أود في مداخلتي أن أقوم بمقارنة بعض توجهات السياسات العمومية بالمغرب فيما يخص المرأة القروية وتركيزا المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وتموقع المرأة في محيطها الآني عبر خلق دينامية تنموية لصيقة بظروفها المعيشة. هذه المقارنة ترتكز على وجهة نظر أنثربولوجية ميدانية تلعب فيها المؤهلات الرمزية والثقافية دورا أساسيا لفهم تواجد المرأة في الجماعات المحلية ودورها المحتمل كرافعة للحكامة الجيدة. لأخلص بأن إدماج المرأة القروية في التسيير وتدبير الجماعات رهين بإيجاد حلول على المدى القريب والبعيد لعدم تأهيلها وضعف تكوينها. إن وضع المرأة بالمناطق الذي شملها البحث الميداني لايؤهلها للاضطلاع بموقع في المشاركة السياسية للمناطق القروية. فمؤهلاتها وتكوينها تجعلانها خارج خريطة الجماعات المحلية القروية. فالخصاص ذو طبيعة بنيوية لاظرفية لأن الإشكال ليس إشكالا قانونيا تنظيميا أو بالأحرى يرتبط بالتمثيلية النسوية بالمجالس الجماعية لكنه إشكال ذو طبيعة عضوية أي أن ما ينقص المرأة بالعالم القروي هو تأهيلها لاستيعاب رهانات المشاركة السياسية وتدبير الحكامة الجيدة. وكل المعطيات حول المرأة بالعالم القروي نسبة أميتها (60%) عدم استقلاليتها، وجودها خارج دوائر القرار... تثني على المراهنة على دورها السياسي والتمثيلي في تنمية مجالها واعتمادها كرافعة للحكامة المحلية. Passage du plafond de la revendication du principe de l'égalité à celui de la parité. Quelles perspectives et quelle viabilité ? Est-ce que le Maroc est prêt pour accepter un gouvernement présidé par une femme ? لهذا يستوجب لزاما تشخيص علاقة المرأة القروية بتنمية مجالها لفهم وصبغ آفاق مشاركتها السياسية وأن دورها كرافعة للحكامة المحلية يرتكز على موقعها داخل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وتمثيليتها داخل الهياكل التفعيلية للمبادرة الوطنية: - (Comité provincial de développement humain CPDM) - Comité local de développement humain (CLDH) - L'équipe d'administration communale (EAC) من هذا المنظور يمكن أن نقول أن تمثيلية المرأة تكاد تكون منعدمة ليس إقصاءا لها أو أن مجال التسيير الجماعي هو مجال ذكوري ولكن لعدم تأهيلها للقيام بهذه المهام مع أن جميع الهيئات التي تسير وتؤطر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تؤكد على وجوب تمثيلية المرأة. وأمام هذا الإشكال الوجودي والعضوي يمكن أن نتساءل هل المرأة فاعل أم مفعول به في إطار المشروع المجتمعي المغربي؟ للجواب على هذا التساؤل سنعمل على تشخيص موقع المرأة في العالم القروي ودورها في تنمية هذا المجال خارج السياسات العمومية المعتمدة. كيف يمكن قراءة هذا الدور؟ كيف يمكن إدماجه كرافعة للحكامة المحلية من خلال مقاربة سياقية (Contextualisation) ؟. يمكن اعتبار مكانة المرأة في مشروع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية مكانة متميزة باعتبارها عنصرا من الفئات التي تعاني الفقر، الهشاشة والتهميش (pauvreté-précarité-exclusion) وهذه هي اللبنات العميقة التي بنيت عليها المبادرة الوطنية بل إن المرأة تمثل تجسيدا مباشرا لهذه المعضلات الاجتماعية الثلاث (Voir Manuel pour la mise en œuvre du programme de lutte contre la pauvreté en milieu rural – volume 2- Juin 2006). لكن بعض مرور سنوات على الإعلان الملكي عن المبادرة الوطنية في 18 ماي 2005، أضحت النتائج غير مرضية بل لم ترتقي إلى ماكان متوخى منها واقترحت عدة برامج موازية من بينها "مقاولتي" التي وقف على عدم فعاليتها ونجاعتها ليتم في الآونة الأخيرة المراهنة على دينامية "الطبقة الوسطى" للخروج من الأزمة الاجتماعية. السؤال الذي يطرح نفسه هو هل للمرأة القروية آلياتها الخاصة للتأقلم مع مجالها الذي يعرف تحولا جدريا (تمازجه بالعالم الحضري) وفي نفس الوقت يتشبت تشبتا عضويا بالثنائيات الرمزية: الرجل/المرأة – المقدس/ اللامقدس الشرف / العار، القبيلة / العديان، الافتخار/الذل.. هل آليات الحكامة (بمفهومها الأكاديمي والسياسي) بمكن أن تعيد الاعتبار للمرأة في عالم يتشكل بها ويتمفصل حولها. يمكن اعتبار الهشاشة التي تعيشها المرأة القروية هشاشة بنيوية لأنها تمس أشكال تواجدها بمجالها. وهذه التمظهرات البنيوية ترتبط بأميتها وعدم تصدرها مواقف القرار و كذلك إلى وضعيتها الغير الآمنة من حيث الأجر والشغل وحالة الفقر التي تميزها وانتمائها إلى مجالات مغلقة لاتستفيد من البنيات التحتية الضرورية. لهذا فإن المرأة تجسد حسب تعريف التعاون الوطني (voir les précarités au Maroc concept et typologie 2008 page 15) جميع مراحل الهشاشة، ما قبل الهشاشة (pré- précarité) الهشاشة (précarité) وما بعد الهشاشة (post-précarité) كيف نضمن لها إذن أن تقوم بدور فعال في الجماعات المحلية وأن تكون رافعة للحكامة المحلية؟ يمكن أن نجزم بأن الأمية هي من الأسباب المباشرة والبنيوية لعدم تأهيل المرأة القروية حيث يصل معدل أميتها إلى 54,7% حسب الإحصاء العام لسنة 2004. في هذا السياق يحدد دور اكتساب المعارف في قياس مستوى الهشاشة بالاعتماد على عنصرين (1) القراءة كمعرفة مكتسبة في المدرسة و(2) التدبير اليدوي أو ما يمكن للأشخاص أن ينجزوه بأيديهم. (Cf. Les précarités au Maroc. Concept et typologie : 2008 – page 80) فيما يخص المقياس الأول فهو عامة ينتج عنه عمل (مرضي أو غير مرضي أو في بعض الأحوال العطالة) أما فيما يتعلق بالمقياس الثاني أي التدبير الشخصي (savoir faire) فيحيل على مهن غير مربحة وتتطلب مجهودا بدنيا مضنيا وأصحابه يعيشون وضعية هشاشة مستدامة. وحسب نفس المصدر فالنساء هم اكثر عرضة لهذه الوضعية. فولوج المرأة القروية عالم الحكامة المحلية يبقى بعيد المتناول إذا ما افترضنا أن الحكامة تلزم نوعا من اللامركزية (Décentrement) في اتخاذ القرار مع تعدد الفاعلين والهيئات المتدخلة. فهي تنبني على طرق جديدة للتدبير والتكييف أساسها التشاركية بين عدد من الفاعلين لذا في الحالة التي تهمنا فوضع المرأة القروية لا يساعدها للمشاركة في حسن تدبير مجالها لا سيما أن المتدخلين والفاعلين الآخرين يتوفرون في مجملهم على معرفة مكتسبة من المدرسة بيد أنها لاتجيد إلا معرفة "يدوية". فإذا كان الهدف من الحكامة الجيدة دعم الديموقراطية وحقوق الإنسان، النهوض بالاقتصاد، تمتين الترابط الاجتماعي، تقليص الفقر، حماية المجال وترشيد استعمال الطاقات الطبيعية وتقوية ثقة الساكنة في عمل وتدبير الدولة، يبدو أن تأثير المرأة القروية (مع اعتبار مؤهلاتها) في الحكامة المحلية يكاد يكون غائبا، فالتأهيل يمر أساسا عبر التمدرس الممنهج والتكوين على التدبير والتسيير الجماعي. تجد ر الإشارة إلى أن العزوف المسجل في انتخابات 2007 يمكن أن ننسبه إلى عدم اضطلاع الأحزاب بحكامة ديموقراطية تلتقي فعليا مع انخراط المواطنين، ومن المنتظر أن تكون لعدم بروز هذا المقياس "الحكامة" تداعيات على المشاركة المقبلة في الانتخابات. أما فيما يرتبط بمكانة المرأة في هياكل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية فيظهر أنها بوئت مكانة استثنائية حيث أكد المشروع على تمثيليتها على جميع المستويات (Voir Initiative nationale de Développement humain (INDH) manuel pour la mise en œuvre du programme de lutte cotre la pauvreté en milieu rural Juin 2006 ) كما ارتكزت المبادرة عل دعم الديمقراطية ودولة الحق والقانون والدفاع عن حقوق المراة والطفل في جميع الميادين الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية من خلال مبادئ الحكامة الجيدة ونهج مقاربة تشاركية بين المستفيدين والفاعلين في التنمية المحلية. إذن فهذه المبادرة تتمحور حول اللجن الجهوية والمحلية لتدبير المقومات المحلية ومساعدة الأشخاص الذين يعيشون أوضاعا صعبة. لهذا تمفصلت المبادرة الوطنية حول هياكل بذاتها مثل * اللجنة الجهوية للتنمية البشرية ((CRDH التي تضم النسيج الجمعوي الجهوي (جمعيات النساء) * اللجنة الإقليمية للتنمية البشرية (CPDH) التي تقوم المشاريع المحلية للتنمية البشرية (ILDH) المقترحة من طرف اللجن المحلية للتنمية البشرية (CLDH) وتضم كذلك ممثلين عن النسيج الجمعوي. * اللجنة المحلية للتنمية البشرية: ومهمتها إنجاز مونوغرافيا عن الجماعة أو الدوار وتشخيص تشاركي لتحديد الحاجبات والأولويات بتشاور مع الساكنة وبلورتها كمبادرة محلية للتنمية البشرية. * فريق التنشيط الجماعي (EAC Equipe d'Animation communale) وظيفته الأساسية هي التواصل مع الساكنة وإعلامها بالمقترحات والتشاور معها وتأطيرها وتوزيع المراجع عليها (النساء أميات؟) وما يهمنها في هذه الهياكل هي تمثيلية المرأة. والهياكل التي تستأثر اهتمامنا بشكل مباشر وبعلاقة وطيدة مع تموقع المرأة في الجماعات المحلية هي اللجنة المحلية للتنمية البشرية (CLDH) وفريق التنشيط الجماعي(EAC) . فبالنسبة لفريق التنشيط الجماعي تتكلف مديرية العمل الاجتماعي (DAS) بانتقاء وتكوين أعضائه. ومن بين شروط الانتقاء استيفاء مقياس التمدرس وهو ما ينقص المرأة القروية. في هذا السياق يمكن اقتراح أن يتم إلحاق بعض الفعاليات النسائية الحضرية بالمجال القروي لكون أنها تنتمي لدوار بعينه أو لآخر. لكن الإشكال الحقيقي هو أن مشاركتها في تدبير الشأن المحلي رهين "بشهادة سكناها" إذ أنه لايمكن أن تنتخب أو تنتخب في قريتها أو دوارها إلا في حالة تطابق عنوان بطاقة تعريفها الوطنية مع عنوانها بدوارها أو قريتها. فوظيفة فريق التنشيط الجماعي تخول له مهمة التواصل واللقاء مع الساكنة فما مدى تأهيل المرأة لهذه المهمة؟ (contact de communication et communication de contact) تحرص هيكلة اللجنة المحلية للتنمية البشرية على أن تكون التمثيلية بتساو بين النساء والرجال. وكشرط أولي أن توجد ثلاث نساء ضمن الأعضاء. كما تؤكد الهيكلة كذلك على أن تكون من بين أعضاء فريق التنشيط الجماعي إمرأة. إلا أن شروط الانتقاء من قبيل أن يكون العنضو من المنتخبين أو الموظفين المحليين أوممثلو المجتمع المدني تنتفي في غالبيتها عند العنصر النسوي بالعالم القروي. هل المرأة إذن داخل مجالها هي عنصر سلبي أو مفعول به في دينامية التنمية المحلية؟ أو أوجدت لنفسها حركية ميدانية تبوؤها دور الفاعل المباشر في محيطها الجغرافي؟ أمام استعصاء دينامية ومستوى السياسات العمومية، دبرت المرأة القروية مجالها بطريقة مباشرة. لهذا سوف أحاول أن أطرح إشكالية تموقع المرأة في مشروع التنمية الوطنية من خلال مقاربة انثروبولوجية بالوقوف على بعض الإستنتاجات الميدانية مستقاة من بعض المناطق وتحديدا جهة تادلا أزيلال وجهة الرباطسلا زمور زعير. في هذا السياق سأروم الإجابة عن تساؤلين: الأول يتعلق بمفهوم التنمية عند المرأة القروية والثاني يخص تحديد مكانة المرأة القروية في التنمية : هل هي فاعل أم مفعول به؟ ارتباطا بالتساؤل الأول وهو ذو طبيعة نظرية، يمكن أن نعتبر أن مفهوم التنمية بمحتواه الإيديولوجي السياسي والأكاديمي ليس حاضرا عند المرأة القروية، إذ يبدو أنه مجرد بناء مفاهيمي لايلج "الأسواق الأسبوعية" بل يبقى حبيس المدارات الحضرية. فإذا افترضنا أن هناك تصور قريب وآني للتنمية عند المرأة القروية فهذا التصور يرادف مفهوم "المعاونة" أي إعانة من طرف السلطة لمساعدة المرأة للخروج من وضعية الهشاشة والتهميش والفقر. أما التساؤل الثاني، والذي يعتمد مقاربة التشخيص لتحديد مكانة المرأة القروية في مشروع التنمية المجتمعي، سأقدم عدة أمثلة على نماذج انخراط المرأة في محيطها وإعادة تصريف بعض آليات الإنتاج. يجب الإشارة إلى أن آليات البحث المستعملة هي الاستجواب والملاحظة التشاركية. من خلال معاينتنا لبعض الأسواق في منطقة الرباطوبني ملال (سبت مرشوش- جوطية لمحاريك- تاكزيرت – زواير - ولاد يوسف- ولاد مبارك – ثلاث أولاد عزوز – حد الكاموني) يظهر أن المرأة تساهم في تنمية مجالها عبر ملء الفراغات التي خلفها تراجع الرجل في بعض الفضاءات. ففي منطقة بني ملال تقلص دور الرجل في وظيفة "الراعي" حيث أصبحنا نجد راعيات (سراحات) عوض رعاة (سراحة) وذلك لتعاطي شباب المنطقة للهجرة (الحريك) إلى إيطاليا والتي أصبحت قيمة اجتماعية في هذه المنطقة (اللي راجل هو اللي تيحرك / تحركي وتسيري/ "اللهم البحر وماجوا ولا البر وعجاجو) اليد العاملة في الحقول: في مجملها نسائية – وهذا ما يلاحظ في بدايات النهار عندما تجتمع أعداد كبيرة من رواد الموقف لكي يختاروا للعمل في الحقول المجاورة. أما عن اليد العاملة الذكورية قد اتجهت إلى حرف أخرى أو اشتغالات أخرى مثل بيع السجائر تلميع الأحذية أو باعة متجولون وذلك من أجل توفير المبلغ المالي المطلوب للحريك. كما تعرف الأسواق الأسبوعية في السنوات الأخيرة نوعا جديدا من القطاعية (sectarisme) يتمثل في ظهور قطاع نسائي داخل فضاء السوق، وهذا القطاع يختص في بعض المنتوجات مثل البيض، اللبن، الزبدة، السمن، الأعشاب (مسيطا، مروت، الدفلة ...) وهذا ما تمت معاينته في سوق "سبت مرشوش" وسوق "حد الروماني" بجهة الرباط. لذا وجب التأكيد على أن التقسيم القطاعي التقليدي داخل السوق (الشفناجة- الحجامة- الكزارة، الخضارة...) إنضاف إليه قطاع جديد ألا وهو قطاع منتوجات النساء. فالمرأة في هذا السياق تساهم بشكل مباشر في تنمية محيطها بإعانة زوجها ودعم المدخول العائلي ومد السوق المحلية بمواد تختص هي وحدها في إنتاجها، كما أن أجوبة النساء كانت جلها تصب في إصرار المرأة على لعب دور هام في المساهمة وتدبير الاقتصاد العائلي بضخ رأسمال جديد في تسيير البيت وإعانة الزوج على المصاريف (نتعاونو على الزمان). ويجب كذلك التذكير بدور نفس النساء فيما يسمى بالاقتصاد الغير النقدي (économie non monétaire) والذي يتشكل حول الفلاحات المعيشية، الإنجاب، تربية الأطفال، الأعمال المنزلية،... كما تمكنت بعض النسوة ينتمين للمدارات القروية لزعير من تدبير بعض آليات الإنتاج وذلك عبر إنشاء مكان مخصص لها داخل الفضاءات الحضرية. أسوق لهذا مثال "جوطية لمحاريك" بجماعة يعقوب المنصور بالرباط حيث أن نسوة المدارات القروية تمكنت من خلق سوق للملابس المستعملة أطلق عليها إسم "مكامول" على شاكلة السوق الممتاز المتواجد بالوسيسي « Mega Mall » يتمثل نشاط هذه النسوة القرويات في بيع الملابس التي يجمعن من خرجات التسول التي يقمن بها في مدينة الرباط وتتراوح أثمنة الملابس بين خمسة دراهم و20 درهم مما نتج عنه رواج وإقبال من طرف جميع الشرائح المجتمعية لاسيما الطبقة الوسطى. هذه الآلية من الإنتاج تدخل في نوع جديد من تصريف ما يسمى ب"حرف الفقر" (métiers de la misère) ك"نساء المراحيض" (femmes Toilettes) والنادلات في المقاهي الذكورية وبائعات السجائر بالتقسيط وحارسات السيارات ، وفرص العمل الموسمية مثل تلك التي تقترن بمرحلة الانتخابات التي تمكن بعض الفتيات من إيجاد عمل لمدة لاتقل عن شهر بمناسبة الاستحقاقات الانتخابية. وفي مقابل هذه الآليات الجديدة للإنتاج تبقى وضعية المرأة داخل المجال القروي أكثر عرضة للتهميش والإقصاء الرمزي في محيط يتميز بمنظومة قيمية يشكل الرجل فيها الأساس والمرجع. والأمثلة على هذه الوضعية كثيرة. ففي دوار الضاية بسبت مرشوش تمتهن النساء الدعارة ويشكل السعي اليومي لجلب المال أهم أنشطة المرأة. أما في منطقة بني ملال فالشابات يشكلن راسمالا للعائلة حيث يتم تحضيرهن للزاوج بالمهاجرين من إيطاليا وهو مايمكن أن يطلق عليه الزيجات المربحة حيث أن الزواج "بالطلياني" يضمن لبعض أفراد الزوجة الالتحاق بها في بلد المهجر، وفي بعض الأحيان يتكلم الأهل عن "الاحتفاظ" بالشابة (réserver) وعدم قبول "الزوج المحلي" وانتظار "الزوج الطلياني". وعلى العموم فإن تطلعات المرأة في كلتا الجهتين موضوع البحث الميداني يمكن وصفها بكونها تطلعات فطرية مثل الزواج وتربية الأبناء كما تشير إليه بعض الأمثال المنتشرة (ولد الشارب يجري عل اللحية وولد اللحية يجري على القبر) أي أن الزواج يجب أن يكون مبكرا لكي تتمكن المرأة من تربية أولادها ومعايشتهم طويلا. كما أن دينامية المرأة في مجالها تتحكم فيه بعض الثنائيات المركزية مثل ثنائية السلطة والمقدس، فمقابل الخوف من السلطة وممثليها (الباشا، المقدم، الشيخ، الدركي، القوات المساعدة،..) نجد التناغم والإقبال على كل ما هو مقدس كالأولياء والأضرحة وأماكن الزيارات التي تتمحور حول تمثلات الأمن الروحي والطمأنينة والسعادة. خاتمة: لقد تم طرح إشكالية مكانة المرأة القروية في مشروع التنمية الوطنية من خلال مقاربة أنتروبوبوجية تعتمد على آليات البحث الميداني لاسيما الإستجواب والملاحظة التشاركية، وكان الهدف من هذه المقاربة هو رصد بعض عناصر تشخيص المجال القروي ارتباطا بتموقع المرأة في مشروع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. في هذا الشأن، تمت مساءلة بعض مضامين هذه المبادرة في علاقتها بموضوع الحكامة المحلية ودور المرأة في التسيير الجماعي، وكان الاستنتاج الأولى أن المرأة لايمكن أن تضطلع بدور فعال في مشروع التنمية والحكامة وذلك لأسباب عضوية وبنيوية تعود إلى نسبة الأمية المستفحلة في صفوفها. ومن النتائج المباشرة لأمية المرأة القروية أنها نجحت في تدبير مجالها وذلك عبر خلق آليات جديدة للإنتاج منها الفراغات التي خلفها انسحاب الرجل من بعض المهن، خلقها لفضاءات جديدة داخل السوق الأسبوعي وداخل المدارات الحضرية، شغلها لمهن مهمشة أو ما يسمى بمهن البؤس، تشكيلها لرأسمال احتياطي للعائلة عبر الزيجات المربحة. أما في الآونة الأخيرة فقد انتشرت ظاهرة "أصناف الرحل" وهي التي تهم النساء القرويات من بعض الجهات (الغرب – تادلا...) اللاتي يذهبن للاشتغال بإسبانيا في رحلة أشبه ما يكون بموسم الهجرة إلى الشمال: رحلة تمتد على طيلة أربع أشهر في حقول الفرولة تحت شمس حارقة. وعدد "نصف الراحلات" وصل هذه السنة إلى 15.600 امرأة. وهذا نوع آخر من التدبير الآني والحكامة المجالية لأزمة الفقر بالعالم القروي يعتمد على مفهوم الترحال « nomadisme » والذي يذكرنا بظاهرة "الحريك" لدى الرجال. *كلية الآداب والعلوم الإنسانية الرباط.