ما هي طبيعة اللغة أو اللغات التي تستعملها الأفلام المغربية؟ وهل هناك نموذج لغوي ينبغي اتباعه في إنتاج الحوارات السينمائية؟ وما هي علاقة اللغة القاعدية بالدوارج في علاقتها بالهوية والتعدّد والاختلاف الذي يطبع المكوّن المغربي؟ وباختصار: كيف تكتب السينما المغربية لغتها اليوم؟ هذه بعض الأسئلة التي طُرحتْ خلال المائدة المستديرة التي تمّ تنظيمها أوّل أمس الاثنين بدار الصّنائع بتطوان، على هامش فعاليات مهرجان تطوان الدولي لسينما البحر الأبيض المتوسط في دورته الثانية والعشرين. وهي المائدة التي شارك فيها كلّ من الباحث الإسبانيّ خافْيير إسترادا، والناقد التونسي كميل بن ونّاس، والناقد المغربي محمد اشْويكة، وأدارها الناقد عبد اللطيف البازي. ركّزت المُداخلات الثلاث، انطلاقا من نماذج فيلميّة مُختلفة، على علاقة اللغة بكل من الصورة والتعبير الجسديّ والتاريخ، وقدرة الدّوَارج المغربيّة على التّعبير عن التّعدّدِ المجتمعيّ والتلقي، وكذا أصالة هذا التعبير وعدم افتعاليّته التي تصِلُ حدّ السّخْرية في بعْض الأحيان، فضلًا عن المشكل الذي تطرحه ترجمة الأفلام. فقد وقف الناقد والباحث الإسباني خافيير إسترادا عند الجيل الجديد من المخرجات المغاربة اللواتي عالجن قضايا الهوية والتعبير بالجسد واللغة من خلال الاعتماد على الحوار الداخلي والصمت بين الشخوص. وهي في نظره وسيلة لتعبير المرأة عن تنديدها بمختلف العقبات التي تنتصب في طريقهنّ داخل المجتمع للدخول في الحداثة. أما الناقد السينمائي التونسي كمال بن ونّاس فقد وقف عند ظاهرتيْن اثنتيْن تطبعان اللغة السينمائية المغربية وهما: ارتباط بعض الأفلام المغربية بالذاكرة في محاولة لاسترجاع الماضي السياسي والإيديولوجي بهدف تجاوزه والتخلص منه، من جهة، ومن جهة أخرى ارتباط أفلام أخرى بما سمّاه، بنوع من الحشو، التعبير الذاتي عن الذاتي حيث يتمّ التعبير من خلال الفيلم عن ذوات وأنوات في تفاعلها مع المجتمع في شكل بَوْحٍ واعتراف. وقد طرحت هذه المداخلات الإشْكالية القديمةالجديدة المتعلّقة بسؤال: هلْ تحتاج لغة السينما المبنيّة أساسا على الصورة إلى لغة منطوقة متمفصلة تشكّل في الكثير من الأحيان، كما عبّر عن ذلك الناقد محمد اشويكة، عائقا أمام تمرير الخطاب؟ ما يعضّد ذلك هو أنّ المتفرّج يمكنه أنْ يفهم فيلما صينيا مثلا من خلال المُشاهدة الإجمالية للفيلم دون إضاعة الوقت في قراءة أسفله، حيث يتفاعل مع الناس بكل أحاسيسهم معتمدا على توالي الصور وتنظيم المشاهد واللقطات. لذلك يستخلص اشويكة أنّ مشكل السينما المغربية هو مشكل حوار بالأساس. وما يزيد في حدّة المشكلة هو التّحدي الذي تواجهه السينما المغربية على مستوى التلقي خارج بلادنا، الأمر الذي يعوق انتشارها عربيّا. مثل هذا الطّرح التبسيطيّ أحيانَا يغفل كوْن أغلب صنّاع السينما في بلادنا، من تقنيين ومخرجين وغيرهم، قد درسوا السينما بفرنسا أو ببعض الدول الأوروبية، وبالتالي فهم يعجزون عن التواصل باللغات التي درسوا بها، نظرا لعدم رواجها فاستعملوا الفرنسية كلغة للكتابة والتواصل مع الصحافة وجمهور المهرجانات والتظاهرات السينمائية، وأهمها المهرجان الدولي للفيلم بمراكش الذي يمكن أن يظهر من واجهة مطبوعاته وكاتالوغاته أن اللغة العربية تأتي الأولى فيما هو رسمي، كالإشارة إلى الرعاية الملكية للمهرجان، وما عدا ذلك فالفرنسية تتسيّد في الوسط بحروف ضخمة لتحتل المرتبة الأولى. نشير إلى مسألة أخرى تتعلق بالتكوين، فغالبية مدارس التكوين السمعي البصري تدرس برامجها كليا أو جزئيا باللغة الفرنسية، مما يجعلنا أمام مهنيين لا يتحدثون أو يكتبون إلاّ بها، رغم أن البعض لا يجيدها وغير مطلع على آدابها وفلسفتها وفنها. وها نحن أمام هجنة ما بعدها هجنة، يضيف اشويكة، واضمحلال ما بعده اضمحلال: أفلام هزيلة على مستوى التخييل والإبداع، فلا يمكن للمتشبع بالثقافة الفرنسية التي رفدت الثقافة الكونية بمنجزات أدبية وفنية ضخمة أن ينتج ما نراه اليوم على شاشاتنا. وقد بيّن أحد المتدخلين عن صوابٍ بأنّ مشكلة اللغة الحوارية ليستْ معزولة عن أزمة البناء الفيلمي وبناء الشخصيّة. ففي ظلّ انعدام تصوّر متكامل وبنيويّ لمختلف مراحل البناء تظلّ الإشكالية اللغوية مطروحة.