مرةً أُخرى، يخرُجُ وَطنُنا إلى شوارعِ الاحتجاجات! إنهُ المغربُ مُنتصِرٌ بكُلّ تلاوينِه، في حراكٍ وطنيّ ضدّ الفساد.. بَلدُنا مُنتصرٌ على استغلالِ الدّين لأهدافٍ سياسية.. واستغلالِ النّفُوذِ لفائدةِ أَباطرةٍ قد نهَبُوا البلد.. ومُنتصرٌ على مُؤامرةٍ مَكشُوفةٍ بين السّياسةِ والمال.. ويَبحثُ عُقَلاؤُنا عن حلّ.. والحلُّ يأتي من حُنْجُرةِ وطَنِنا، في شوارع الاحتجاجات.. وفي الشوارع، يُعلنُ الوطنُ ألاّ تراجُعَ عن العدالة الاجتماعية.. وعن كُلّ الحقُوقٍ الأخرى المشرُوعة.. ويأمرُ وطنُنا بأن تنبثقَ عن صناديقِ الانتخابات حكومةٌ لا تخلطُ بين الدّينِ والسياسة، ولا بين المالِ والسياسة، ولا بين العِرْقِ والسياسة.. حُكومةٌ تَدِينُ للشعبِ كُلِّهِ بالاحترام، وتخدمُ مصالحَ جميعِ الفئات.. الوطنُ يأمُرُ أيةَ حكومةٍ تنبثقُ عن صناديقِ الغد، أنْ تخدُمَ الشعب، على أساسِ القوانينِ الوطنية، والمواثيقِ الدولية، وعلى رأسِها «الإعلانُ العالمي لحقوق الإنسان» 1948، الذي صادقَ عليه المغرب.. وهذا يعني أن بلدَنا مُنفَتحٌ بالفعلِ على كلّ الثقافات.. كُلّ الأجناس.. كلّ البشر.. بدُون استثناء.. وأنّ أبوابَهُ مفتُوحةٌ أمام الزّوار، بكلّ أنواعِهم، وأمامَ الاستثمارات، وأمام العالم... ويعني أن للبيئةِ الطبيعيةِ حُقوقًا.. وأنّ الطفلَ له حقوقٌ مضمُونة.. وأنّ للمرأة حقوقًا تُساوِي حُقوقَ الرّجُل، بالتّمامِ والكمال.. وأنّ لكُلِّ من يعيشُ على أرضِ المغرب، مُقيمًا كان أو زائرا، حقوقًا على نفسِ التّساوي الذي تُطبّقُه الأقطارُ الديمقراطية.. لا يجوزُ أن تكُون ديمقراطيتُنا مُنحازةً لتقسيمِ المغاربة إلى فُقراءَ وأغنياء.. ولا أنْ تنحازَ للأغنياء، على حسابِ حُقوقِ الفُقراء.. ولا يجوزُ أن تكُونَ مُنحازةً لمنطقةٍ ما، على حسابِ منطقةٍ أخرى.. الانحيازُ مرفوض، جُملةً وتفصيلا.. والعُنصريةُ جريمة.. الرشوةُ جريمة.. الزّبونيةُ جريمة.. ولا يكُونُ مقبُولاً بيننا مغربٌ نافع، ومغربٌ غيرُ نافع.. المغربُ واحد.. ولا يُقبَلُ تقسيمُ المغاربةِ إلى «نافعين» و«غيرِ نافعين».. نحن شعبٌ واحد.. في بلدٍ واحد.. تحتَ سماءٍ واحدة.. وهذا ما يُطالِبُ به وطنُنا في خرجاتِه إلى شوارعِ الاحتجاجات.. كلُّنا سَواسيّةٌ أمام القانُون، والفُرَص، والشّغل، والحقّ في النّجاح والتألُّق، وتسييرِ الشأنِ العمُومي والمحلي.. جميعُنا على قدَمِ المساواة.. هكذا يجبُ أن تكُون حياتُنا المشترَكةُ على هذه الأرضِ المعطاء.. حقُوقُنا يجبُ أن يَضْمنَها القانُون، على أساسِ تطبيقِ هذا القانون.. فالقانونُ الذي لا يُطبَّق، ليس قانُونًا.. وقانونٌ يُطبَّقُ على فئةٍ دون أخرى، سَمِّهِ ما شِئتَ، إلاّ القانون.. هو شبهُ قانون.. وليس قانُونًا.. ولا يجوزُ أن يكُونَ القانونُ مُجرّدَ حبرٍ على ورَق.. ولا يجوزُ أنْ يكُونَ خادمًا للأغنياء، وكابُوسًا يُطاردُ الفُقراء.. القانونُ يجبُ أن يُطبّقَ على الجميع، بدون استثناء.. وأن يَنظُرَ إلى الناسِ نظرةً عادلة.. وأنْ يُعاقِبَ من في بَلدِنا يُعَرْقِلُ قيامَ عدالةٍ اجتماعيةٍ حقيقية.. ومن يُعَرْقِلُ استقرارًا إيجابيًّا في رُبوعِ الوطن.. وفي غيابِ هذه العدالةِ العادلة، وغيابِ التعليمِ العادل، والصحّةِ العادلة، وكلِّ الحقُوقِ العادلة، لا يَسْتَبعِدُ وَطنُنا أيَّ احتمال.. كلُّ الاحتمالاتِ واردة.. والمظاهراتُ في بلدِنا قد لا تتَوقّف.. قد تتصاعد، في حالةِ عدمِ اجْتِثاثِ أصلِ المشكلِ المطروح، وهو إغناءُ الأغنياء، وتفقيرُ الفُقراء! والمظاهراتُ فعلاً في تصاعُد، وبِنَبَراتٍ أكثرَ حِدّة، في مُواجهةِ غطرسةِ حُكومةٍ غيْبيّة.. غيرِ واقعية.. ولامسؤولة.. هذه بعيدةٌ عنّا بُعْدَ المنطقِ عن الهَبَل.. ولا تُساعدُ على مَشاريعِنا الكُبرى.. لا بالحكمة.. ولا بالفكر.. ولا بالفعل.. غائبةٌ عنّا تمامًا.. وكأنها ليست على أرضِ المغرب.. كأنها تعيشُ في كواكبَ أخرى، وتُريدُ من المغاربةِ أن يُصدّقُوها.. وكأنّها تقولُ لنا: «صدِّقُوني حتى وأنا أكذبُ عليكُم!».. هكذا هي عقلياتٌ مُنْزلِقةٌ إلى أسفلِ السلبيّات.. تُسَوّدُ حياةَ الوطن.. وتُذيقُ المواطنينَ الأمَرّيْن.. وتُعطي الانطباعَ بأنها هي وحدَها تفهم.. هي وحدَها عاقلة.. وأنّ الناسَ قاصرون.. وأنّهم بحاجةٍ إلى وصاية.. وهذه طريقةٌ استعماريةٌ لتنويم الناس، حتى يتسنّى لها ابتلاعَ خيراتِ البلد، بعيدًا عن أضواءِ القانون.. هكذا تتصوّرُ هذه العقلياتُ العابِثَة.. عقلياتٌ تُحِيلُنا على أوهام.. وخُرافات.. وخُزَعْبِلات.. وتُقدّمُها لنا في شكلِ حقائق.. وكأنّنا لا نُفرّقُ بين الزّفْتِ واللاّزَفْت! وهي لا تُؤمنُ بالحُرّية.. الحُرّيةُ عندها عُقدةٌ نفسية.. وبتعبيرٍ أوضح، تُعَرْقِلُ حياتَنا الطبيعية.. وتُسىءُ لنا ولبَلَدِنا.. بلَدُنا مُتطلّعٌ إلى فوق.. وهي تنزلقُ بنا إلى أسفل، تحت غطاءِ «لا إله إلا اللّه».. ها هي تكذبُ على الله.. وعلى عبادِ الله! والحلُّ هو ما أعلنهُ الزعيمْ المصري الراحل سَعْد زغلُول، عام 1919، في عبارتِه الشّهيرة: «الدينُ لله، والوطنُ للجميع».. عبارةٌ قد تكُونُ مَخْرَجَنا من الورطةِ التي وضَعَتْنا فيها عقلياتٌ فاسدة.. عقليّاتٌ في مُنتهى االاّمسؤولية.. عقليّاتٌ حَسِبْنا أنها ستفعلُ ما يأمُرُ به الدّينُ من خيرٍ للجميع، وتَسَاوٍ بينَ الجميع، فإذا بها تستغلُّ الدينَ للتّضييقِ على المواطنين.. والظلمُ لا يدُوم.. دوامُ الحالِ من المحال.. الظلمُ قد دخَلَ العدَّ العَكْسي.. واللُّعبةُ باتتْ مكشُوفة.. انتهت مُؤامرةُ تُجّارِ الدّين! وها هو الوطنُ يخرجُ بنفسِه شامخًا إلى الشّوارع.. ويقُودُ مُظاهراتٍ لاستعادةِ الحقُوقِ المنهُوبة.. وتحقيقِ العدالةِ الاجتماعيةِ المطلُوبة.. ها هو الوطنُ يرفعُ الرّاية.. وها هي الرّايةُ تُرَفْرِفُ عاليًّا بالحقّ والعدل.. في ربُوع المملكةِ المغربية.. [email protected]