«انتصر الأمل»، هكذا عنونت إحدى الأسبوعيات فوز الرئيس الفرنسي الجديد إيمانييل ماكرون في الانتخابات الرئاسية شهر ماي الماضي، هذا الرئيس الذي تمكن من تغيير وجه فرنسا من بلد ينظر إلى الماضي، بلد غارق في اليأس والتشاؤم، إلى بلد متوجه نحو المستقبل وينظر إلى العالم بصورة متفائلة وينشر الأمل حوله، سواء في أوروبا أو باقي العالم، خصوصا في الظروف التي يعيشها الاتحاد الأوروبي الذي أصبح مهددا بالتشرذم والانهيار بعد خروج بريطانيا وتهديد إقليم كتالانيا بالانسحاب من اسبانيا وتقدم اليمين المتطرف في بلدان أساسية مثل ألمانيا، فرنسا، بريطانيا،هولندا، النمسا وعدد آخر من البلدان. هذا التصاعد الشعبوي الذي ينذر بأجواء الثلاثينيات من القرن الماضي الذي أدى إلى اشتعال الحرب العالمية الثانية والتي كانت أكبر كارثة عاشتها البشرية من خلال العدد الكبير من الضحايا الذي وصل إلى عشرات الملايين والدمار الشامل خاصة بأوروبا. فنجاح رئيس فرنسي جديد ذي توجه أوروبي واضح وإنساني قد أعاد الأمل إلى الأوروبيين. ومنذ وصوله، أخذ الرئيس الجديد العديد من المبادرات الدولية، كتنظيمه لقاء دوليا كبيرا هو» قمة الكوكب الواحد» ردا على قرار واشنطن مغادرة اتفاقية المناخ، وكذا تنظيم مؤتمر من أجل تمويل «القوة الخماسية» بمنطقة الساحل. فرنسا اليوم توجد على عدة واجهات دولية، ففي الحرب على الإرهاب تشارك في عدة بؤر دولية من أجل القضاء عليه، سواء بسوريا، العراق، أو بلدان الساحل، ولكن رغم هذا المجهود إلا أن الإرهاب مازال يستهدف فرنسا وأوروبا، لكن تأثيره هذه السنة كان محدودا،على عكس ما حدث في عدد من بلدان العالم، خاصة سورياوالعراق ومصر وتركيا. لقد غير نجاح الرئيس الجديد وأغلبيته وجه السياسة بهذا البلد، ودخلت وجوه جديدة إلى البرلمان والحكومة منهم عدد من الشباب من أصول مغربية. الانتخابات الرئاسية بفرنسا أو انتخابات كل المفاجآت الانتخابات الرئاسية التي شهدتها فرنسا هذه السنة كانت متميزة بالمفاجآت في كل مراحلها، من الانتخابات الابتدائية داخل الأحزاب حتى انتخاب الجمعية الوطنية، ثم وصول رئيس شاب لا يتجاوز 39 سنة إلى سدة الحكم، وهذا يعتبر سابقة في الجمهورية الخامسة، ويتعلق الأمر بإيمانييل ماكرون، الذي جاء من خارج الأحزاب الكلاسيكية، وحصل على أغلبية في البرلمان الفرنسي من خلال تأسيسه لحركة سياسية تحت اسم «إلى الأمام» التي تمكنت، رغم حداثتها، من حصد مقاعد البرلمان بأغلبية مطلقة، وبمناسبة هذه الانتخابات، انهارت الأحزاب السياسية الكلاسيكية لتتصدر النتائج أحزاب وحركات سياسية جديدة أو صغيرة لم يكن لها وجود في السابق، وبالإضافة إلى حركة «الجمهورية إلى الأمام» هناك حركة يسارية هي «فرنسا الأبية» لجون لوك ميلونشون التي دخلت هي الأخرى البرلمان كما دخل اليمين المتطرف، ولأول مرة في تاريخ الجمهورية يتجاوز عدد النساء بالجمعية الوطنية 40 في المئة، كما أن أكثر من نصف البرلمان من الوجوه السياسية الجديدة التي وصلت البرلمان لأول مرة، بالإضافة إلى وصول كثيف لأبناء المهاجرين المغاربيين، من بينهم 8 نواب من أصل مغربي لأول مرة في تاريخ هذه المؤسسة حيث قلبت هذه الانتخابات الحقل السياسي رأسا على عقب وأدت إلى اختفاء أغلب ديناصورات السياسة بشكل نهائي. دخول متميز لنواب من أصول مغربية إلى البرلمان الفرنسي سنة 2017 تميز البرلمان الفرنسي الجديد بدخول مكثف لبرلمانيين شباب من أصول مغربية، والذين وصل عددهم إلى 8، بالإضافة إلى برلمانيين اثنين من أصول جزائرية، وواحدة من أصل تونسي). هذا الدخول يغير من وجه هذه المؤسسة ويجعلها تقترب أكثر من تنوع المجتمع الفرنسي، خاصة مع وصول عدد كبير من النساء. وتعكس هذه التغييرات التحول الحاصل وسط المجتمع الفرنسي ووسط أبناء المهاجرين، كما تعكس دور حركة الرئيس إيمانويل ماكرون» الجمهورية إلى الأمام» في ترشيح عدد من أبناء المغاربيين، خصوصا من المغاربة، الذين نجحوا في الوصول إلى المؤسسة التشريعية. الوزير منير المحجوبي (من أصول مغربية): من عالم الانترنيت إلى برلماني ووزير بحكومة ادوارد فيليب عندما تم تعيين منير المحجوبي وزيرا منتدبا في القضايا الرقمية بحكومة ادوارد فيليب، لم تكن للكثير من الفرنسيين والأجانب المتتبعين معرفة كبيرة بهذا الشاب ذي 33 سنة والذي يعتبر أصغر عضو بالحكومة، ورغم نشاطه بالحزب الاشتراكي ودوره في الحملة الانتخابية لكل من سيغولين روايال سنة 2007 وفرنسوا هولند سنة 2012 كمسؤول على الاستراتيجية الرقمية إلا أن الرأي العام لم يكن يعرف عنه الكثير قبل أن يصبح وزيرا ومرشحا منتخبا عن الدائرة 16 بباريس. التقى ايمانييل ماكرون مع منير المحجوبي بفضل الرئيس السابق فرنسوا هولند، فقد كان المحجوبي رئيسا للمجلس الفرنسي للتكنولوجيا الرقمية، وهو المنصب الذي عينه فيه الرئيس السابق، في 3 فبراير 2016، وهي هيئة استشارية، حينها كان ايمانييل ماكرون وزيرا للاقتصاد في حكومة ايمانييل فالس قبل أن يؤسس في أبريل من سنة 2016 «حركة إلى الأمام»، أما المحجوبي فقد التحق بها في يناير 2017، بعد سنة من المسؤولية بمجلس التكنولوجية الرقمية ليكلفه ايمانييل ماكرون بالجانب الرقمي في حملته. استمرار التهديد الإرهابي وإحباط العديد من المحاولات بفرنسا وأوروبا استمرالرئيس الجديد منذ وصوله للرئاسة في سياسة مواجهة الإرهاب مع شركاء فرنسا، بالإضافة إلى المشاركة في الجهود الدولية لمواجهة الإرهاب، سواء بالعراقوسوريا أو بمنطقة الساحل، حيث أخذت فرنسا على عاتقها البحث عن تمويل دولي للقوة الخماسية بمنطقة الساحل الإفريقي. وزيادة على المجهود الدولي ضد الإرهاب تم بهذا البلد إحباط عدة هجومات، منها إحباط محاولة الدخول إلى متحف اللوفر من طرف مهاجم مصري مسلح بساطور، بايع تنظيم داعش في 3 من فبراير، وحاول الاعتداء على دورية عسكرية، دون أن تخلف العملية أي ضحايا، وفي 20 أبريل قتل شرطي وأصيب آخرون إثر هجوم بشارع الشانزلزيه قام به فرنسي من أصول تونسية، وفي 9 من غشت دهست سيارة جنودا فرنسيين في مدينة لوفالوا شمال باريس دون أن تخلف ضحايا، وقام بها مهاجم من أصول جزائرية. ورغم استمرار التهديدات وإجماع المتخصصين على أن القضاء على داعش عسكريا سوف يؤدي إلى عودة العديد من المقاتلين وسيتزايد التهديد، إلا أن فرنسا تجنبت، على العموم، وقوع هجمات كبيرة كما حدث سنة 2015 و2016، حين وصل عدد الضحايا آنذاك إلى العشرات. السياسة الخارجية لفرنسا بين المحاور الكلاسيكية والبحث عن القيام بأدوار جديدة في غياب سياسة واضحة لواشنطن بالمنطقة كان خطاب الرئيس الفرنسي إيمانييل ماكرون أمام سفراء بلده بباريس مناسبة لتحديد الخطوط العريضة لسياسة فرنسا الخارجية، وأكد خلال هذا الخطاب استمرار أولوية محاربة الإرهاب، الذي سيكون أولى أولويات الديبلوماسية الفرنسية، وأن القضاء عليه يمر أيضا من خلال تجفيف مصادره، وفي ما يخص منطقة الخليج العربي بين أن فرنسا لن تختار بين إيران والسعودية في ما يتعلق بديبلوماسيتها، وأن قوتها هي في الحديث إلى جميع الأطراف بالمنطقة. لكن وبعد الأزمة اللبنانية الأخيرة واستقالة الحريري انحازت باريس أكثر إلى الرياض ضد طهران. وملامح هذه السياسة الخارجية في محاورها الكبرى سبق للرئيس الحالي أن عرض بعضها أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية، وقال إنه سوف يستعيد دور بلاده كقوة عظمى بالعالم، خاصة أن ماكرون يعرف أن بلده لا يمكن أن يحقق دوره كقوة سياسية واقتصادية عظمى إلا مع الاتحاد الأوروبي. لهذا فإن ماكرون هو المرشح الوحيد الذي كان واضحا أثناء الحملة الانتخابية في دفاعه عن الاتحاد الأوروبي وضرورته بالنسبة لفرنسا وبالنسبة لأوروبا، التي لا يمكنها أن تلعب دورها أمام باقي القوى الإقليمية دون هذا التكتل الأوروبي الذي تعرض لصعوبات في السنوات الأخيرة آخرها خروج بريطانيا. ويبدو أن السياسة الخارجية لفرنسا تسير في الاتجاه الذي سطره معهد مونتيني الذي تجد دراساته وتوصياته صدى في سياسة بلده، كما أن القمة المصغرة التي شهدتها باريس حول الهجرة والتي اجتمعت في غشت الماضي كانت من أجل حشد الدعم الأوروبي لبلدان المرور من تشادوالنيجر وليبيا نحو إيطاليا، وكذا من أجل إقناع شركائها الأفارقة بإنشاء مراكز تدقيق الهوية بهذه البلدان. فرنسا تنهج سياسة هجرة صارمة مع الرئيس الجديد مع تحمل الرئيس الجديد لمهامه، اختار عقد قمة مصغرة شهر غشت الماضي جمعت مسؤولين أفارقة وأوروبيين من أجل الحد من تدفق الهجرة، هذا اللقاء الذي شاركت فيه المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل وكل من الرئيس التشادي إدريس ديبي ورئيس النيجر محمدو ايسوفو ورئيس حكومة الاتحاد الوطني الليبية فايز السراج، ورئيس الحكومة الإيطالية باولو انجيلينو، ورئيس الحكومة الاسبانية ماريانو راخوي، ورئيسة الديبلوماسية الأوروبية فيديريكا موغيريني، وكان الهدف من هذا اللقاء، حسب مصدر من قصر الإيليزي، هو إبراز الدعم الأوروبي لكل من التشاد، النيجر وليبيا في مراقبة وتدبير موجات الهجرة التي تمر من بلدانهم، وأضاف المصدر أن البلدان الأوروبية، منذ سنوات، قدمت العديد من البرامج لمساعدة هذه البلدان ووقعت اتفاقيات هي أحيانا متضاربة من أجل قطع الطريق على الهجرة غير النظامية، وفي إحدى القمم التي تمت حول الهجرة بين الأوربيين سنة 2015 وضعت ميزانية بقيمة مليار و800 مليون أورو. لكن الهجرة عادت لتحتل، من جديد، الواجهة عبر بوابة المغرب واسبانيا، وهو ما يقتضي من الأوروبيين عقد قمة جديدة لمعالجة هذا المحور عبر المغرب، من خلال اتباع مقاربة شاملة كما تطالب بذلك الرباط، وهي مقاربة تجمع بين الأمني والتنموي، وهي الوحيدة القادرة على حل هذه الظاهرة من خلال برنامج تنمية حقيقي ببلدان الانطلاق والعبور. وجاء في تقرير المعهد حول تقييمه للبلدان المدروسة «أن المغرب يبدو أكثر دول المنطقة استقرارا، مشيرا إلى دور الملكية المحوري في هذا الإطار، معتبرا أن مستقبله واستقراره السياسي مشروط بقدرة عاهله على تحديث اقتصاد البلد وتشجيع توزيع الثروة داخله، وكذا الاستمرار في تطوير النظام السياسي». أما فوق التراب الفرنسي فإن باريس تنهج سياسة صارمة تجاه الهجرة، حسب العديد من المنظمات الفرنسية العاملة في هذا المجال، وانتهت بذلك الوعود التي قدمها الرئيس الجديد أثناء الانتخابات الرئاسية حيث أشاد بسياسة الأبواب المفتوحة للمستشارة الألمانية انجيلا ميركل لكنه اليوم تراجع عن ذلك وعبر صراحة عن عدم تقديمه وثائق الإقامة للمهاجرين القادمين من بلدان لا يتهددها الخطر، بمعنى نعم للاجئين السياسيين من البلدان التي بها حروب ولا للهجرة الاقتصادية، وهو تحول كبير في سياسته مما جعل هذه السياسة محل نقد حتى داخل الأغلبية الحاكمة. مشاركة مغربية متميزة بقمة الكوكب الواحد بباريس بحضور جلالة الملك وولي العهد مولاي الحسن شهدت باريس في شهر دجنبر حدثا سياسيا مهما وهو «قمة الكوكب الواحد» التي شارك فيها حوالي 60 زعيما عالميا، وذلك من أجل رفع التحديات المناخية والبيئية وإيجاد طرق تمويل جديدة سميت بالمالية الخضراء لمكافحة الاحتباس الحراري. وشارك في هذه القمة جلالة الملك محمد السادس رفقة ولي عهده الأمير مولاي الحسن، وبالإضافة إلى مجهودات المغرب المتميزة في مجال الطاقات المتجددة وكذا مجهوده في الحد من الاحتباس الحراري فإن مشاركة ولي العهد هي إشارة على إشراك الشباب والاهتمام بمستقبل المغرب والكرة الأرضية في هذا المجال، لكن بعض البلدان مثل الولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها ترامب اختارت، للأسف، معاكسة هذه الاختيارات وعدم الالتزام بقضايا الحد من الاحتباس الحراري وتزايد التلوث. لقد كان مستقبل البشرية هو الرهان الأساسي لقمة الكوكب الواحد، والتي دعا إليها الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون، مما يعني أن مسؤولية الكوكب الذي نعيش عليه هي مسؤولية جماعية والحفاظ عليه هو واجب جماعي لكل دول العالم من أجل تسليم كوكب نظيف وحي للأجيال المقبلة من خلال تشجيع تكنولوجيا وتمويل أخضرين، وهو رهان على مستقبل دخلته أغلب بلدان العالم، منها المغرب الذي أصبح نموذجا بالقارة السمراء وباعتراف دولي.