعتماد نمط الاقتراع باللائحة وتطبيق هذا القرار التنظيمي. وعندما حدثت أزمة في المؤتمر بهذا الخصوص، تم إحالة كل القضايا الخلافية المرتبطة بالاقتراع باللائحة والإجراءات التي تنظم المؤتمر وأيضا القضايا المتعلقة بالتنافي وتجميع المهام وأيضا الهيكلة الإقليمية والجهوية للحزب، وغيرها من القضايا التنظيمية ذات البعد التحديثي إلى ندوة وطنية حول التنظيم لمناقشة كل هذه القضايا وبلورة قوانين تصبح فيما بعد قواعد مشتركة للعمل في المستقبل. * منذ المؤتمر الوطني الثامن إلى اليوم، حدثت أمور كثيرة داخل الحزب وتعمقت الخلافات وتراجع التنظيم الحزبي، هل نعتبر أن الندوة المقبلة ستسعى إلى نهضة تنظيمية حقيقية؟ - حرصت على التذكير بسياق الندوة، لتوضيح أن هذه الأخيرة ملزمة بالإجابة على الإشكالات التنظيمية للحزب، وليس فقط بطريقة تقنية. نحن حزب له مشروع ونعتبر أن مهمتنا هي إنجاز المشروع الديمقراطي الحقيقي وبناء قوة يسارية داخل المجتمع وتحقيق نتائج انتخابية جيدة، وإعطاء مجتمعنا فرصة لتحديث كل مجالات الحياة اليومية للمواطنين، لذلك نحن لسنا بصدد تركيب آليات تقنية فقط، بل إن الندوة الوطنية مناسبة للإجابة على كافة الأسئلة التي وجدنا أنفسنا مجابهين بها. ونعتبر أن تنظيم الحياة الداخلية للحزب بطريقة حداثية وديمقراطية وشفافة وفتح الحزب على طاقات جديدة هما عملان مركزيان في تحضير الحزب للمستقبل، لهذا نحن لا ننادي بإنشاء التيارات فقط كتمرين على اللعبة الديمقراطية الداخلية، بل ندعو إلى وضع قواعد للتنافس داخل الحزب تسمح بنشوء تيارات إذا كانت هناك حاجة لذلك. * ما تشخيصكم للوضع التنظيمي داخل الاتحاد الاشتراكي وما أبرز سلبياته؟ - هناك ميل إلى هيمنة القضايا الفردية وهذا يفقّر الحزب ويجعله عاجزا على أداء دوره السياسي الفكري والاجتماعي، ويجب ألا ننسى أن الاتحاد الاشتراكي بنى قوته الأساسية دائما على إنتاج الأفكار الجيدة والنخب القادرة على الدفاع عن هذه الأفكار، ولكي نستعيد اليوم هذه القوة والفعالية ودورنا الحقيقي في التحديث والتنوير، يجب أن نفسح المجال لكل الطاقات والأفكار، وفي جملة واحدة يجب أن نفسح المجال لتنافس الأفكار ونبذ المشاريع الشخصية. أنا مع الانتخاب باللائحة، ويجب أن نخرج في هذه الندوة بوضع أسس واضحة للمؤتمر المقبل المزمع تنظيمه في السنة المقبلة، وأعتبر أن هناك حاجة أساسية لتقديم مشاريع مختلفة مصحوبة بنخب متجانسة لتنفيذ هذه المشاريع. كما يجب أن يكون أيضا للأمين العام للحزب تركيبة متجانسة لتطبيق المشروع الذي سيصادق عليه المؤتمر. ويجب كذلك أن تعطى الفرصة الكافية والوقت اللازم لكل الأفكار والمشاريع على حدة حتى تأخذ حقها في النقاش والتواصل مع القواعد، وهذا من شأنه إنعاش الحياة الداخلية للحزب، بدل إغراقها في الزبونية والعلاقات الخاصة وهو أمر مستهجن في كل حزب، وخاصة في حزب تقدمي يدعو إلى الشفافية والحداثة والديمقراطية، وبالتالي يجب نبذ كل هذه الأساليب ذات الطبيعة المتخلفة. * ماذا لو فشلت الندوة الوطنية حول التنظيم؟ - معنى ذلك أننا سندخل في أزمة جديدة داخل الحزب. ---------------------------------------- التعاليق : 1 - الكاتب : اتحادي غير اشتراكي يجب أن يخرج الاتحاد الاشتراكي من الحكومة لأن سعادة الاشعري لم يعد عضوا فيها.