"الذي يقتات من عداوة عدوه عليه أن يحرص على أن يُبقيَه حيّا" نيتشه (1) تصريحات الخارجيات الغربية وخاصة منها ذات النزوع إلى الهيمنة السياسية أو الثقافية أو الاقتصادية أو كل ذلك (الولاياتالمتحدة، فرنسا، بريطانيا) زمنَ الاحتجاجات الشعبية في أوروبا الشرقية التي وُصِفت في صُحف الغرب بربيع أوروبا الشرقية يلمس ولا شك تحولا و تبدُّلا في الخطاب فيما يخص "شبيه" تلك الحركات في البلاد العربية. فالخطاب في الأولى كان موجها للشعوب لتنهض وتنهج سبيلة الديموقراطية وتكسر أغلال القهر الشيوعي. أما في التصريحات الأخيرة وردود الفعل المتأخرة جدا تجاه أحداث تونس ومصر واليمن والأردن، فإن الخطاب موجه بالأساس للأنظمة العربية لرفع يدها قليلا عن شعوبها وتمكين "مواطنيها" من فتات من الحرية والخبز و قليلٍ من كرامة. لا أريد تكرار ما سبق أن قُلته في مقالي السابق "ماالذي يقع في بلاد العرب" مرة أخرى والذي لخصته في مقولة "الاحتياط العالمي من النفط للطاقة ومن البشر لمستقبل أساليب الحياة الغربية ومن الأرض لقمامات المصانع"، والذي أريد بيانه في هذا المقال هو مناقشة ما يرد على أقلام وألسنة الغربيين والشرقيين وعلى ألسنة أحزاب "البؤس السياسي" عندنا ومفاده أن دجال هذا الزمان والخطر القادم المهدد لمسقبل البشرية هو "الأصولية الإسلامية" و"الإرهاب". تفجير الأحياء و الأشياء بلاء ابتلي به العرب قبل غيرهم و قضى به منهم أكثر ممن ماتوا به من غيرهم. ولكن ما يريده الغرب هو وقف زحف الإسلام في البلاد العربية وفي عقر داره (ولنتذكر حديث بوش وبرلسكوني عن حرب صليبة وحديث البابا عن عدائية الإسلام وعنفه) لأنه التهديد المباشر للكيان الصهيوني وللوحش الاقتصادي الذي كان من "أفضاله" على البشرية "أزمة العقار العالمية". إن إدامة أسطورة الإرهاب هي صمام الأمان لبقاء كراكيز الغرب من بعض حكام العرب و المسلمين على كراسيهم، كما أن وجود الإرهاب ضمان لبقائنا "احتياطيا عالميا: طاقة وبشرا وأرضا". وأكذوبة أسلحة الدمار الشامل في العراق و غيرها من أكاذيب تكفي أدلة لتذكيرنا أنها مجرد ما يُسمى في عالم السينما بالإعادة "”Remak لما سبق أن حدث في دول جنوب أمريكا (الشيلي ومصير رئيسها المنتخب ديموقراطيا "سلفادور أليندي" أشهر الأمثلة على ذلك)، وقد أبدع عبقري اللسانيات وعدو الهيمنة الأمركية الألد نعوم شومسكي في تفصيل ذلك وكشفه عبر مفهومه الشهير: "صناعة التراضي"(2). المشكلة مع الإرهاب اليوم هي أنه أصبح "جزءَ ماهية" النظام العالمي الجديد بلغة علماء أصول الفقه، وأن القضاء عليه قضاء على الأخير، (ولا ننسى أن الضامن لنسبة حدثٍ إرهابي لطرف أو لآخر هو الشبكة العنكبوتية، وهي أوهن من أدلة أسلحة الدمار الشامل التي لوَّح بها الجنرال "المخدوع" كولن باول في "المحافل الدولية"، وكذلك ما بدأ ينكشف من أدلة على تورط المخابرات في ما أكثر من حادث نُسِب ل"إرهابيين"، وما يُصرح به الأقوى اقتصادا وأسلحة وثقافة وسلطة يبقى الأصح، ومن خالفه يستحق التأديب والتشريد). أحداث العالم العربي إرهاص ولا شك بأوان تغيير هذا النظام العالمي الجديد، الذي يقتات من التقتيل والمؤامرة والعنجهية ويتحرك داخل اقتصاد شركات متعددة "الجنسيات" لم يعد همها التفكير في طُرق بيع سلع يحتاجها الناس، بل التفنن في إبداع سلع جديدة وغريبة عن عوالم الناس وخلق الحاجة لهذه السلع ومن ثمَّ تشكيل أذواق الناس بل وحيواتهم بما يضمن لها الربح والبقاء. حركات الاحتجاج في بلاد العرب وغيرها تريد كسر قيد التبعية الموروث عن الاستعمار والمسكوت عنه. كما أنها تُعلن أننا لن نسمح لهؤلاء بأن يرهنوا مستقبل أبنائنا لسجن "احتياطيهم". أما الإرهاب ( ولا أقصد حركت المقاومة الفلسطينية ولا اللبنانية ولا مقاومة المستعمر في غيرها من البلدان) فهو وقود لازم لتتحرك "ماكينة" الهيمنة الأمريكية والفرنسية وغيرها من دول غربية يشدها الحنين لعهد الاستعمار البائد (وآية ذلك صعود نجم اليمين المتطرف في أغلب دول أوروبا). معتقدي أن المطلوب اليوم ليس قلب الأنظمة العربية (التي لا قلب لها أساسا)(3)، فهي من جهة محمية بالأقوى على الأرض، ومن جهة ثانية ليس للشعوب العربية أحزاب سياسية خارج "حقل" البؤس السياسي الذي استحالت فيه الكراسيَ أسمى أمانيهم ، مع استحضار خطر النمودج العراقي الاقتتالي على البلاد العربية إن لم نتيقظ لذلك (4)، لأنه أحد الممكنات القلائل أمام الأمم الوصية علينا للتخلص من شعوب "الاحتياط" التي أمست "مشاغبة"، والتي أصبحت تروم الحصول على موقع كريم لها تحت الشمس. يبقى السؤال المطروح إذن هو: ما السبيل إلى التحرر من ربقة الإثنين، الأنظمة العربية "المترجمة" بلغة شاعر المنفى أحمد مطر، وصندوق "الاحتياط النفطي والبشري و القُمامي"؟. ذلك سؤال تصعب الإجابة عليه ولا أدعي امتلاك جواب عنه، ولكن تحديد الأسئلة المناسبة للزمن المناسب بداية لا بأس بها. أما إمكان ذلك التحرر، فقد أقام عليه الدليل الرائدون الأماجد في تونس و مصر(5). هوامش: 1) Nietzshe : Human, too human : Cambridge U P 1989,1994 ap 531 2) Edward S. Herman, Noam Chomsky : Manufacturing Consent . Pantheon books 2002 كما يوجد شريط وثائقي عن شومسكي وصناعة التراضي ، إنتاج كندي 1992، وهو متوافر على الشبكة العنكبوتية. 3) ما شهدَته تونس ومصر وغيرها ليس بعد قلبا للنظامين السابقين على عِظَمِه وفرادته التاريخية. 4) كَتبتُ هذا المقال بُعيد النجاح الأول للصامدين في ميدان التحرير بإجبار الرئيس غير المبارك على التخلي عن كرسيه، ونُشر المقال بتاريخ 09 مارس 2011 بجريدة "المساء" أي قبل التدخل العسكري بالطائرات في ليبيا الذي نرجوا من الله ألا يتحول كما يريدون إلى تدخل للمشاة على الأرض فيُحيلها خرابا كما فعل في أفغانستان والعراق، وعسى أحمق ليبيا أن ينحاز لمصير بلده فينسحبَ من أرضها وسمائها. 5) ويمضي اليوم على خطاهم أماجد اليمن و المتظاهرون في سوريا، أحفاد حماة الشهيدة، التي دمرها من قبل مخترع الجمهورية الملكية حافظ "الأسد" و هاهو "شبله" ينسج على منواله.