الإرهابُ يُهدّدُ بحربٍ عالميةٍ ثالثة.. إنهُ استنتاجٌ يَتردَّدُ على ألسنةِ عُلماء، ومُراقبين، وسياسيين، وزُعماءَ في مراكزِ القرار.. أسماءُ لامعةٌ على الصعيد العالمي تقرعُ أجراسَ الخطر.. فهل سُدّت الأبواب؟ ألم يبْقَ أمام التّناقُضات الإيديولوجية، وصراعاتِ المصالحِ ذاتِ العَباءاتِ الدّينية، سوى التّصادُمُ العالمي الأكبر، بدلَ البحثِ سويّةً عن مَخْرَجٍ لاستفحالِ العُنفِ والعُنفِ المضادّ؟ واضحٌ أنّ في عالمنا من ما زالوا يُوظّفُون عصاباتٍ إرهابية، ويقافةَ التطرُّف، ويدفعون باتجاه إشعالِ حربٍ عالمية ثالثة.. وهذه إذا وقعت، لن تُبقِي ولن تَذَر.. وقد تَوَقَّعَها الفيزيائي الألماني ألبيرت إينشتاين، فقال: «لا أعلمُ بأيّ سلاحٍ سيُحاربُون في الحرب العالمية الثالثة، لكن سلاحَ الرابعة سيكونُ العِصيّ والحجارة». وأضاف: «إذا أردنا أن نعيش، فعلينا أن نُفكّرَ بطريقةٍ جديدة».. وقال الفيزيائي الفلكي، الفرنسي الكندي، هوبيرت ريفز: «الحربُ العالميةُ الثالثة مُدّتُها رُبْع ساعة.. بعدَ رُبْعِ ساعة، يكونُ كلُّ شيءٍ قد انتهي».. من لهُ المصلحة في نشر الإرهاب هنا وهناك، وبالتالي جرِّ العالم إلى لحظاتٍ قد تكونُ نهايةً لحضارةِ الإنسان؟ إنّ الأسلحة التي تُستَعملُ في مختلفِ العملياتِ الإرهابية أسلحةٌ مُتطوّرة.. ولا يُستبعدُ أن تحصُل الشبكاتُ الإرهابيةُ من الأسواق السوداء على أسلحةٍ أكثرَ تطوُّرًا.. وهذا يعني أنّ في صفُوفِها كفاءاتٍ تقنيةً ليست فقط قادرة على مُواجهة دول فقيرة، بل أيضًا على إحداث خللٍ في كلّ المنظومة العالمية.. الأسلحةُ تأتي من مصانع الدول النووية، وخاصة فرنسا، أمريكا، روسيا، إسرائيل، وغيرِها... الدولُ الكُبرى تُنتِجُ وتبيعُ الأسلحة.. وتُنعِشُ الأسواقَ السوداء.. وترسمُ خرائطَ الحربِ والسلامِ في أيّة قارّةٍ من العالم.. وأسواقُ التسلُّح تمتصُّ ميزانياتِ الدول الفقيرة التي أصبحتْ مجالاً لحُروبٍ لا تنتهي.. والدولُ الكُبرى في سباقٍ إلى مزيدٍ من الإنتاج.. بينما الدولُ الفقيرةُ في سباقٍ إلى مزيدٍ من الشراء.. وتتَحوّلُ أسواقُ التّرهيبِ والتّرعيبِ إلى تحالُفاتٍ بين أقطابِ الاقتصادِ العالمي، لامتصاصِ ما تبَقَّى من ثرواتِ الدول الفقيرة.. ويأتي الإرهابُ ليُشكّلَ آخرَ حلقةٍ في لُعبةِ الدّمار، حيث ينتقلُ سلاحُ الإرهاب إلى قبضة الصغار.. سلاحُ الكبار في قبضة الصّغار.. هذه هي المعادلةُ الميدانيةُ لأقطاب العالم.. وهذه ليست المرّة الأولى التي يتحالفُ فيها الكبارُ لتوظيفِ الصغار.. فعَلُوها عندما اقتسمُوا كعكةَ الاستعمار.. وإلى الآن، وحتى بعد «استقلال» الدول المُستعٌمَرَة، ما زالت هذه الأخيرةُ تابعةً للدول الكبرى، سياسيا واقتصاديا، تُزوّدُها بما تُريد، وبأيّ سعرٍ تُريد.. وعندما تُحاولُ دولةٌ فقيرةٌ أن تخرُجَ من تبعيةِ العقلية الاستعمارية، تُحاكُ ضدَّها مُؤامرات، وقد ينتهي الأمرُ إلى تدخُّلٍ عسكري في إطار تحالُفٍ من التحالُفات الجاهزة تحتَ غطاءِ «الأسرة الدولية».. وهذا ما حصل في دول عربية وإفريقية وآسيوية وغيرِها.. وهذا ما فعلته التحالُفاتُ «الدولية» في العراق وسوريا وليبيا ودول ٍ أخرى، وقد نتجَ عن ذلك ملايينُ الضّحايا، إلى جانبِ تخريب هذه البُلدان، وتمّ إرجاعُها إلى العصر الحجري.. وما زالتْ دولٌ فقيرة تئنُّ تحت مدافع وصواريخِ الدول الغنية.. ما زالت الدولُ الغنية تُنتجُ مزيدا من الفقر، ومزيدًا من المرض، ومزيدا من الجهل.. والدولُ الكبرى استغلّتْ وجودَ عقليات مُتطرّفة في الدول الفقيرة، فموّلَتْها وسلَّحَتْها ودَفَعتْها إلى حروبٍ أهلية وإلى تصفياتٍ اجتماعيةٍ وسياسيةٍ باسم الدّين وغيرِ الدّين.. وبسُرعة صاروخية، تمّ تخليقُ «إمبراطوريات» إرهابية في العالمِ العربي.. وهكذا انتفخَ الإرهاب.. وكبُرَ الغُولُ وتضَخَّم.. ووصلَ إلى أوربا وأمريكاوروسيا وغيرِها.. وصلَ إلى الدول الكبرى التي حسبتْ نفسَها بعيدةً عن أيّ خطرٍ إرهابي.. وصارت الدولُ الفقيرة تُطالبُ بالتعاوُن من أجل تطويق العقليةِ الإرهابية، لكن الدول الكبرى أصلاً لا تَعْبأُ بحلّ مَشاكلِ الدول الفقيرة.. لا يهُمُّها البحثُ عن حلُول.. يهُمُّها فقط أن تُديرَ الأزمات.. هي لا تهتمُّ بالحلول.. فقط تهتمُّ بإدارة المشاكل، أي التحكُّم في هذه المشاكل، لتدبيرها بشكلٍ يخدُمُ مصالحَها.. هذه هي عقليةُ أوربا وأمريكا وغيرِهِما.. تهُمُّها المصالح.. تبحثُ فقط عن مصالحِها، لا عن حُلولٍ للآخرين.. وبهذه العقلية، ما زالت أزمةُ الشرق الأوسط بلا حلول.. الدولُ الكبرى لا تُريدُ حلولا للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.. تريدُ استمرارَ النزاع، ما دامَ النزاعُ يخدمُ مصالحَها.. وبعقلية المصالح، وتَبادُلِ المصالح، استمرّتْ في غضّ الطرف عن المجازر التي تَحدُثُ يوميا في دولٍ فقيرة، بأسلحةِ الدول الكبرى.. وما زالت تُشجّعُ على اللاّديمُقراطية.. لا تُريدُ ديمُقراطيةً حقيقيةً في الدول الفقيرة.. هي تُفضّلُ شعاراتِ «حقوق الإنسان».. وبشعاراتِ «حقوق الإنسان» تتدخّلُ هُنا وهناك.. التدخُّلاتُ قد تكونُ عسكرية.. وقد تكون أيضًا عبارة عن ضغوطات منها سلاحُ «الأُسرة الدولية»، تحت يافطة خرْقِ «حقوق الإنسان»! المبرّراتُ ليست مُنعَدِمة.. الذئبُ قادرٌ دائمًا على إيجادِ مُبرّرات.. مُبرّرات قانونية، اقتصادية، عسكرية، سياسية... وغيرِها.. والهدفُ واحد: هو تركيعُ الدول الفقيرة، وإثقالُها بالديون، لكي تبقى دائمًا مَوْرِدًا لا يَنضُبُ للدول الغنيّة.. والدولُ الغنية هي صانعةُ الدكتاتوريات في إفريقيا والعالم العربي وغيرهما.. تغُضُّ الطرفَ عن هذه الدكتاتورية أو تلك، لتبقَى «حقوقُ الإنسان» مجرّدَ ورقةٍ قابلةٍ للاستخدام في أية لحظة! إن الدول الكبرى تتحمّلُ نسبةً عالية من مسؤولياتِ صناعةِ اللاديمقراطية في الدول الفقيرة.. واليوم، يجدُ العالمُ «المتحضّرُ» نفسَه أمام أغلبيةٍ ساحقةٍ من سكّانِ العالم وهم في وضعيةٍ شديدةِ الهشاشة: الفقر المدقِع، والأمراض، والجهل... «كبارُ العالم» يتحمّلون جزءًا كبيرا من المسؤولية في ما وقعَ ويقعُ للأغلبيةِ الساحقة من سُكّان العالم.. وها نحنُ أمام وحشٍ كاسرٍ يُشكّلُ «إمبراطورية الإرهاب».. وهي تفترسُ كلَّ من أمامها.. ولا تعترفُ بأيّ قانون.. وقانونُها أفظعُ من الغاب.. وهذا هو الحالُ العالمي أمام بشرٍ هجين.. كائنات ليس لها من البشرية إلا الاسم.. وفي العُمق، أُولاءِ صغارُ النفُوس.. صغارٌ في قبضتهم أسلحةُ الكبار.. الكبارُ يُصنّعُون.. والصغارُ في الميادين يُنفِذُون.. ها هو الإرهابُ يُديرُ التّوازُنات.. ولكن الجديد هو أن الكبار أصبحُوا هم أيضا يشتكون.. هم أيضا يُعانون.. يئنّون.. الضّرباتُ الإرهابية مُوجعة.. وباتَ من أولى الأولويات البحث مع الدول الفقيرة عن حُلول.. وإذا لم يفعلوا هذا، فستتَضخّمُ وحوشُ الإرهاب.. ولا أحد يدري كيف تكونُ الحياةُ مع الوحوش.. نحنُ اليوم في مُواجهة أشباحٍ تزرعُ الرّعبَ في كلّ مكان.. ولا خيارَ للبشرية إلاّ المواجهة.. والتّحمُّل.. والصّمود.. وإدراك أن الدّين لا علاقةَ له بالإرهاب.. وأنّ السياسة لا تُقدّمُ أيَّ تبريرٍ للإرهاب.. وإذا قدّمت الإيديولوجياتُ للإرهاب غطاءا، فهذا سيكونُ مُنطلقَ اشتعالٍ عالمي! إنّ العالمَ في خطر! بسبب اختلاط الإرهابِ بالسياسة والدين.. اختلاط بين التّعبُّدِ للّه، والتّدبيرِ السياسي.. والأخطرُ في هذا هو تدخُّلُ دُولٍ كُبرى في توظيفِ حركاتٍ إرهابية من أجل مصالحِها الذاتية.. وها هي المصالحُ تُواجهُ المصالح.. والأطرافُ ذاتُ المصالح تمتلكُ أنواعًا من أسلحة الدّمار الشامل.. وفي هذه الدول الكبرى من أصبح يتحدثُ جهرا، بالصوتِ والصورة، عن احتمال انفجارِ حربٍ عالمية ثالثة.. فهل يعني هذا إطلاق الصواريخ النووية من أجل عصابات إرهابية؟ هل يعني هذا تدمير العالم من أجل عصابات؟ هذا هو الأخطرُ على الجميع، بدون استثناء.. وعلى حُكّام العالم أن يجنحُوا إلى العقل.. وأن يتصرّفُوا بحكمة، لاجتياز هذا الخطر الإرهابي العالمي، ومن ثمّةَ إعادة النظر في التوازُنات الدولية، بحيث تُراعَى فيها حقوقُ الدول الفقيرة، وحقوقُ الاختلاف، والعيش الكريم، والصحة للجميع، والتعليم للجميع، وطبعًا الديمقراطية للجميع.. هذه أرضيةٌ صلبةٌ لسلامٍ عالمي حقيقي.. سلام دائم للجميع.. سلام يُمَكّنُ الجميعَ من تنميةٍ مُستدامة على كُرة أرضيةٍ جميلة قادرةٍ على استيعابِ كلّ الكائنات، بدون استثناء.. وهذا يتطلبُ اتّفاقيةً دولية! إنّ في الكُرة الأرضية ما يكفي للجمع.. الخيرُ كافٍ.. ونستطيعُ جميعا أن نُجنّبَ أنْفُسَنا وغيرَنا التّهديدَ والوعيدَ والويْلَ والثّبُور.. وأنْ نتجنّبَ ما وقعَ لحضاراتٍ سابقة.. حضارات تَجَبّرَ فيها الإنسانُ وتَكَبَّرَ وطغَى، فدمّرَ نفسَه بنفسه.. وجميعا نستطيع.. نستطيعُ أن نعيش إخوةً في الإنسانية.. وأن نتعاونَ.. ونتشارك.. في سلام.. [email protected]