المغرب اليوم في حاجة أكثر من أي وقت مضى لوحدة الصف وإجماع سائر مكوناته من أجل تجاوز المحنة التي فرضتها على الجميع الأعمال العدوانية الإجرامية التي استهدفت مدينة الدارالبيضاء. المغرب دولة وحكومة وشعبا وأحزابا ومنظمات مدنية وحركات إسلامية وعلماء وخطباء وفنانين ورياضيين... مدعو اليوم إلى أن يبرهن أنه أكبر من أن تنال منه هذه الأعمال الإرهابية الإجرامية سواء كانت صناعة محلية أو كانت لها خيوط موصولة بالخارج. افتقاد الحس التاريخي والمغاربة اليوم بمختلف توجهاتهم السياسية والإيديولوجية مفروض فيهم أن يتجاوزوا خلافاتهم الصغيرة بالمقارنة مع هول الأعمال الإجرامية التي استهدفت بلادنا والتي سعى مدبروها إلى التشكيك في استقرار بلادنا. والذين يسعون اليوم إلى استغلال الألم والذهول الذي ينتاب المغاربة جميعا من أجل تصفية حسابات سياسية وإيديولوجية صغيرة وضيقة لم يستطيعوا أن يرقوا إلى مستوى اللحظة التاريخية وما تقتضيه من مسؤولية. لقد شهدنا، للأسف الشديد، وكما توقعنا كيف افتقد البعض من دعاة الاستئصال للحركة الإسلامية لهذا الحس التاريخي وكيف انقضوا على هذه الأحداث من أجل السعي إلى تصفية الحساب مع الحركات الإسلامية المعتدلة وحزب العدالة والتنمية وذلك بالإيحاء بأنه ليس في الإسلاميين معتدل في مسعى تحريضي واضح وانتهازية ممقوتة. وشهدنا كيف سخروا أقلامهم في هذا الاتجاه وسعوا إلى التشكيك في مواقف الإدانة القوية التي صدرت مباشرة بعد الأحداث من لدن حزب العدالة والتنمية والحركات الإسلامية، وفي التعتيم على المسيرة التي نظمها الحزب بمدينة الرباط للتنديد بالأعمال الإجرامية التي شهدتها الدارالبيضاء، بينما ركزوا اهتمامهم على مناوشة هامشية وقعت على أطراف المسيرة بين بعض العناصر المشبوهة التي جاءت أو جيء بها للتشويش على المسيرة ولاستفزاز السائرين فيها وافتعال معركة هامشية لصرف النظر عن موقف الحزب والحركات الإسلامية وكأنه كان مقصودا أن لا يبرز موقف الحزب، وكأنه كان مقصودا الإيحاء بأن الطرف الإسلامي خارج عن الإجماع الوطني في هذا المجال. ولعل في السلوك المشين الذي قامت به القناة الثانية إزاء مسيرة الرباط ما يؤكد هذا التوجه، فبالإضافة إلى أنها أقصت قيادات العدالة والتنمية من الظهور على القناة للتعبير عن إدانته للأحداث شأنه في ذلك شأن القناة الأولى، ولم تشر من قريب أو من بعيد لبيان الحزب وبيان الحركات الإسلامية، تبين أنها منخرطة بوضوح في هذا المنحى التعتيمي والتوجه التحريضي الاستئصالي. فقد اتضح بالملموس أن حضور القناة الثانية لتغطية مسيرة الرباط لم يكن للقيام بما يقتضيه الواجب المهني وضمان حق المواطنين في الإخبار الموضوعي، بقدر ما كان حضورا لنقل أي شيء آخر يشوش على رسالة المسيرة، ولالتقاط أمر آخر غير ما يقتضيه الحس التاريخي في مثل هذه المحنة من إبراز إجماع المغاربة على إدانة الأعمال الإرهابية، التي تعرض لها بلدنا. فقد فسحت القناة الثانية المجال واسعا لتعليقات و معلقين" محللين" جاءوا من أجل أداء مهمة محددة إمعانا في هذا التحيز الأعمى والتحامل المقيت الساعي إلى استغلال الظرف، من أجل زرع الخلط والتشويش والسعي إلى التأكيد على الأطروحة المكرورة بأنه ليس هناك معتدل، وأن التطرف والإرهاب ثابت بنيوي لدى الحركات الإسلامية بما في ذلك الحركات الإسلامية المشاركة في الحياة السياسية، والربط بين هذه الأخيرة التي لها امتدادات واسعة في مختلف الشرائح الاجتماعية وبين مجموعة من المغمورين والمهووسين ممن قد يكونون وراء هذه الأحداث (تصريحات نعيم كمال نموذجا) ، وهو ما لقي استنكارا واسعا من المواطنين والمتتبعين الموضوعيين الذي أصبحوا يتساءلون: أين هي وجهة النظر الأخرى؟ ودون أن يدرك القائمون على هذا التضليل والتعتيم أنه بعكس ما يتوهمون ستكون له آثاره العكسية لسبب بسيط هو أن حبل الكذب قصير. خلط الأوراق ولم يقف الأمر عند الاستئصاليين المدسوسين في بعض الصحف، ولدى بعض القائمين على القناة الثانية بل وصل الأمر إلى وزير الاتصال الذي يبدو أنه نسي صفته كمسؤول حكومي كان يفترض أن يمارس واجب التحفظ، خاصة وأن التحقيقات ما تزال جارية، وانخرط في نفس منطق الخلط والتضليل، وهكذا تبين أن جهات عدة بما في ذلك الإعلام الرسمي وخاصة القناة الثانية ومسؤولون حكوميون بمن فيهم وزير الاتصال ناهيك عن أقلام معروفة بتوجهاتها الاستئصالية، وبعقدة العداء للحركة الإسلامية لم يرتقوا إلى مستوى اللحظة التاريخية التي تفرض إبراز إجماع المغاربة والترفع عن الحسابات الصغيرة واستثمار أحداث أليمة لخلط الأوراق وذبح مقتضيات المهنية في العمل الإعلامي، والتضحية بالحقيقة لأغراض سياسوية إيديولوجية، وانخرطت في منطق الاستئصال خلافا لما ورد في بيان القصر الملكي الذي أكد على مقاربة متكاملة في مواجهة هذه المحنة من خلال التأكيد من جهة على عدة عناصر منها - تحصين المجتمج وكيانه وقيمه من كل نوازع العنف والتطرف ودون شك فإن هذا التحصين يحتاج إلى مقاربة علمية تربوية، وهنا يكمن دور العلماء والمجالس العلمية والوعاظ والمرشدون الدينيون والحركات الإسلامية المعتدلة، من خلال شرح الموقف الشرعي من هذه الأعمال وحكمه في القائمين بها، وفتح حوار علمي عميق من خلال مسائل الإعلام المكتوبة والمرئية مع بعض أفكار الغلو والتشدد التي هي الأرضية التي يمكن أن تنبث مثل هذه الأعمال، والتي يتضرر منها الجميع بما في ذلك الحركات الإسلامية المعتدلة التي تتعرض هي الأخرى من بعض تلك المجموعة إلى التفسيق والتكفير والتبديع والاتهام بالعمالة والخيانة...إلخ - التصدي لكل محاولة للمس بأمن المواطنين بقوة القانون والتأكيد على أن المغرب سيظل بلد الخيار الديموقراطي وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن المحافظة على أمن واستقرار البلاد يسيران مع المحافظة على الحقوق والحرمات العامة واحترام دولة الحق والقانون خلافا لأهواء الاستئصاليين الذين يسعون إلى شق صف الجبهة الوطنية من خلال افتعال معارك مع مكون أساسي من مكونات استقرار بلادنا ألا وهو الحركات الإسلامية المندمجة في الحياة السياسية، والحركات الإسلامية السلمية والمعروفة مواقفها من أعمال العنف والتي عبرت عنها منذ بداية نشأتها - أن تتم التحقيقات بكل شفافية وأن يتم إطلاع الرأي العام الوطني على سير التحريات الجارية ونتائجها، وذلك ما يقتضي من بين ما يقتضيه عدم التسرع في توزيع الاتهامات وإطلاق التصريحات غير المسؤولة والتوظيف الإعلامي المغرض للأحداث من أجل تشويه مواقف حزب العدالة والتنمية والحركات الإسلامية، والتناول التحريضي الاستئصالي القائم على زرع الخلط والبلبلة والتشويه بغير بينة ولا هدى ولا سلطان مبين. مقاربة مسؤولة ولا نملك هنا بعد تنويهنا بالمقاربة المسؤولة التي كشف عنها بيان القصرالملكي إلأ أن ننوه من جديد بالتناول المسؤول الذي عبرت عنه افتتاحية "الاتحاد الاشتراكي" ليوم أمس الثلاثاء تحت عنوان " اللحظة التاريخية" والتي ورد فيها: "لذلك فالمغاربة الذين تلقوا بارتياح موقف التنديد بالعمليات الإرهابية،لينتظرون من هذه الحركات أن تتعبأ بجانب كل الديموقراطيين للتصدي لكل الذين يريدون سوءا ببلادنا، فاللحظة هي لحظة الوطنية الحقة، بعيدا عن كل الحسابات السياسوية. وهي لحظة حماية كيان المغرب وتماسكه واستقراره.. لحظة التخلي عن الأنانيات واعتماد التضامن العضوي بين كل مكونات المجتمع لعزل المخربين وقهرهم، علينا أن نعلم جميعا بأن تجرؤ شبكة الإرهاب على اقتراف عمليات شنعاء هو إنذار لكل المغاربة الذين أصبحت مهمتهم الأولى هي صيانة كيان المغرب الذي تخطى وتحدى وانتصر على كل المخططات المغرضة. كما نحيي جريدة "لوبينيون" التي انتقدت في افتتاحية أمس تحت عنوان " لا للخلط " تلك الدعوات المغرضة التي أكدت انه من أجل التحصن من التدمير والإرهاب فإن الحل يكمن في العلمانية وكأن إسلامية الدولة والإسلام ذاته هو المسؤول عن الأعمال التي تعرضت لها الدارالبيضاء. حكم التاريخ ودون شك، فبعد هدوء الأعصاب واكتمال المعطيات التاريخ سيسجل لكل طرف موقفه، وسيتبين الوطنيون الأصلاء الذين كانو في مستوى اللحظة التاريخية، وجعلوا مصلحة الوطن في هذه الظرفية الصعبة فوق كل اعتبار، وبين الانتهازيين والاستئصاليين الذين لم يتورعوا في استثمار مشاعر الشعب المغربي وألمه وغضبه تجاه هذه الأحداث الإجرامية من أجل تسجيل نقط ضمن حسابات سياسية دنيئة، دون أن يدروا أن التشكيك في وحدة الموقف الوطني من هذه الأعمال لن تستفيد منه أية جهة وأن المستفيد منه أولئك الذين دبروا هذه الأحداث للتشكيك في حصانة المغرب وقدرته على أن يتحدى من يريد به شرا. محمد يتيم