استثأتر تقييم أشغال المجلس الوطني للتجمع الوطني للأحرار، المنعقد بمراكش السبت الماضي، على اجتماع المكتب التنفيذي للحزب، الذي اجتمع لأول مرة بقيادة صلاح الدين مزوار باعتباره رئيسا للحزب، وعبرت قيادات حزبية عن امتعاضها من الجهة التي دفعت محامي مغمور إلى ترشيح نفسه لمنافسة مزوار مرشح الحركة التصحيحية، متسائلة عن مصير الحزب لو مالت القاعة وصوتت لصالح رئيس لا يحمل مشروعا سياسيا ولا رؤية تنظيمية. وهيمنت القضية التنظيمية على اجتماع المكتب التنفيذي قصد بلورة رؤية واضحة لترجمة أطروحات الورقة السياسية المتعلقة بانسجام التنظيم مع المرحلة ومع التوجهات الجديدة للحزب، وقررت القيادة الحزبية ولأول مرة توسيع دائرة الوسائط الحزبية والانتقال من المرحلة التنظيمية التي كانت فيها منسقيات الاتحاديات هي الخيط الرابط بين المركز والقواعد إلى مرحلة الجامعات الجهوية من أجل إعداد النخب القادرة على مسايرة مشروع الجهوية الموسعة وسيسعى الحزب إلى تشكيل 16 جامعة من شأنها أن تكون برلمانات حزبية جهوية لتداول الأفكار وتخريج الأطر. وحسب مصدر من المكتب التنفيذي فان الاجتماع تناول التنظيم الجديد المنسجم مع المرحلة الجديدة كما تناول الهوية الإيديولوجية المتمثلة في تبني المجلس الوطني للوثيقة المحددة لتوجه الحزب في الليبرالية الاجتماعية التي تحتم بدورها تبني خط سياسي واضح وتحديد تحالفا لا غبار عليها وقبل هذا وذاك قررت القيادة الحزبية فتح نقاش بمشاركة خبراء حزبيين ومن خارج الحزب قصد تعميق النقاش بخصوص هوية الحزب وملاءمتها مع التطورات التي عرفها العالم وعرفها المجتمع المغربي. ولم تنس الأرضية السياسية التشديد على أن المنظور الجديد للحزب "يستلهم مرجعيته من التوجهات الكبرى للمشروع المجتمعي لبلادنا، يميل إلى إرساء الجهوية الموسعة القائمة على المقاربة التشاركية، وتوسيع هامش المشاركة السياسية والمبادرة الفردية، وخلق نخب فاعلة وخلاقة، قادرة على التصدي لجسامة المسؤوليات المحلية وعلى رأسها مواجهة كل أشكال الفقر والتهميش لتكون فضاء للتنمية المندمجة فضلا عن ابتداع وإطلاق صيغ ملائمة للفعل السياسي تقوم على أساس الإيمان بالحق في الاختلاف وتكافؤ الفرص تأسيسا لثقافة وطنية جديدة قوامها الإيمان بالتعدد الجهوي في إطار الوطن الواحد". واعتبرت القيادة الجديدة أن المرحلة السابقة تميزت " بغياب وضوح الرؤية وعدم القدرة على بلورة مقاربة تنظيمية تحترم الديمقراطية الداخلية كوعاء للاختلاف والتفاعل البناء وتضمن توسيع قاعدة المشاركة وتحرص على مأسسة القرار وتقبل المحاسبة والمساءلة وفاءا وتنزيلا لشعار المؤتمر الأخير" مؤكدة أن " الأمور لم تسر بالشكل الذي رسمه المؤتمر وتعهد عليه التجمعيون فطبيعي أن ننتهي إلى استعادة لحظة المؤتمر عبر التبلور الموضوعي للحركة التصحيحية" مما يجعل الحركة التصحيحية، التي وصلت اليوم الى قيادة الحزب، ليست سوى تجسيد حي لروح المؤتمر بعدما قتلت القيادة تلك الروح طوال الفترة الأخيرة، وبالتالي فإن المهد الحقيقي لهذه الحركة هو المؤتمر الرابع عكس ما يروج له من لا يدركون حقائق البيت الداخلي للتجمع وبالتالي يخرجونها عن سياقها الداخلي المحض". إلى ذلك اعتبر شفيق رشادي، القيادي بحزب التجمع الوطني للأحرار والبرلماني عن جهة الشاوية، أن المجلس الوطني مثل لحظة تاريخية حاسمة في تاريخ التجمع الوطني للأحرار وانطلاقة جديدة نحو مستقبل واعد يبشر بميلاد هيئة سياسية ذات مشروع ديمقراطي حداثي ينسجم مع المرحلة الجديدة التي تعيشها بلادنا التي تستهدف بناء الأحزاب المؤسسات بدل الأحزاب المتمركزة حول الأشخاص. وقال رشادي في تصريح ل"النهار المغربية" عقب أشغال المجلس الوطني إن هذا الأخير رسم صورة للحزب تعكس تماسك التجمعيين والتجمعيات والتفافهم حول مشروع سياسي جديد مضيفا أنه من شأن هذه الصورة أن تؤدي إلى استثمار جيد للمكتسبات وتوظيفها من أجل استشراف مستقبل يصل بنا إلى حزب قادر على خدمة الأهداف الكبرى لبلادنا. وأكد رشادي أن ما وقع داخل التجمع الوطني للأحرار وانتخاب رئيس جديد هو يهم بالأساس البيت الداخلي للتجمع ولا معنى لأي حديث عن تأثيرات من خارج مناضلي الحزب معتبرا أن الأمر لم يكن اعتباطيا ولا متسرعا بل اقتناعا من جانب المناضلين بضرورة الإصلاح والتصحيح، وهو اقتناع مبني على فلسفة حداثية تنبثق من قواعد الحزب التي تعتبر الملجأ والملاذ الأخير للحسم في كل الخلافات. وقال رشادي إن الاهتمام الشعبي الواسع بما وقع داخل التجمع دليل على سلامة اختياراته التي تحتم عليه تحديد الأولويات والنظر بحكمة ورزانة لقادم الأيام والاستعداد للمحطات وبلورة تميز داخل المشهد السياسي.