في شارع بغداد، وعلى بعد أقل من 100 متر من مفترق حيّ الشُّجاعية، شرق قطاع غزة، وفي منطقة تحيط بها الأثار التاريخية، سيّما العثمانية، عثر عمال فلسطينيون على عشرات القطع النقدية الأثرية، خلال قيامهم بأعمال حفر وترميم. وعن حقيقة "الُّلقى الأثرية"، أوضح مدير دائرة "الآثار والتراث الثقافي" بوزارة السياحة، جمال أبو ريدة، أن القطع النقدية المعثور عليها مصنوعة من الفضة، وتعود للعهدين العثماني والإسباني، وترتبط بالقرن ال18. ويبلغ عدد القطع الفضيّة حوالي 56، موزّعة ما بين 54 قطعة إسبانية، تعود لفترة حكم الملك فيليب الخامس، من 1700 إلى 1746 بالتقويم الميلادي، وقطعتين تعودان للعهد العثماني، في الفترة التي حكم فيها السلطان محمود الأول بن مصطفى الثاني، ما بين 1730 و1754، حسب أبو ريدة. يُرجّح أبو ريدة أن تاجراً، كان يقطن في قطاع غزة ،وهي "ولاية غزة" سابقاً خلال فترة الامتداد للدولة العثمانية، قد خبّأ العملات الفضيّة، التي عُثر عليها مؤخراً، في قارورتين صغيرتين مصنوعتين من الفخّار، داخل كوّة في حائط منزله، قبل ما يقارب ال300 عام من الحين. القطعة النقدية الفضيّة الأولى، التي تعود للعهد العثماني وهي من فئة "قرش"، ضُرب على وجهيها بالرسم العثماني "سلطان البرّين، وخاقان البحرين- السلطان ابن السلطان"، منذ ما يقارب الثلاثة قرون، في مدينة القسطنطينية التي هي إسطنبول حالياً. ويشير إلى أن المقصود ب"سلطان البرّين"، أي "ملك برّ آسيا وبرّ أوروبا"، فى إشارة إلى اتساع نفوذ السلطان العثماني في ذلك الوقت. أما كلمة خاقان، فهى تعنى الملك أو "صاحب السيادة العليا"، واستخدمها السلاطين العثمانيين للإشارة إلى سيادتهم على العرب والعجم والترك. وبخصوص المقصود بالبحرين، فهما بحر الروم، الذي هو البحر الأبيض المتوسط الآن، والبحر الأسود. ويبلغ وزن قطعة النقود الفضيّة تلك، حوالي 24 غراما، فيما يصل قطرها إلى 40 مليميترا،، وتقدّر قيمتها بالمقارنة مع العملات المنتشرة اليوم، بما يعادل 28 دولارا أمريكيا. بينما يرى أبو ريدة أن كبر حجم ووزن القطعة العثمانيةي وارتفاع قيمتها النقدية في تلك الفترة، تشير إلى أن ازدهار فترة حكم السلطان "محمود الأول بن مصطفى الثاني". وأما القطعة العثمانية الثانية فهي من فئة ال"يرملك"، وهي فئة أصغر من القرش، ويصل وزنها إلى 13 غراما، فيما يبلغ قطرها 33 مليميترا، فيما تعذّر معرفة النقش التي ضُربت به، وذلك لوجود طبقة كلسية ورملية تغطيها. ويوضح أبو ريدة أن وجود عملات أثرية في قطاع غزة، تجمع ما بين العهدين العثماني والإسباني، هو أمر طبيعي، إذ "كانت المنطقة تشكّل ميناءً تجارياً في تلك الفترة، كما كانت ملتقى بين الشرق والغرب، وجناحين لآسيا وإفريقيا على حدِّ سواء". وأما القطع الإسبانية ال54 فهي من فئة ريالّيْن اثنين، ونقُشت عليها باللاتينيّة كلمة "إسبانيا"، ويبلغ وزن الواحدة منها 5,55 غراما، فيما يبلغ قطرها 27 مليميترا، ويميّز كل قطعة ثقب من الطرف، لكن من أماكن مختلفة. ويرجّح أبو ريدة أن القطع الإسبانية كانت قطعا لا قيمة نقدية لها، مرجعاً ذلك للثقوب التي ظهرت على أطرافها، متابع: "لو كانت هذه النقود ذات قيمة نقدية، أو كان معمول بها في ذلك الوقت، لما كان مالكها ثقبها". من جانب آخر، تذكر هيام البيطار، مسؤولة الأبحاث في وزارة السياحة والآثار، أنه في فترة حكم السلطان العثماني محمود الأول بن مصطفى الثاني اعتادت المرأة، في حفلة زفافها، تزيين رأسها بالقطع الإسبانية، وذلك بعد ثقبها وجمعها بجانب بعضها كقلادة. وحول مصير القطع النقدية الفضية،يقول وكيل وزراة السياحة والآثار بغزة، محمد خلّة، إنه "سيتم عرضها في متحف قصر الباشا، شرق غزة، لكن بعد معالجتها وإخضاعها لعمليات تنظيف وترميم". ويذكر خلّة أن اكتشاف النقود التي تعود للقرن الثامن عشر هو أمر طبيعي في قطاع غزة، خاصة وأن حيّ الشجاعية هو المدينة القديمة للفضاء الحضري. * وكالة أنباء الأناضول