ومشاركة الحركات الإسلامية المعتدلة في الحياة السياسية له أثر إيجابي على الاستقرار كشفت دراسة حديثة صادرة عن صادرة عن مركز بروكنجز الدوحة خلال شهر يناير 2011، عن وجود صلة بين الارتفاع الكبير للإرهاب في الشرق الأوسط وافتقار المنطقة للديمقراطية، وبأن الديمقراطيات تكون أقل عرضة لإنتاج النشاط الإرهابي، وذلك بسبب قدرتها على توجيه الشكاوى بطريقة سلمية، في حين أن الأنظمة التي تكون في طور الانتقال إلى الديمقراطية تصبح عرضة لزعزعة الاستقرار بشكل كبير، حسب نفس الدراسة. وقد كشف معد الدراسة أنوار بوخرص، بأن جهود الإصلاح في المغرب قد عززت شرعية النظام الملكي، وخفضت الضغوط الاجتماعية والاقتصادية على السكان، ولكنه مع ذلك يعتبر الخطر الإرهابي لا يزال قائماً نتيجة تأخر الإصلاحات السياسية وراء تحديثات البلاد الاقتصادية والاجتماعية. وقد كشفت الدراسة عن مجموعة من النتائج، أهمها أنه يمكن احتواء العنف السياسي عندما تبذل جهود للتحرر Libéralisation بشكل منظم، إلا أنه يستدرك قائلا بأنه يمكن لهذه الإصلاحات أن تأتي بنتائج عكسية إذا لم تقدم ما وعدته الأنظمة من مؤسسات حكومية فعالة، وتضيف الدراسة أيضا أن إشراك الجماعات الإسلامية المعتدلة في المجال السياسي له أثر إيجابي على الاستقرار، فقد اعتبرت الدراسة أن هذه الجماعات تساعد على إفراغ تحديات التطرف عن طريق السيطرة على أعضائها وتوفير منبر لإحداث تغيير من داخل النظام، ولكن الباحث يعتبر بأن الاستراتيجيات الحالية لإدراج الإسلاميين لها مخاطر، ويتجلى ذلك في سلب الإسلاميين مقدرتهم على "الاستقطاب" والفعل من أجل تجاوز تحدي الوضع الراهن، وهو ما يهدد الإسلاميين المعتدلين بفقدان مصداقيتهم وظهورهم كضعفاء، الأمر الذي يساهم في تمكين المتشددين، الذين يقدمون صوت معارض أقوى، كما توصلت الدراسة. الديمقراطية والإرهاب: علاقة تنافرية! وينفد بوخرص مقولة بعض الباحثين الذين يعتبرون بأنه لا توجد علاقة بين الإستبداد والإرهاب، والقول بأن تعزيز الديمقراطية لن يساعد في التقليل من التهديد الإرهابي ولن يعمل على إضعاف الدعم الشعبي للجماعات الإرهابية، أو بأن الديمقراطية يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الإرهاب، ذلك أن احترام الحكومات الديمقراطية للحريات المدنية وحرية التعبير يسمح للإرهابيين بمساحة أكبر للحركة وتكوين الجماعات كما يذهب إلى ذلك جو إيرنمان (ص:15)، ويذهب إلى نقد هذه التصورات التي تعتبر بان حضور أو غياب الديمقراطية لا يؤثر في الأنشطة الإرهابية هو مقولة مغلوطة، وذلك من خلال التمييز بين أهداف الإرهاب وبين مرتكبيه، ودعى إلى الخوض في جذور قضية الإرهاب بدل تقديم أحكام جاهزة، وذلك عبر عرض أحد الخلاصات التي توصلت إليها أحد التقارير الصادرة عن معهد "راند" (تابع لجهاز الجيش الأمريكي) إذ يقول التقرير: "إذا أردنا أن ننظر إلى غياب الديمقراطية باعتباره واحداً من العوامل الرئيسية التي يُحتمل أنها تفضي إلى الإرهاب، يتوجب علينا دراسة جذور الإرهابيين، لا أن ندرس فقط الأماكن التي يقررون - من منظور تكتيكي – أنها الأفضل لتنفيذ أعمالهم الإرهابية" (ص:16)، بل على العكس من ذلك يعتبر الباحث بأن الدول التي لا تحضى بقدر واسع من الحريات المدنية والتي تغيب فيها الديمقراطية تكون مرجحة أكثر لتنتج الإرهاب، عبر تقديم بعض النماذج مثل خروج التيارات الجهادية والتكفيرية من السجون السياسية المصرية، وبأن إنتاج الإرهاب لا يتحكم فيه العنصر الفردي فقط (النفسي)، بل نتيجة لتظافر عدد من العوامل الموضوعية التي تساهم في إنتاج هذه الظاهرة مرتبطة بشكل أساسي بمجموعة من الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتاريخية والدولية، ويضاف إليها بشكل أساسي غياب الحريات والديمقراطية، ليجعل هذه الدول بمثابة بؤر لإنتاج وتصدير الإرهاب. العنف السياسي في المغرب العربي: قام بوخرص بدراسة ثلاثة حالات في منطقة المغرب العربي، يتعلق الأمر بتونسوالجزائر والمغرب، من أجل البحث عن الأسباب والعوامل التي ادت إلى تنامي هذه الظاهرة في المنطقة، والتطور التاريخي للإرهاب من خلال ربطه بالتحولات الداخلية التي عرفتها هذه الدول. بخصوص الجزائر فقد عرف انتصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ رد فعل الجيش، فقد قرر هذا الأخير إجهاض العملية الانتخابية في 4 يناير 1992 وسلب فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية التي جرت في الجزائر، مما أدخل البلاد في دائرة العنف." فأثار القمع العسكري العشوائي للجبهة الإسلامية للإنقاذ غضب الإسلاميين وحمل أعضاءها ومؤيديها على التطرف، وقد زادت عودة قدامى المحاربين الجزائريين من الحرب في أفغانستان في الثمانينات من تفاقم العنف" (ص:19)، ويعتبر انور بوخرص بأن القمع الذي تمارسه الدولة قد تسبب في إعادة بروز الإحساس بالظلم الكامنة داخل المجتمع الجزائري منذ مدة طويلة، وهذا راجع إلى التفاوت الاقتصادي الكبير. "مما حولها إلى عوامل حافزة قوية لتعبئة عنيفة. فأصبح الإسلاميون أكثر حزماً معتمدين على المهارات التنظيمية التي اكتسبوها خلال موجة 1989 من الحريات السياسية، ومستشعرين ضعف الحكومة فحازوا على تأييد شريحة كبيرة من السكان". الوضع مختلف بخصوص المغرب، فقد تم اعتبار المغرب منذ صعود الملك محمد السادس للحكم سنة 1999، من الدول العربية الأكثر ليبرالية. فقد تم احترام حرية التعبير بوجه عام، مع وجود استثناء ملحوظ لعدد من "الخطوط الحمراء" السياسية والدينية. إلا أن المغرب بالرغم من هذه المحاولات الإصلاحية لم يكن في مأمن من الهجمات الإرهابية، بحيث قامت السلطات المغربية بتفكيك عشرات الخلايا الإرهابية منذ تفجيرات 16 ماي، وهو راجع إلى عدد من العوامل، يعددها الباحث في زيادة الظلم الداخلي المعروف، "مثل الاعتقالات واسعة النطاق للإسلاميين بعد أيار/مايو من عام 2003 ونفور النظام من تعميق الإصلاحات"، و"تزايد الإحباط وخيبة الأمل العاميْن، ولا سيما في صفوف الشباب والعاطلين عن العمل. فقد ارتفعت توقعات العدالة الاقتصادية وسيادة القانون منذ اعتلاء الملك محمد السادس للعرش في عام 1999 ، ولكنها وتيرة التغيير، التي تباطأت بسبب الفساد والمحسوبية المتأصلين، فشلت في الوفاء بالآمال التي كانت كبيرة فيما مضى." أما بالنسبة للحالة التونسية فيعتبر أنور بوخرص بأن تونس استطاعت أن تحافظ على الاستقرار مع تجنب التوترات السياسية (كتب هذه الدراسة قبل اندلاع الثورة الشعبية في تونس) التي غالباً ما تنتج عندما تتخلف الإصلاحات السياسية عن التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بل ويضيف بأن الرئيس (المخلوع) زين العابدين بن علي قام بتعزيز حكم الحزب الواحد السلطوي في خضم النمو الاقتصادي المثير للإعجاب. حدود الدراسة: نشرت الدراسة في شهر يناير 2011، وقد كانت الثورة التونسية قد نجحت في إسقاط نظام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي في منتصف شهر يناير، وبالرغم من ذلك لم تستطع هذه الورقة التنبؤ على سقوط النظام التونسي من دون استعمال العنف، أو حتى إشارة إلى ما حصل هناك من تحولات كانت لها تداعيات كبيرة في المنطقة انتقلت إلى عدد من الأقطار الأخرى، مما يحد من القدرة التفسيرية لهذه الدراسة، والتي هي بالمناسبة نفس التوجه الذي سقطت فيه عدد من الدراسات الأخرى التي سقطت في نفس التعميم، وسعت إلى التهيئة النفسية لقبول مرحلة جديدة من الإستبداد عبر استعمال أدوات علمية. إن هذه الدراسة تبقى محدودة بالنظر إلى الحراك الشعبي والجماهيري القائم حاليا، والمرتبط بشكل أساسي بالهبة الجماهيرية الديمقراطية والتغيير السلمي عبر آليات جديدة، قطعت مع العنف السياسي كحل وحيد وأوحد، وأبرزت الدور الذي تلعبه القوى الشبابية الصاعدة في تحريك الشارع وقيادته، وهو نموذج جديد في الثورات يتجاوز النماذج التقليدية للثورات المؤسسة على أيديولوجية معينة يتم التعبئة من خلالها لإسقاط النظام القائم. ويعتبر أنوار بوخرص من بين الباحثين المتخصصين في الديمقراطية العربية والسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، والأمن الدولي، وهو أستاذ مساعد للعلاقات الدولية في جامعة مكدانيل في ولاية ماريلاند، وقد نشر كتابه "السياسة في المغرب: الملكية التنفيذية و الاستبداد المستنير" في شتنبر 2010من قبل روتليدج. أنقر هنا لتحميل الدراسة ( PDF)