كلما جرى تنظيم تظاهرة فنية أو ثقافية أو حتى رياضية كبيرة في المغرب، إلا وقفز السؤال المحوري المتعلق بمدى استفادة المملكة من احتضان هذه المناسبة إلى واجهة الطرح الإعلامي، حيث إن المفترض أن تجود كل تظاهرة بثمارها على البلاد، إما اقتصاديا أو سياسيا أو حضاريا. المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يعتبر أحد هذه المهرجانات الفنية الكبيرة التي ينشد منها الكثيرون قطف ثمار تفيد البلاد والعباد، خاصة على مستوى الإشعاع الدولي الذي يمكن أن يضيفه إلى المملكة، من خلال استقطاب أعداد وفيرة من السياح، فضلا عن تحصيل مرافق "المدينة الحمراء" لعائدات مالية واسعة. ويعتبر البعض أن تنظيم مهرجان سينمائي من طراز عالمي في حجم مهرجان مراكش الدولي، يستضيف كل سنة أشهر نجوم الشاشة الفضية في العالم، ليس ترفا فنيا يهدر فيه المغرب أمواله، بل استثمارا ثقافيا وفنيا يفيد البلاد، كما يمنح فرصة لتطوير السينما المغربية من خلال الاحتكاك بعمالقة هذا الفن، من ممثلين ومخرجين وتقنيين. الناقد السينمائي، محمد اشويكة، لا يشاطر الرأي باستفادة السينما المغربية من مهرجان مراكش للفيلم، حيث قال إن الكثيرين يتساءلون عن مدى استفادة السينما الوطنية منه، وهو سؤال مقلق وتاريخي بالنظر إلى تجدده منذ أن أصبح الفرنسيون يشرفون عليه بشكل مباشر، وبعد أن أعاد المغاربة أخطائهم نفسها الشائعة في التنظيم. وأفاد اشويكة، في تصريحات لجريدة هسبريس، بأن الجانب السلبي للذهنية الفرنسية ورثه المغاربة أيضا، ف"الفرنسيون يجعلون الصداقة خاضعة للمصلحة، ويعرفون كيفية احتواء المُعَارِض الإيجابي، أما المغاربة فيفكرون في الشلة أولا وأخيرا، ويقصون المُعارض ولو كان وطنيا". واعتبر المتحدث أن الاستفادة "تقترن بالحجم الذي يخصصه المهرجان لسينما البلد المنظم، واللقاءات التي تكون بين مهنييه والمنتجين الأجانب، وصفقات التوزيع التي تحظى بها الأفلام المغربية"، متسائلا: "إذا كان المهرجان لا ينشط حتى قاعات المدينة ويسهم في نفض الغبار عن كراسيها، فكيف ستتحقق الأهداف العليا منه؟". اشويكة أبرز أنه "في كل دورة يشتكي المهنيون من الإقصاء والتهميش، ولا يتم الاعتراف بالنقاد المغاربة الذي لا يأتون عن طريق الإدارة أو الصحافة، رغم أن الأولوية في العروض تعطى للنقاد والصحافة"، مضيفا أن "المهرجان يروم الدعاية، ويتناسى أنها تفشل كلما كانت فارغة من أي محتوى ثقافي". وذكر أن فعاليات المهرجان مركزة بشكل كلي داخل قصر المؤتمرات، الأمر الذي يحولها إلى ما يشبه أية تظاهرة أخرى، فسكان مدينة مراكش قد "ألفوا انعقاد عدة تظاهرات ومؤتمرات ضخمة بهذا المكان المتموقع بمكان استراتيجي بالمدينةالجديدة، مما يجعله شبيها في نظرهم بعروض السيارات والملابس وما شابهها". وزاد الناقد ذاته أن "السينما، في شقها الفني والثقافي، يجب أن تنشط كل المرافق الثقافية بالمدينة، من دور شباب ومسارح، أسوة بكل المهرجانات السينمائية المعروفة، وأن تنفتح على الطلاب والباحثين والجمهور العريض"، مشيرا إلى أنه "يصعب على الناقد والأكاديمي والمهني الحصول على بطاقة لمشاهدة الأفلام في ظروف مريحة". اشويكة استرسل متابعا: "إذا كان هذا حال المهني، فماذا سيحصل بالنسبة للمواطن العادي الذي نريد أن ترقى السينما بمستواه الذوقي، وأن تخرجه من براثن الظلام التي تحف به وتحيطه من كل جانب، ويتواصل معه مروجو أطروحاتها بشكل سلس وسهل يقترن بالقرب، ويدعي التآزر والتكافل"، وفق تعبيره.