خلف أنماط العنف التي يُذيقها الرجال للنساء، ومهما بلغت حدتها، يختفي خلل نفسي، فالعنف لا يعبر عن قوّة الرجل، وامتلاكه سلطة على المرأة، التي عادة ما ينظر إليها المجتمع المغربي على أنها ضعيفة، بقدر ما يعبّر عن ضعف شخصيّة الرجل المعنّف، وعدم ثقته في نفسه. الدكتورة أمال شباش، الاختصاصية في العلاج النفسي والجنسي، سلطت الضوء على جوانب من شخصية الرجل المعنّف للمرأة، في مداخلة لها ضمن لقاء إعطاء إشارة انطلاق الحملة الوطنية لوقف العنف ضد النساء، صباح اليوم بالرباط، وقالت إن "من دوافع تعنيف الرجل للمرأة افتقاده الثقة في نفسه". وأوضحت المتحدثة، حين حديثها عن العنف الجنسي ضد المرأة، أن "الرجل حين يمارس العنف ضد شريكته لا ينظر إليها كإنسان، بل يراها كشيء يجب امتلاكه والسيطرة عليه"، "حِيتْ مَا تَايْقْشْ فْرَاسُو"، مشيرة إلى أن "العنف الجنسي في المغرب لا يجري الحديث عنه بما يكفي، لأنه ما يزال طابو". غير أن الاختصاصية في العلاج النفسي والجنسي سجّلت "وجود تنام للوعي في صفوف المجتمع إزاء العنف الجنسي"، موضحة أنه من خلال الحالات التي تفد على عيادتها بمدينة الدارالبيضاء تلمس أن جدار هذا "الطابو" يتهاوى، موضحة أن "الرجل والمرأة صارا واعيين بخطورة هذا النوع من العنف، وهناك تطور ملموس في هذا الجانب". وفي الوقت الذي يجري الاستعداد للمصادقة على قانون أعدته الحكومة لمحاربة العنف ضد النساء، قالت شباش إن "العنف ضد المرأة لا يقتصر على العنف الجسدي فحسب، بل إن العنف النفسي يكون أشد وطأة عليها، خصوصا في ظل صعوبة إثباته، لعدم توفر أدلة وحجج تبرهن بها عن تعرضها لهذا النوع من العنف". "وتترتب عن العنف النفسي آثار سلبية على نفسية المرأة، إذ يفقدها الثقة في النفس، ويجعلها تكره نفسها"، حسب ما أوضحت شباش، مضيفة أنه "حتى بعض الكلمات والألفاظ التي تسمعها المرأة يوميا من الرجل، والتي تحط من قيمتها، وتتعايش معها في صمت، تكون لها عواقب وخيمة على نفسيتها". وفي حين يظل العنف النفسي صعب الإثبات، فإن "كثيرا من النساء المغربيات مازلن يعتبرن حتى بعض أنواع العنف الجسدي شيئا عاديا"، وقالت شباش في هذا الصدد: "كثير من النساء يأتين عندي إلى العيادة ويقلن "رَاهْ غير صرفقني أو دفعني"، ويعتقدن أن هذه السلوكيات ليست عنفا"، مضيفة أن "هناك اعتقادات خاطئة حول العنف، إذ مازالت العديد من النساء يعتبرنه نابعا من غيرة الرجل على المرأة". ونبهت الاختصاصية في العلاج النفسي والجنسي إلى أن الإجراءات القانونية المتخذة لمحاكمة العنف ضد النساء يجب أن تُواكَب بنشر التوعية بين أفراد المجتمع حول مخاطر العنف، عبر الانطلاق من التربية على احترام الآخر، "فلا يجب أن نعتمد فقط مقاربات قانونية لوقف العنف ضد النساء، ونرتب عقوبات زجرية، بل يجب أن نرسخ في العقليات طريقة جديدة للتعامل مع المرأة مبنية على الاحترام"، تقول شباش. وشددت المتحدثة على "ضرورة إشراك المرأة في وقف العنف ضدها، من خلال تربيتها على الثقة في نفسها منذ الصغر، لكي تكون قادرة على قول لا، وعلى وقف المعتدي عليها عند حده"، مشيرة إلى أن "العنف ضد النساء في المغرب لا يطال المرأة من طرف أقاربها فقط، بل يمتد ذلك إلى الجيران، بداعي أن الرجل، أيا كان، له سلطة على المرأة"، وأضافت: "إذا لم نرب المرأة على الثقة في نفسها، وندرس فيها هذه القوة الداخلية، لا يمكن القضاء على العنف ضد النساء".