فيما يزداد عدد النساء المغربيات المعنّفات سنة بعد أخرى، ليصل إلى أكثر من 60 بالمائة، من مجموع نساء المغرب، حسب الأرقام الرسمية، يزداد عدد الرجال المعنفين بدورهم، وإن بدرجة أقلّ مقارنة مع نسبة تفشّي العنف ضدّ النساء. وكما أنّ للنساء جمعيات وشبكات للدفاع عن حقوقهن، فللرجال المعنفين أيضا شبكة تدافع تدافع عنهم، وتستمع إليهم، وتقدم لهم المساعدة القانونية، اسمها "الشبكة المغربية للدفاع عن حقوق الرجال". ما هي أنواع العنف الممارس ضدّ الرجل المغربي؟ وما هي ردّة فعله عندما يُعنّف؟ وهل يستطيع أن يبوح بما يتعرّض له من عنف على يد زوجته؟ أجوبة هذه الأسئلة في السطور الآتية... هفوات مدوّنة الأسرة إلى حدود أوائل سنة 2008، كان المغاربة يسمعون فقط عن العنف الممارس ضدّ النساء، لاحقا، وفي شهر فبراير بالضبط من نفس السنة، ستتأسّس "الشبكة المغربية للدفاع عن حقوق الرجال، وستكشف في أولى تقاريرها السنوية أنّ الرجال المغاربة أيضا يتعرّضون لأنواع مختلفة من العنف، على يد زوجاتهم، وأحيانا على يد بناتهم، ورئيساتهم في العمل... "تأسيس الشبكة المغربية للدفاع عن حقوق الرجال جاء بعدما لاحظنا، أن مدونة الأسرة التي كانت إنجازا كبيرا، ترافقها انزلاقات وحيْف كبير في حق الرجل أثناء التطبيق، في غياب آليات وإجراءات مواكبة للمدونة، التي نعتبرها جيّدة من حيث النصّ، لكن من ناحية التطبيق هناك هفوات"، يقول رئيس الشبكة، عبد الفتاح بهجاجي، في حديث لهسبريس". بَوْح الرجال منذ تأسيسها سنة 2008، إلى غاية احتفالها بالذكرى الخامسة لتأسيسها بداية هذه السنة، استقبلت الشبكة المغربية للدفاع عن حقوق الرجال أكثر من 8000 حالة لرجال تعرضوا لمختلف أنواع العنف من طرف زوجاتهم، أيْ بمعدّل أكثر من ألف ومائتي حالة في السنة. هذه الحالات لا تخصّ سوى الرجال الذين تستمع إليهم الشبكة مباشرة، وتواكبهم لاحقا عن طريق التوجيه والإرشاد القانوني، والمساعدة النفسية والاجتماعية، فيما تتوصّل الشبكة، التي تقابل الوافدين عليها في مقرات جمعيات أخرى، في غياب مقرّ خاصّ بها، حسب رئيسها، بشكايات لا تُحصى، بطرق غير مباشرة، إمّا عن طريق الهاتف، أو البريد الالكتروني، أو الوسيط (الوسيط هو الشخص الذي ينتدبه الرجال المعنفون من أجل إيصال شكاويهم إلى القائمين على الشبكة). أن يعترف الرجل المغربي بتعرّضه للعنف على يد امرأة أمر صعب؛ عبد الفتاح بهجاجي يؤكد ذلك، ويقول إنّ الرجال كانوا يجدون في البداية صعوبة في الاعتراف بشكل مباشر، لذلك كانت الشبكة تتوصل بالشكايات في الغالب عن طريق وسطاء "أمّ، أخ..."، أو عن طريق الهاتف أو البريد الالكتروني، قبل أن يتخلّص الرجال شيئا فشيئا من خوفهم من الاعتراف، بعد أن سلطت وسائل الإعلام الضوء على هذا الموضوع الذي ظلّ طيّ الكتمان، "بعد ذلك أصبح الرجال يأتون مباشرة، ويقدمون الأدلّة وحتى الصور، أثناء مقابلتهم مع مسؤولي الشبكة"، يقول بهجاجي. الجميع في العنف "سَوَا" الشكايات التي ترِدُ على الشبكة المغربية للدفاع عن حقوق الرجال لا تهمّ فئة عُمرية معيّنة، بل تشمل جميع الفئات العمرية، من 26 إلى 75 سنة، وجميع الطبقات الاجتماعية، من أمّي إلى أستاذ جامعي، ومن عاطلين عن العمل إلى موظّفين وإطارات، من جميع مناطق المغرب، سواء في الوسط الحضري أو القروي؛ هؤلاء يتعرضون جميعهم لمختلف أنواع العنف. 20 بالمائة منهم يتعرضون للعنف الجسدي، المتمثل في الضرب والجرح بواسطة آلات حادة، فيما ينقسم العنف الذي يشمل باقي الحالات إلى أربعة أنواع: العنف القانوني، وهو الحيف الذي يلحق الرجل جرّاء التطبيق غير السليم لبنود مدونة الأسرة، خصوصا في ما يتعلق بالنفقة، إذ يوجد رجال لا تتعدى رواتبهم الشهرية 2200 درهم، وتحكم عليهم محاكم الأسرة في قضايا النفقة ب2500 درهم، حسب عبد الفتاح بهجاجي. ينضاف إلى ذلك حرمان الرجال من صلة الرحم مع أطفالهم، بعد حصول الطلاق، إمّا عن طريق تغيير الزوجة لمقرّ سكناها، أو تلكّئها في الإذن لطليقها برؤية أبنائه. النوع الثاني من العنف المسلّط على الرجال يتمثل في العنف النفسي، إذ تلجأ المرأة إلى الحطّ من كرامة الرجل، والتنقيص من قيمته أمام الأبناء والمعارف، واحتقاره وعدم احترامه، "هذا النوع من العنف أخطر من العنف الجسدي، لأنّ نفسية الإنسان يمكن أن تتحطّم بكلمة واحدة أو نصف كلمة"، تقول الأخصائية في العلاج النفسي والجنسي، أمال شباش". آخر أنواع العنف المُمارس في حق الرجل المغربي، والذي بدأت ترِد على الشبكة المغربية للدفاع عن حقوق الرجال حالات بخصوصه، هو التحرّش الجنسي من طرف النساء بالرجال. الشبكة توصّلت بحالات ذَكَر منها عبد الفتاح بهجاجي، حالة رجل طُرد من عمله لرفضه الانسياق وراء تحرشات رئيسته في العمل، وحالة سائق سيّدة أوقف عن عمله لنفس السبب. هذه الحالات، حسب رئيس الشبكة، تبقى حالات معزولة وقليلة جدا. سلاح المرأة فَمُها إذا كانت نسبة 20 بالمائة، من الرجال المعنّفين يتعرضون لعنف جسدي، فيما تتعرض نسبة 80 بالمائة المتبقية لأنواع أخرى منن العنف، فإنّ ذلك راجع، حسب الدكتورة أمال شباش، أخصّائية العلاج النفسي والجنسي، لكون المرأة تلجأ إلى العنف النفسي (La violence psychologique)، عكس الرجل الذي يميل إلى العنف الجسدي. ويشمل العنف النفسي الذي تلجأ إليه المرأة التنقيص من قيمة الرجل، واحتقاره وعدم احترامه. المرأة تلجأ إلى هذا النوع من العنف، "حيتْ السلاح ديال المرا هو الفم ديالها"، تشرح الدكتورة شباش، مضيفة أنّ العنف النفسي أخطر من العنف الجسدي، إذ تكفي كلمة واحدة، أو نصف كلمة، لتحطيم نفسية الإنسان. "السلاح" الثاني الذي تلجأ إليه المرأة، حسب الدكتورة شباش، هو العنف الجنسي، عبر انتقاد زوجها بعبارات جارحة، من قبيل "انت ماشي راجل، ما فيدّيكش..."، لكي تحطّمه، مشيرة إلى أنّه لفهم دواعي لجوء المرأة إلى تعنيف زوجها، يجب أخذ مدة الزواج (La durée du mariage) بعين الاعتبار. في بداية العلاقة الزوجية عادة ما تكون المرأة راغبة في الحفاظ على علاقتها الزوجية، وإنشاء أسرة، لكنّ مشاكل الحياة الزوجية قد تؤدّي إلى لجوء المرأة إلى العنف، إذ تعمَدَ المرأة في سنوات الزواج الأولى إلى الصمت، حفاظا على تماسك أسرتها، ثمّ تتحرر من صمتها عندما يكبر الأبناء، ويساعدونها على الاستقلال المادّي عن الزوج. "عندما يكبر الأبناء، تقول المرأة: أنا ولادي كْبرو، وهوما اللي هازّينّي، بْعدما صْبرت هاد المدة كاملة، دبا غادي نعطيه (الرجل)"، توضح الدكتور شباش، مضيفة أنّ عنف الزوجة يتفاقم كلما تقدّم الزوج في السنّ، وأصبح عرضة للمرض، والمشاكل الجنسية، ملحّة على عدم التعميم على جميع النساء. الدافع الثاني للجوء النساء إلى العنف، هو النشأة والتربية التي ترسّخ في ذهن الفتاة منذ الصغر أعرافا مغلوطة، والتي تلازمها إلى أن تتزوج، إذ تسمع الفتاة قبل الزواج من أهلها، عبارات من قبيل "النهار الاوّل يموت المش، خاصّكي تسيطري عليه، وما تخليش ليه الفرصة يهزّ راسو، وإلا فإنه سيسيطر عليك"، ينضاف إلى ذلك، حسب الدكتورة شباش، النظرة التي تتشكل لدى الأطفال منذ الصغر عن علاقة آبائهم وأمهاتهم. "الطفل الذي يكبر في محيط أسريّ ينعدم فيه الاحترام بين الزوجين، يُعيد تكرار نفس التجربة التي عاشها في طفولته مع والديه عندما يتزوّج، الولد يقول غادي نكون بحال بابا، والفتاة تقول غادي نكون بحال امّي". الصمت عدوّ المرأة عندما يتعرّض الرجل للعنف على يد زوجته، فإنّ ردّ فعله يكون إمّا الردّ بدوره بالعنف (agressivité)، فتتفاقم المشاكل أكثر، أو اللجوء إلى الصمت والانعزال على نفسه، والتهرب من الزوجة، ما يؤدّي أيضا إلى تفاقم الصراع بين الزوجين. بهذا الخصوص تقول الدكتورة شباش، إنّ الرجل يلجأ إلى العنف عندما يكون عاجزا عن التواصل، أو يلجأ إلى الصمت "حيتْ ما كايعرفش يْردّ بْالهضرة"، وفي كلتا الحالتين تتفاقم المشاكل بين الطرفين، وتضيف أنّ المرأة لا تطيق صمْت الرجل، "لأنها تريد أن تفهم فيمَ يفكّر، وماذا يدور في رأسه". معاناة الرجل المعنّف يَصْرفها أيضا، إضافة إلى الصمت، في الهروب من زوجته، عبر قضاء وقت أطول مع أصدقائه خارج البيت، والانعزال على نفسه، والاستغراق في العمل لساعات طوال، وقد يؤدّي به الأمر إلى التعاطي للكحول، وحتى المخدرات، هربا من المشاكل الزوجية، وهو ما يفاقم المشاكل أكثر. وعمّا يجب على الرجل القيام به في حال تعنيفه من طرف زوجته، حسب الدكتورة أمال شباش، هو "عدم السماح لها بتجاوز حدودها، إذ لا بدّ للرجل أن يعرف كيف يفرض نفسه ويوقف المرأة التي تعنّفه عند حدّها، أيا كان العنف، سواء كان نفسيا أو جسديا، ونفس الشيء بالنسبة للمرأة التي تتعرض للعنف، والتي يجب عليها بدورها أن تفرض ذاتها على زوجها، حتى يكفّ عن تعنيفها، "إذ لا يمكن أن نحمّل المسؤولية فقط لمن يمارس العنف، بل يتحمّلها أيضا من يرضى لنفسه أن يكون عُرضة العنف، فالزوج، أو الزوجة الذي لا يفرض نفسه هو أيضا مسؤول". آثار العنف السلبية لا تنعكس فقط على الزوجين، بل لها امتداد نحو الأبناء أيضا، بهذا الخصوص تقول الدكتورة شباش، إن الأطفال الذين ينشؤون وسط محيط أسريّ متّسم بالعنف، يكرّرون ما شاهدوه في طفولتهم عندما يتزوّجون، كما دعت إلى حرص الآباء والأمهات على تعليم أبنائهم كيف يفرضون أنفسهم ويدافعون عن رأيهم أمام الآخر، والتواصل معه باحترام، "نحن في مجتمعنا للأسف لا نعلم أطفالنا كيف يثقون في أنفسهم، ومن لا يثق في نفسه لا يمكن أن يتواصل مع الآخر، ولا يمكن أن يفرض ذاته، لذلك يلجأ إلى العنف لفرض نفسه بالقوة".