لم يفتأ خصوم حزب العدالة والتنمية من بعض الاستئصاليين يسعون إلى التشكيك في مواقف الحزب وتوجهاته واختلاق شبهات حولها تذهب إلى حد التناقض فيما بينها، وذلك ليس مستغربا منهم، وهم الذين تاجروا سياسيا بالأحداث الإرهابية ليوم 16 ماي واستغلوها استغلالا مقيتا، وهكذا كلما تهاوت دعوى من دعواهم إلا وجاءوا بدعوى أخرى أكثر تهافتا. حزب سياسي ذو مرجعية إسلامية فقد قالوا إن حزب العدالة والتنمية حزب يقوم على أساس ديني وإن قيامه يتنافى مع دستور المملكة بينما كان الحزب ولا يزال يؤكد أنه حزب سياسي يقوم على أساس المرجعية الإسلامية التي هي مرجعية الدولة المغربية ومرجعية كل المغاربة المسلمين وهو ما أكدته أوراق الحزب بما فيها الورقة المذهبية سواء في صيغتها الأولى لسنة 1996 أو في صيغتها الجديدة التي صادق عليها المؤتمر الخامس، حيث أكدت الورقة أن الحزب حين يؤكد انطلاقه من المرجعية الإسلامية فإنه لا يعتبر نفسه وصيا على الإسلام أو ناطقا باسمه< وأن >الانطلاق من المرجعية الإسلامية هو الوضع الطبيعي في مجتمع مغربي تجذر الإسلام في أعماقه وفي ثقافته وتاريخه وحاضره<، وأن الانتماء إلى الحزب >هو انتماء سياسي على أساس المواطنة<، وهو ما يجعله حسب ماجاء في الورقة المذهبية >مفتوحا لجميع المواطنين ماداموا ملتزمين بتوجهاته وبرامجه السياسية وقوانينه، وأن اجتهادات الحزب واختياراته تبقى اجتهادات بشرية نسبية قابلة للصواب والخطأ...< كما أكدت الورقة المذهبية على أهمية مؤسسة إمارة المؤمنين ودورها التاريخي في المحافظة على الدين وفي الإشراف على تدبير الشأن الديني مع التأكيد في نفس الوقت على أن تكون المساجد بعيدة عن الدعاية والصراع الحزبيين وعلى ضمان حرية العلماء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. حزب ديموقراطي وقالوا عن حزب العدالة والتنمية إنه حزب شمولي غير ديموقراطي في حين كان الحزب يؤكد ولا يزال كما جاء في ورقته المذهبية على >أصالة التوجه الديموقراطي القائم على إقرار سيادة الشعب وعلى تعددية حزبية حقيقية وتداول السلطة في إطار تكافؤ شروط المنافسة بين الجميع<. والأكثر من ذلك أن المؤتمر الوطني الخامس الذي انعقد تحت شعار الديموقراطية أصالة والتزام لم يكتف بالوقوف عند الشعار بل إنه قد أعطى درسا بليغا في الديموقراطية والشفافية حين كانت وقائع أشغاله وخاصة جلسات التصويت على الأمين العام والمصادقة على أشغال اللجن مفتوحة على الصحافة وعلى الضيوف والمراقبين من داخل المغرب وخارجه. وبما أن هذه الرسائل المتعددة التي تضمنها المؤتمر، سواء في وثائقه أو وقائعه كانت واضحة وبليغة، فإن البعض من هؤلاء من الذين لا يعجبهم العجب ولا الصوم في رجب صاروا يبحثون عن كل قشة للاستمرار في المناوشة والسعي للتضليل، بعد أن خاب مسعاهم الاستئصالي وبعد أن عبر الحزب عن نضجه الكبير وأثبت بالملموس مستواه الرفيع وتجذره العميق في النسيج المغربي رغم الحملات الإعلامية التي قادوها بعد أحداث السادس عشر من ماي. وبما أن هؤلاء لم يتعودوا ممارسة الديموقراطية ولم يتشربوا روحها، فإنهم استكثروا على مؤتمر متكون من حوالي 2000 مندوب أن يختار اختيارا حرا ونزيها، ولذلك صاروا يروجوا أن ما وقع لم يكن سوى تقسيم أدوار بين المتطرفين الذين يمثلهم كل من مصطفى الرميد وعبد الإله بنكيران!! وبين المعتدلين وعلى رأسهم الدكتور سعد الدين العثماني وعبد الله بها!، وأن الدكتور أحمد الريسوني!! رغم أنه لم يكن حاضرا في المؤتمر فقد كان متحكما في خيوط لعبة تقاسم الأدوار، وأن مركز السلطة في الحزب كما ذهبت إلى ذلك إحدى افتتاحيات (أوجوردوي لوماروك) ليس بالضرورة موجودا عند أولئك الذين يوجدون في الصفوف الأمامية من المسؤولية، وكأن أصحاب تلك الأقلام كانوا ينتظرون من المؤتمرين أن يرموا من لم يصوتوا عليهم ليكونوا في الصفوف الأمامية للحزب من النافذة أو أن يطردوهم خارج الحزب، وأن لا ينتخبونهم أعضاء في الأمانة العامة أو المجلس الوطني، دون أن يعلموا أن مناضلي الحزب تدربوا على أن يعرفوا لكل رجل قدره ووضعه في منزلته سواء خالفوه أو اتفقوا معه في التقدير السياسي أو قدروا أو لم يقدروا أنه رجل المرحلة... حزب مستقل وسيد لنفسه وإذا تركنا هؤلاء وحالهم وتجديفهم فإن المؤتمر الخامس قد وجه رسالة في اتجاه آخر، أي إلى نفر من أولئك الذين بعكس السابقين اعتبروا أن الحزب حزب مخزني حسب تعبيرهم وأنه حزب إسلاميي المؤسسات يسير بأوامر وزارة الداخلية وأن هناك صراعا بين الصقور!! والحمائم!! داخل الحزب وهلم جرا مما زينته له أقلامهم وصدوا في ذلك عن الصواب. وهؤلاء بدورهم كانوا يستكثرون على مؤتمر متكون من حوالي 2000 مندوب أن يختار اختيارا حرا نزيها يستحضر توجهات الحزب والمرحلة التاريخية التي مر بها وقدرته على اختيار الرجل المناسب في المنصب المناسب، وأنهم لم يكونوا في حاجة إلى أن يعتذر الرميد عن المسؤولية، وما كان لهم أن يحجموا عن اختيار صقر أو حمامة لو علموا في ذلك مصلحة للحزب والوطن. فلهؤلاء الذين لم يكتب لهم أن عاشوا أجواء ديموقراطية حقيقية وكثير منهم كان ضحية آلية الكولسة والاقصاء الحزبيين في أحزاب ما فتئت تدعي أنها ديموقراطية وجه المؤتمر رسالة واضحة مفادها أن حزب العدالة والتنمية سيد نفسه ومالك زمام مصيره، كما شهد على ذلك الخاص و العام حيث جرت عمليات الاقتراع والتصويت أمام الجميع دون توجيه أو تأثير، وكان الأستاذ الرميد الذي جعل منه البعض منافسا قويا على منصب الأمين العام رئيس لجنة الانتخابات والساهر على جميع مراحلها. ولن يضر الرميد ولن يقلل من شأنه إن صوت عليه إخوانه أو لم يصوتوا، اعتذر أولم يعتذر عن المسؤولية، ولهؤلاء وجه المؤتمر رسالة مفادها أن قواعد الحزب لها من النضج والتقدير السياسي ما يجعلها تتفهم مقتضيات المرحلة وفرصها وتهديداتها، وذلك حينما صوت المؤتمرون بما يشبه الإجماع على التقرير السياسي وبأغلبية ساحقة لا تقبل الجدل على الدكتور سعد الدين العثماني، أي أكدوا تأييدهم لتدبير المرحلة السابقة، بما فيها الانتخابات وتداعيات استقالة مصطفى الرميد من رئاسة فريق العدالة والتنمية. وحينما انتخب المجلس الوطني أيضا الأستاذ عبد الله بها نائبا له والأستاذ عبد الإله بنكيران رئيسا للمجلس الوطني. مسؤولية ووفاء ونضج في القاعدة ورسالة أخرى أكدت نضج مناضلي الحزب وقاعدته، وذلك حينما جاء تصويتهم تلقائيا متوازنا، مراعيا فضل السابقين من رواد الحزب الأوائل، سواء جاؤوا من حركة التوحيد والإصلاح أو لم يكونوا من أعضائها، ومنفتحا على أجيال شابة وعلى العنصر النسائي، دون لجوء إلى مبدإ الكوطا، فجاءت تركيبة الأمانة العامة متوازنة بطريقة تلقائية، تنم عن أنه لا خوف على الشعوب والهيآت والمؤسسات من الديموقراطية والحرية، فالديموقراطية والحرية هما الطريق نحو بناء إنسان مسؤول. ورسالة أخرى كبيرة وعظيمة كانت رسالة وفاء وعرفان للدكتور عبد الكريم الخطيب الرئيس المؤسس وزميله في الكفاح الأستاذ بنعبد الله الوكوتي الذي كانت طلعته سواء في المجالس الوطنية أو كلماته تقابل بالتحية والتصفيق من المؤتمرين وأعضاء المجلس الوطني وهو الوفاء الذي جاء واضحا من خلال تحية المؤتمر لجهاد الدكتور الخطيب والأستاذ بنعبد الله الوكوتي في البيان الختامي الصادر عنه ودعوتهما للاستمرار في توجيه الحزب حسب ما تسمح به ظروفهما. انفتاح وتسامح ولأن هذه الدعاوى قد تبين بالملموس تهافتها وسقوطها الواحدة تلو الأخرى فإن بعضهم لم يجد غضاضة في أن يفترى الكذب ويدعي أن المؤتمرين قد رفعوا شعارات ضد اليهود مع أن التقرير السياسي قد أكد بوضوح أنه إذا كان الإسلام قد أكد على الإسلام كمرجعية للحزب فإنه لا يوجد فرق بين المواطنين المغاربة مهما تكن انتماءاتهم الدينية أو أصولهم العرقية، وأن الشعارات التي رفعت لم تكن ضد اليهود وإنما ضد الاحتلال الصهيوني وذلك أن مناضلي الحزب يعرفون حق المعرفة أن القرآن نفسه حين يتحدث عن اليهود ميز بين اليهود المسالمين وبين اليهود المحاربين وهم الذين تعنيهم بعض الشعارات التي ترفع عند الفلسطينيين وفي المسيرات المناهضة للاحتلال الصهيوني، ولقد أكدت الورقة المذهبية للحزب هذا التصور في فقرة خاصة بمبدإ الانفتاح والتعارف حين قالت بوضوح: فعلى الرغم من أن الإسلام يقرر أنه خاتم الأديان والرسالات ووارثها إلا أنه يؤكد أن العلاقة بتلك الأديان وجب أن تقوم على المجادلة بالتي هي أحسن وحفظ حق أصحابها في حرية الاعتقاد كما تبين ذلك القاعدة القرآنية القائلة: لا إكراه في الدين والتي تعتبر من القواعد المؤسسة للحرية الدينية في الإسلام. وتضيف الورقة: ويتجلى ذلك البعد المنفتح والمتسامح في إقرار الإسلام بحق المواطنة لغير المسلمين داخل المجتمع الإسلامي وذلك واضح في الوثيقة التي وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت أول وثيقة دستورية في الإسلام والتي جاء فيها: "اليهود أمة مع المومنين لهم مالهم وعليهم ما عليهم..". وتلك هي الرسائل التي سعت بعض الافتتاحيات ممن خاض أصحابها حملة استئصالية عقب أحداث 16 ماي أن يشوشوا عليها، في حين أن وقائع المؤتمر وأوراقه وشفافية وقائعه كانت من الوضوح والنصاعة بحيث لن يخطئها إلا من كان على عينه غشاوة أو في قلبه غرض، وكما يقال فإن الحق أبلج والباطل لجلج. محمد السلاوي