بعد خمسة أشهر من اندلاع أزمة مفتوحة بين الأب وابنته، تخللتها حرب كلامية عبر وسائل الإعلام وملاحقات قضائية، قرر حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، طرد مؤسسه وزعيمه على مدى أربعة عقود، جان ماري لوبن، من صفوف الحزب إثر تصريحاته العنصرية الأخيرة . وجاءت عملية الطرد بأغلبية أعضاء المكتب التنفيذي للجبهة الوطنية، إثر اجتماع استمر ثلاث ساعات لم تشارك فيه ابنته مارين لوبن، التي ترأس الحزب. وبذلك وجد الزعيم التاريخي لليمين الفرنسي المتطرف الذي نجح في الوصول إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في 2002، نفسه منذ أيام خارج الحزب الذي أسسه وقاده لنحو أربعين عاما. وفيما أعرب جان ماري لوبن المعروف بتصريحاته الحادة والعنصرية التي كلفته إدانات كثيرة أمام القضاء، عن غضبه حيال قرار الطرد وأكد قبل يومين أنه سيلجأ إلى القضاء لإبطال هذا القرار توالت على وسائل الإعلام ردود فعل متباينة ما بين مؤيد للقرار بحجة أن لوبن لا يؤمن بغير التطرف والعنصرية، ومعارض يعتبر القرار مناورة "دنيئة" من قبل ابنته مارين لوبن للاستفراد نهائيا بالحزب. وبقرار الطرد يدخل حزب الجبهة الوطنية في أخطر أزمة في تاريخه منذ تأسيسه عام 1972، يغذيها بين الفينة والأخرى نزاع و تلاسن بين لوبان الإبنة و لوبان الأب على خلفية تصريحات نارية صادرة عن هذا الأخير تجاه اليهود والمهاجرين جعلت زعيمة الحزب مارين لوبان تشعر بالحرج وهي التي تحاول إبعاد صفتي "العنصرية" و"معاداة السامية"عن حزبها في محاولة لجلب أكبر عدد من الأصوات في الاستحقاقات المقبلة التي ستعيشها فرنسا وفي مقدمتها الانتخابات الرئاسية التي ستشهدها البلاد عام 2017. والجبهة الوطنية، واسمها الرسمي الجبهة الوطنية من أجل الوحدة الفرنسية، تأسست سنة 1972 على يد اليميني المتطرف، جان ماري لوبن، وتتشكل من تيارات تقع في أقصى اليمين ممن تبقى من المعجبين بحكومة فيشي والمتعاونين مع النازية ومن كاثوليك وقوميين متطرفين من توجهات مختلفة. وتصنّف في الأوساط السياسية الفرنسية على أنها حزب يميني متطرف ذو نزعة فاشية تضمر العداء المطلق للهجرة وتعتبر المهاجرين خطرا حقيقيا على الهوية والثقافة الفرنسيتين، وتطالب بإعادة هؤلاء إلى بلدانهم الأصلية وبالتوقف عن بناء المساجد وتعزيز السيادة الوطنية. وقد حاولت مارين لوبن منذ توليها رئاسة الحزب عام 2011، تلطيف مواقفها وتصريحاتها العنصرية حتى إن وسائل الإعلام الفرنسية تجمع على وصفها بأنها أكثر ديمقراطية من والدها، جان ماري لوبن. فهي تسعى إلى تخفيض الهجرة إلى فرنسا، بينما يسعى والدها إلى إلغائها تماما والعودة بها إلى الصفر. كما تحرص على إبقاء حزبها فوق أية شبهات بشان معاداة السامية وإنكار محرقة اليهود. وفيما كان والدها يصف غُرف الغاز بأنها "مجرد تفاصيل لا قيمة لها في تاريخ الحرب العالمية الثانية"، أعلنت في فبراير 2011 بأن المعسكرات النازية هي "ذروة الوحشية". كما تحرص مارين لوبن، وهي محامية وأم لثلاثة أبناء ومطلقة مرتين، على المجاهرة بقناعاتها العلمانية ولو اثأر ذلك استياء الجناح الكاثوليكي المتطرف في حزبها. وهي تتسلح بمبادئ العلمانية هذه لشن حملة شديدة على "أسلمة فرنسا"، حيث يعتبرها البعض "نسخة مقبولة وملطفة للمنتج ذاته" الذي هو والدها. وفي آخر دليل على هذا الأسلوب الجديد لليمين المتطرف الفرنسي، قررت مارين لوبن إقصاء مندوب شاب للجبهة الوطنية اثر ظهوره في صورة يؤدي التحية النازية، مثيرة استنكار شريحة من تنظيمها السياسي وفي طليعتها والدها. ومنذ توليها رئاسة الحزب في 2011، حاولت توسيع شعبية الجبهة الوطنية من خلال طرد متطرفين وشن حملة صارمة على التصريحات العنصرية ومعاداة السامية. وكان البرلمان الأوروبي قد رفع عنها في دجنبر 2010 الحصانة البرلمانية بسبب تصريحاتها حول صلاة المسلمين في الشارع والتي وصفتها ب"الاحتلال من دون دبابات ولا جنود"، ففيما قرر القضاء ملاحقتها بتهمة "التحريض على الكراهية والعنصرية".