عاشت فرنسا خلال السنة التي نودعها ،على إيقاع أحداث ارهابية دامية، ألقت بظلال من الشك والتوجس في أوساط المجتمع الفرنسي، وغذت مشاعر العداء على الاقل لدى جزء من الفرنسيين خاصة تجاه مسلمي هذا البلد. وراح اليمين المتطرف "الجبهة الوطنية" عقب هذه الاحداث، يشير بالبنان الى مهاجري ومسلمي فرنسا، ويحملهم المسؤولية عنها، بل ويحرض عليهم كما تبين ذلك من خلال استهداف مساجد بمناطق متفرقة بالبلاد، اذ بلغ عدد الحالات المسجلة هذه السنة 330 اعتداء، بينما لم يتجاوز الرقم 110 حالات خلال السنة الماضية، بحسب مرصد مناهضة الاسلاموفوبيا. ولا شك أن هذه الهجمات التي تعد الأعنف منذ الحرب العالمية الثانية، والتي جاءت بعد مرور أقل من سنة على الاعتداء على صحيفة "شارلي إيبدو" الساخرة، الذي أودى بحياة 12 شخصا اضافة الى المهاجمين، أحدثت صدمة وفزعا لدى المجتمع الفرنسي، على اعتبار أنها استهدفت نمط عيشه، وزعزعة استقراره. ولقيت الهجمات الارهابية التي وصفها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بأنها عمل حرب نفذته "داعش" وخطط له في سوريا، والتي استهدفت ثلاثة اماكن بالعاصمة الفرنسية، مما خلف نحو 130 قتيلا ومئات الجرحى، إدانة دولية واسعة، وأدت الى إعلان حالة الطوارىء، في جميع أنحاء البلاد وتشديد الرقابة على الحدود الفرنسية ورفع حالة التأهب القصوى، لأول مرة منذ اعمال الشغب التي وقعت سنة 2005 . ولا يخفي المتتبعون للشأن الفرنسي أن الاحداث الارهابية الدامية التي شهدتها باريس سنة 2015، كانت لها تداعيات سلبية على أوضاع المسلمين بهذا البلد، كما ستجعل فرنسا أكثر حزما إزاء التهديد الارهابي الذي يمثله تنظيم "داعش". إلى ذلك عاشت فرنسا أواخر سنة 2015، أسبوعا عصيبا، بعد أن سطع نجم حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، في الدور الأول من انتخابات المناطق، حيث جاء في الرتبة الأولى متقدما على اليسار واليمين التقليدي، إلا ان هذا التقدم، الذي شكل أحد تداعيات هجمات باريس الارهابية، استحال في الدور الثاني هزيمة مدوية وصفعة قوية لهذا الحزب المتطرف، بخروجه بخفي حنين، اذ آلت كافة المناطق الى حزب نيكولا ساركوزي (الجمهوريون) بسبعة مناطق من اصل 13، مقابل ستة لليسار. وعزا المراقبون هذا الفوز الظرفي لليمين المتطرف، الذي استطاع ولو بشكل مؤقت استثمار حالة الخوف التي خيمت على الفرنسيين، عقب احداث باريس الارهابية، إلى عدة أسباب تتمثل أساسا في الهاجس الامني الذي كان يسيطر على أذهان الناخبين، فضلا عن دور الازمة الاقتصادية المتفاقمة في فرنسا وارتفاع نسبة البطالة. واذا كانت فرنسا قد عانت من وحشية وهمجية الارهاب الأعمى خلال هذه السنة التي تشرف على نهايتها، فإنها بالمقابل حصدت نجاحات، كان أهمها، التوصل الى اتفاق، بدا في رأي المراقبين صعب المنال، بشأن الحد من الاحتباس الحراري بكوكب الارض، خلال مؤتمر الاممالمتحدة للتغيرات المناخية (كوب 21 ) بباريس الذي يعد اهم التظاهرات الدبلوماسية التي تنظم خارج اطار الجمعية العامة للامم المتحدة. فلأول مرة يتم التوصل الى اتفاق يطمح الى اشراك كافة دول العالم في مكافحة التغير المناخي لتفادي والتقليل من حدة الظواهر المناخية مثل موجات الحر الشديد والجفاف والامطار الغزيرة والاعاصير، مقابل شح المياه وتراجع المحاصيل الزراعية والغذاء. ويتوخى الاتفاق الذي صودق عليه بالاجماع من قبل 195 بلدا، عقب أسبوعين من المفاوضات الابقاء على حرارة الارض في مستوى أقل من درجتين. كما نص الاتفاق الذي يكتسي طابعا ملزما على آليات تمويلية ملائمة، منها تقديم مئة مليار دولار سنويا بداية من 2020 لمساعدة الدول النامية على تمويل انتقالها إلى الطاقات النظيفة، ولتتلاءم مع انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي تعتبر هي أولى ضحاياها، فيما ترفض الدول المتقدمة أن تدفع وحدها المساعدة، وتطالب دولا مثل الصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة والدول النفطية الغنية أن تساهم ماليا في هذا المجهود. من جهة أخرى احتل التعاون الدولي في مجال التكنولوجيا الآمنة في مجال المناخ وتعزيز القدرات ، من اجل التصدي للتغيرات المناخية في العالم، مكانة هامة في هذا الاتفاق الجديد.