نعَم! الوطنيةُ لا تُحسَب فقط بالكيلومترات.. وليست مجردَ مكانٍ في خارطة العالم.. الوطنيةُ هي المواطن.. الوطنية تعني كل من يسكن الوطن.. وكل دولة لا تربط الوطن بالمواطن، هي دولة لا تفهم في تسلسُل التاريخ البشري، على كوكب الأرض.. وفي دولتنا، فئاتٌ مسؤولة تُضفي على «الوطنية» هالةً تقديسية بعيدةً عن المقدَّسِ الأساسي الذي هو الإنسان.. الإنسان أساسُ الوطن.. ولا وطن بدون إنسان.. ولا مُستقبل لأي وطن، بدون هذا الإنسان الذي هو المواطن.. ومن ثمة، يتوجبُ ربطُ الأرض بساكنِ الأرض.. وربطُ الوطن بالمواطن، من حيث الحقوقُ والواجبات.. وكفى من سوء استغلالِ تاريخ المقاومة الوطنية! ولم يعُد معنى لمؤسسة رسمية اسمُها «المندوبية السامية للمقاومة...».. هذه المؤسسة تستهلكُ المال العام، مقابلَ اجترار نفْسِ التاريخ، بنفس الكلام، ونفْس الأشخاص، دون غيرِهم.. بينما استقلالُ البلد، مات من أجلِه مواطنون كثيرون، نساءا ورجالا وأطفالاً، وكلُّهم أبطالُ الوطن.. بذلوا أرواحَهم من أجل الوطن، ولم يطلبوا أيةَ مكافأة.. الوطنُ لا يُباع ولا يُشترى.. لا بترخيص لاستغلالِ الحافلات والطاكسيات وغيرِها من أدواتِ اقتصادِ الريع.. كفى من الريع في تاريخ الوطن! وتاريخِ الوطنية! كثيرٌ من مواطني هذا البلد، بذلوا أرواحَهم من أجل الوطن، وبقي أبناؤُهم عُرضةً للضياع في شوارع البلد.. وترامَى انتهازيون على أحزاب، وتسلقوا إلى مسؤولياتٍ كبرى، واستولوا حتى على مفهوم «الوطنية»! وإلى الآن، ومنذ استقلال البلد، قبل حوالي ستين عاما، ما زالوا يُديرون نفْسَ الأسطوانة، ويقتلون في الناس «الوطنيةَ» الحقيقية، وهي أن الوطن غيرُ قابل لأية مُساومة، وأي ابتزاز، وأي استغلال.. الوطنُ لنا جميعا.. الوطنُ حق للجميع.. والوطنية واجبٌ على الجميع.. ومن يأخذ الثمن، هذا يسحقُ أساسياتِ الوطنية، في ربوع هذا الوطن.. ومن واجب الوطن أن يكون عادلا في تعامُله مع كل أبنائه، بدون استثناء، لتكُون للجميع حقوق، وعلى الجميع واجبات.. ولا يجوز أن يكون الفقراء قد ماتوا من أجل الوطن، ويبقى انتهازيون مُتسللين على ثروات الوطن، ومُتمَرْكِزين على مؤسسات الوطن.. وهؤلاء بالذات هم المسؤولون اليوم عما يقعُ في بلدنا من تجاوُزات بلا عدّ ولا حصر.. وهم السببُ في الخللِ الاجتماعي الرهيب الذي أخرجَ الناسَ إلى شوارع الاحتجاجات المسالمة، للمطالبة بحقوق مشروعة.. ونرى في مراكز القرار مسؤولين ما هم بمسؤولين حقيقيين.. هم شبكةٌ تُحاربُ بناتِ وأبناءَ المقاومي الحقيقيين، وتمنعُ عنهم تنفيذَ مشاريع تنموية في البلد، وتتواطأ مع كبار اللصوص، وتُشعلُ بذلك فتيلَ الاحتجاجات التي لا يدري أحدٌ ما إذا كانت لها نهاية، أو هي بلا نهاية.. هم أشعلُوا البداية، ولم يعُد باستطاعتهم، رغم أنهم في مراكز القرار، إنهاءَ ما بعد البداية.. لقد أساؤوا للوطن، وأبناء الوطن، وتاريخ الوطن، ومستقبل الوطن.. وهم يقفون وراء فبركة ملفات ضد نُشطاء عُزّل، ليسوا انفصاليين، ولا أشخاصا عُدوانيين.. المطلوب إطلاقُ سراح كل معتقلي الحراك الاجتماعي المسالم! هؤلاء يُشكلون نبضَ الوطن والمواطن.. ولا يطالبون إلا بعدالة اجتماعية.. كفى من التفقير! كفى من العبث بمشاريع تنمويةٍ يتمُّ تجميدُها، مباشرةً بعد تدشينِها! يجب إعادةُ الاعتبار للمناطق التي أهمَلَها مسؤولون في البلد، من مختلف مستويات المسؤولية، وما زالوا ينهبُون ثرواتِ البلد، وأراضي الفقراء.. يريدون من أبناء وأحفادِ ما بعدَ الاستقلال أن يبقوا على حالهم من التهميش، على كل المستويات، ومحرومين من أبسط الحقوق: لا صحة، لا تعليم، لا تشغيل، ولا أمل... ويتعرضون لتهجير قسري من أراضيهم، لكي تستولي عليها عصابات.. والدولةُ نفسُها تترامى على أراضي المواطنين، بطرُق مختلفة، منها «تصميمُ التهيئة».. وهذه طريقةٌ ليست كلها قانونية.. وهي في جُلّها لاإنسانية! وظُلمُ الدولة للفقراء أشدُّ مَضادَة... الدولةُ تتشبّهُ بعزرائيل: تقطفُ الأرواح، وتُشرد الناس، وتعتقلُ حتى من يُطالبون بأبسط حقوقهم، ومنها الماءُ الشروب.. والدولةُ تسقي بنفْس الماء الشروب جُنباتِ الشوارع، وبساتينَ المسؤولين الأغنياء، وتحرقُ الغابات، وتفعل كل ما هو مُباحٌ وغيرُ مباح.. وكأن الدولةَ نفسَها فوق القانون! ويستحيلُ تحقيقُ الاستقرار الاجتماعي المطلوب، إذا لم تكُفَّ الدولةُ عن نهبِ حقوق الفقراء، إداريا وقانونيا وقمعيا... وإنها بهذا السلوك، تزيدُ الطين بلّة.. وهي أصلاً حرمت الناسَ من التعليم، وأنشأتْ أجيالاً لا تعرفُ لا حقوقَها ولا واجباتِها، ولا تعرفُ إلا لغةَ العضلات.. فماذا هي فاعلةٌ مع فوضى اجتماعية هي أعدّتْها منذ عقود؟ وهي أعدّتْ أيضا كابوسَ الشعوذة لتوجيه الناس، وتنشئةِ أجيالٍ على ثقافة «الجنة والنار».. الدولةُ بمؤسساتِها وأحزابها هي المسؤولةُ الأولى عن السّيبة.. وعن اللاقانون! وهي نفسُها، مع كثير من مؤسساتها، لا تحترمُ القانون.. أصبحَتْ هي قُدوةً لمن تعلّموا منها أن المقرّبين يجب أن تكون فيهم صفاتٌ معينة منها: اللاقانون.. فما العمل لإنقاذ البلاد من اللاقانون؟ الدولةُ قد أوقعَها مسؤولُوها في هذا السلوك الذي تمنعُه جميعُ القوانين، وعلى رأسها القانونُ الدولي، وأصبحت مُتّهمةً بالتحريض على الفوضى في البلد.. تُحرّض على حرمانِ بلدِنا من السّلم الاجتماعي الذي بدونه لا يكُون لا استقرار، ولا تنمية.. الوطنُ مِلْكٌ للجميع.. وعلى الدولة أن تكون في خدمة الجميع.. وأن تُقدّمَ للعدالة كل المسؤولين الذي ورّطوها، والذين يسرقُون تاريخَ الوطن، وحاضرَ الوطن، ومستقبلَ الوطن.. ولا وطن، بدون مُواطن.. ولا وطنية، بدون حُقوق المواطن.. وبدُونِ واجباتِ كل مواطن.. [email protected]