عاشت فرنسا وأوروبا سنة دامية منذ بداية 2016 ، على غرار سنة 2015 التي عرفت بدورها العديد من العمليات والضحايا، ونجح التنظيم الإرهابي لداعش في نقل العنف إلى أوروبا رغم ازدياد قوة الضربات التي تلقاها بالعراق وسوريا وتراجع قوته في هذين البلدين. هذه العمليات الدموية التي مست فرنسا مند 2015 أدت إلى العديد من الانعكاسات السلبية على المهاجرين وازدياد الإسلاموفوبيا وكراهية الأجانب وتقوية التيارات الفاشية واليمينية المتطرفة سواء بفرنسا، ألمانيا ،بلجيكا أو ببريطانيا، والتي أصبحت تتلقى دعما كبيرا من الرأي العام الفرنسي والأوروبي. مراسل جريدة الاتحاد الاشتراكي بباريس يوسف لهلالي يرصد أهم الأحداث الدموية التي عرفتها فرنسا وانعكاساتها على الرأي العام.خاصة أن هذه التهديدات مازالت مستمرة، وتتوقع أجهزة الأمن في هذه الدول عمليات أخرى،وهو ما ينذر بتعقد الأوضاع بالقارة العجوز ويسهل وصول الحركات المتطرفة والفاشية إلى الحكم بعدد من البلدان الأوروبية منها فرنسا التي ستعيش انتخابات رئاسية وتشريعية في أقل من 9 أشهر، الأمر الذي أدركته العديد من المنظمات الإرهابية مثل داعش التي ستعمل جاهدة لتسهيل هذا الوصول. أدانت الأممالمتحدة انتشار خطاب كراهية الأجانب وسط المجتمع الفرنسي والهجوم على الأقليات بفرنسا، هذه الكراهية التي أصبحت شيئا «مبتذلا»حسب ما ورد في التقرير الذي نشر في شهر ماي 2015. و في هذا السياق نلاحظ تحول اليمين المتطرف و»السلفية الفرنسية»، التي تحن إلى الماضي الاستعماري وإلى ماضي نظام فيشي المتعاون مع النازية، من معاداة السامية إلى معاداة الإسلام وكراهية الأجانب. وهذا التحول نلاحظه أيضا داخل حزب الجبهة الوطنية العنصري و مؤسسه جون ماري لوبين الذي لا يخفي معاداته لليهود بالأساس وللهجرة بصفة عامة، وورثته السياسيون كابنته البيولوجية مارين لوبين وحفيدته ماريشال لوبين اللتين تتميزان بكراهيتهما للمسلمين والإسلام بفرنسا على الخصوص، وتحاولان تجاوز الجبهة بشكلها التقليدي المعادي لليهود والسامية على الخصوص.وهو ما يلاحظ على مستوى الخطاب السياسي والتصريحات الصحفية المستفزة والمثيرة التي أصبحت تهاجم الأقلية المسلمة بفرنسا، من قبيل ادعاء أنه يتم «فرض اللحم الحلال على الفرنسيين» وأن «المسلمين يحتلون الشوارع أثناء تأدية الصلاة» وأنهم «لا يحترمون اللائكية الفرنسية وقوانينها». وهذا التغير في الاستراتيجية العنصرية لأكبر حزب فاشي يعود لعدة اعتبارات، أهمها أن معاداة الإسلام أو الإسلاموفوبيا هي موضة بفرنسا وأوروبا، وستمكن من التقدم في الانتخابات وتسهيل الحصول على الأصوات. هذا بالإضافة إلى أن معاداة مسلمي فرنسا عملية سهلة وغير مكلفة سياسيا بخلاف معاداة اليهود والسامية ،وهو ما يفسر إزاحة جون ماري لوبين من طرف ابنته، ذلك أن معاداته للسامية وعنصريته الواضحة ضد الأجانب أصبحت مكلفة سياسيا، وتعوق وصول هذا الحزب إلى السلطة ومراكز القرار. كما أن اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبين يؤول اللائكية بالشكل الذي يريد من أجل استعمالها ضد مسلمي فرنسا، كما يستعمل التطرف والظلامية التي سقطت في شباكها أقلية صغيرة جدا بمن فيها التي اختارت الالتحاق بالمنظمات الجهادية والإرهابية مثل داعش.وهو يردد في خطاباته أن هؤلاء «الأجانب» عاجزون عن احترام اللائكية، هذه الأخيرة التي لا يفهم معناها عدد كبير من الفرنسيين والذين يعتبر أغلبهم إنها تعني معاداة الدين، وجزء كبير منهم يظنون أنها تعني معاداة الإسلام،وقد استطاع حزب الجبهة الوطنية استغلال هذا اللبس واستعماله بشكل أقرب لمتطرفي هذا التيار، وهو ما مكنها من توسيع أنصارها خاصة وسط بعض المثقفين والمعلقين الصحفيين ذوي الشهرة الكبيرة، مثل أريك زمور وفينكيل كروت. بالإضافة إلى تيارات فيشي التي تحن لفرنسا المتعاونة مع النازية أو فرنسا الاستعمارية و كذا مختلف مجموعات التيارات الهوياتية التي تحافظ على هياكلها المستقلة لكن يدعم أغلبها حزب الجبهة الوطنية في المناسبات الانتخابية الكبرى. وهذا النوع من الخطاب المعقد والتأويل الخاص باللائكية الفرنسية ينطلي على عدد كبير من الفرنسيين بمن فيهم الذين لهم أصول مغاربية والمستهدفين من طرف هذا الخطاب باسم اللائكية الفرنسية التي تعني ،حياد الدولة والإدارة تجاه مختلف الأديان والمعتقدات التي يمارسها الفرنسيون. وحول قضية الهوية الوطنية التي تطعم هذا الخطاب، فقد سبق للرئيس السابق نيكولا ساركوزي أن استعملها في انتخابات 2007، وأسس وزارة خاصة بها، كما اقترح في شهر غشت 2016 العودة إلى هذا النقاش أثناء ترشحه للانتخابات الأولية لحزب الجمهوريين. وعن تطور وتصاعد الجبهة الوطنية العنصرية في المشهد السياسي الفرنسي، من حزب هامشي يمثل المتطرفين العنصريين إلى حزب ينافس كبريات الأحزاب الفرنسية، بل يتجاوزها في الترتيب من حيث عدد الأصوات المحصل عليها ، صرح حسن بنطسيل العلوي وهو أستاذ متخصص في القضايا اللغوية والثقافية بجامعة باريس نانتير أن «النتائج التي حققتها الجبهة الوطنية كانت متوقعة، فأحداث 13نونبر 2015 التي ضربت باريس زادت من قوة هذا الحزب المتطرف. لكن الخاسر الأكبر بهذه الانتخابات هي الجالية المسلمة وخاصة الجالية المغاربية، لأن خطاب هذا الحزب المتطرف يستهدف بالدرجة الأولى العرب. ورغم انتماء مارين لوبين زعيمة الجبهة الوطنية إلى الفئات البورجوازية فقد استطاعت أن «تلتصق بهموم ومشاكل المجتمع الفرنسي.وهو ما جعل الأحزاب الكبرى سواء اليمين أو اليسار الذي يدافع عن الجاليات الأجنبية يصبح اليوم ثانويا ومتجاوزا ولا تلقى أفكاره تجاوبا في المجتمع الفرنسي. وقد فرضت زعيمة هذا الحزب، نوعا من المصداقية على مستوى خطابها الذي أغرى الكثيرين، وهو وضع مفاجئ ومؤسف في نفس الوقت، ويمس فئة من الشباب ما بين 18 و35 سنة وهي ظاهرة غير صحية في المجتمع الفرنسي.» وهو ما يؤكد ،يضيف الأستاذ حسن بنطسيل، تصاعد هذه الظاهرة التي تغذي طيور الظلام وسط بعض الشباب المتطرف ووسط اليمين المتطرف الفرنسي الذي ينتعش من ارتفاع العنصرية وتزايدها. وهو ما أكدته العديد من الدراسات والتقارير كتقرير الأممالمتحدة الذي أشرنا إليه في بداية هذا المقال.