شكل النقاش الذي فتحه الأستاذ "محمد يتيم" فرصة هامة للتداول في العديد من القضايا التي تهم مشروع "العدالة والتنمية"، وهي المناسبة التي نعتبرها سابقة في مجال التدبير السياسي، والحزبي منه أساسا، بأن نضع الآراء البينية -رغم رحابتها في الحيز التنظيمي الضيق- جانبا، ونفتح النقاش على الجمهور ونشركه في تقييم الأداء وتقويم المسار الداخلي للحزب وهيئاته؛ ولما لا! محاكمة الاختيارات المرحلية والاستراتيجية لمؤسسة "العدالة والتنمية"؛ وهذه القناعة تتساوق مع اعتقادنا الراسخ بأن أي مؤسسة حزبية يهمها -في هذه المرحلة- رأي الشارع، لاسيما جمهور النخبة منه، والتي تعنى بالمتابعة الحثيثة للشأن السياسي في ارتباطه بالواقع المجتمعي (محليا ودوليا)، وبكل مخاضاته الآنية كما طموحاته المستقبلية. وفي سياق التفاعل مع مقال أستاذنا الفاضل: "عشر قواعد في منهج عمل حزب العدالة والتنمية"[1]، تأتي هذه المحاولة النقدية في قراءة مسحية من زاوية نظر مغايرة، نهدف -من خلالها- استجلاء النظر وتدقيق المزيد من المعطيات في النقاط التي أثارتها الخرجات الإعلامية لبعض قيادي "العدالة والتنمية" على خلفية عدم المشاركة الرسمية في مظاهرات 20 فبراير (2011). قبل البدء: صدّر "ذ. يتيم" مقاله في شرح "القواعد العشر" بالتمييز بين الخطأ (المرتبط بالتقدير والتصرف) والخطيئة (المرتبطة بالمنهج والقواعد)، معتبرا الخروج عن تلك "القواعد" من شأنه أن يحدث أضرارا كبيرة وخطيرة على التنظيمات فضلا عن عامة الناس! لكن الموضوع الذي بقي على الهامش في تحليل "ذ. يتيم" هو ذاك الذي يرتبط بجانب أعمق وأسمى من "المنهج والقواعد والمرتكزات" التي تحكم "التقديرات والسلوكات"؛ لقد أغفل الأستاذ مسألة "المبادئ" التي تضبط تلك "القواعد" وتضعها على السكة الصحيحة في توجيه "التصرفات"؛ ولمّا نتحدث عن "المبادئ"، فلا نقصد بها مبادئ التنظيم المكتوبة والمنصوص عليها في أوراق الحزب فقط، وإنما تشمل أيضا تلك "المبادئ العرفية" التي تَميز بها نضال "العدالة والتنمية" عن غيره من الأحزاب في الساحة السياسية، وهي المبادئ التي عرفه بها الناس -أكثر من غيرها- حين اختبروا مصداقيتها وأحسوا واقعيتها ولامسوا اصطفافها إلى جانب الفطرة في محاولة الإصلاح. هذه المبادئ التي -حين تجتمع- تفرض وقعها (على العقول كما النفوس)، فتنفث الروح في "القواعد" ليصبح لها ذوق ومعنى، وتخرج بذلك من دائرة الجمود والبيروقراطية الضيقة إلى رحاب المرونة والدينامكية التنظيمية، ومن ثم تستمد قداستها وإجلالها من ذاك "السمو المبدئي" الذي تسنده مرجعية الحزب، فتسري بين الأعضاء (الصادقين) لتترجم في تصرفات منضبطة، حتى وإن لم تنفع فإنها لا تضر! أمّا وقد أحس "ذ. يتيم" الضرر، فثمة -إذن- شيء من "إنَّ" وبعضٌ من "أخواتها"! أولا: يعتبر "ذ. يتيم" أن المواقف السياسية نسبية واجتهادية، وقضايا العمل السياسي متغيرة وظنية؛ وهذا الطرح مقبول إلى هذا الحد، لكن أن يندرج ذلك في إطار "السياسة الشرعية" وحدها، فالأمر فيه تقليب نظر! إذ مادام الأمر متعلقا بتدبير مصالح الجماعة (تنظيما كانت أو دولة)، فهذا يدخل -كذلك- في اختصاص "السياسة العقلية" كما يؤسس لها ابن خلدون، رائد علم الاجتماع[2]. وما دمنا نسلم -ابتداء- بأن تدبير الموقف السياسي يندرج -ولو جزئيا- ضمن "السياسة الشرعية"، فهذا لا يعني -بتاتا- اقتصارها على "فقه الموازنات" كما أسهب في شرح أبجدياته البسيطة "ذ. يتيم"، إذ كان الأوْلى بالأستاذ أن يشكل "رؤية مقاصدية" عميقة واضحة وأكثر شمولية بدمج "فقه الأولويات" و"فقه المآلات" ضمن معادلة استخلاص الموقف السليم؛ وفي هذا الصدد، نكرر مع أستاذنا الفاضل قول شيخ الإسلام (ابن تيمية)، لكن من دون لمز بأن الأمر ليس ميسرا لأي كان! إذ لم يصرح بذلك حتى ابن تيمية ذاته! فكان قوله الصريح الكامل[3] (رحمه الله): "وهذا موضع مزلة أقدام، ومضلة أفهام، وهو مقام ضنك، ومعترك صعب؛ فرط فيه طائفة فعطلوا الحدود، وضيعوا الحقوق، وجرؤوا أهل الفجور على الفساد، وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد محتاجة إلى غيرها، وسدوا على نفوسهم طرقًا صحيحة من طرق معرفة الحق والتنفيذ له وعطلوها مع علمهم وعلم غيرهم قطعا أنها حق مطابق للواقع، ظنا منهم منافاتها لقواعد الشرع... وأفرطت فيه طائفة أخرى قابلت هذه الطائفة، فسوغت من ذلك ما ينافي حكم الله ورسوله، وكلتا الطائفتين أتيت من تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله وأنزل به كتابه"[4]. وبعد ذلك كله، وحتى وإن سلّمنا -جدلاٌ- بصوابية القاعدة -على علاّتها- كما افتتح بها "ذ. يتيم" سلسلة "القواعد العشر"؛ فإن سؤالا واحدا -على الأقل- يبقى مطروحا! فمادامت مواقف وقضايا العمل السياسي نسبية واجتهادية ومتغيرة وظنية، لماذا نلزم غيرنا بقرار يعتبر ادعاء الصواب فيه ضربا من الرجم بالغيب؟! وبصيغة أخرى: إذا أعطينا الحق لأنفسنا في تملك الصواب (على نسبيته)، لماذا ننفي قدرة تملك الآخر له (وبنفس النسبية)؟ أين المبدأ إذن؟! حتى هذه النقطة، ومع احترامي الكبير لشيخي "ذ. يتيم"، لو كان ابن تيمية -الذي نستشهد به- يقطع باليقين في مسائل ظنية كهاذي التي نناقش، وبذات النَّفَس الذي تدافعون به عن صوابية موقفكم وخطأ الموقف المعارض، لَمَا برز تلميذ لشيخ الإسلام في مستوى "ابن قيم الجوزية"، ولمَا كان لإمام دار الهجرة (مالك بن أنس) تلميذ في مستوى الإمام الشافعي (رحمهم الله جميعا)؛ تلامذة يرفعون لواء التجديد، ويؤسسون لمذاهب حديثة تقطع مع التقليد، وينافسون أساتذتهم في تحقيق الأفضل للأمة!! ثانيا: وحتى نجمل القول في باقي النقاط التي أسست ل"القواعد العشر" كما يتصورها "ذ. يتيم"، وحتى نؤسس -من جهتنا- لأرضية مشتركة مع طرح الأستاذ الفاضل، قد تكون مقبولة لديه في الاحتجاج، نرى أنه من الأفضل الرجوع لحيثيات استقالة الأستاذ "لحبيب الشوباني"، والوقوف على الخلاصات التي وردت في كتاب الاستقالة المتضمن ل"تصحيح الموقف" من مشروعية الأمانة العامة، وهي المشروعية التي لا يجادل فيها أحد مع فارق يتعلق بتدبير ممارستها (وليس ما يترتب عليها)؛ ونحسب تلك الخلاصات معبرة عن عمق الإشكال الذي يطرحه الجانب الآخر في موقفه المضاد، وعلى هذا الأساس نوردها كما يأتي، مع تطبيق "المبادئ" و"القواعد" عليها: الخلاصة الأولى: تتعلق بالأستاذ "عبدالإله بن كيران" بصفته "الأمين العام" للحزب، ويؤاخذ عليه "ذ. الشوباني" التسرع الواضح والتجاوز الصريح للمشروعية من خلال تهميش مؤسسة الأمانة العامة، وهو التجاوز الذي أكده الأستاذ في سياق آخر، خاصة في غياب أي مبرر لعدم انعقاد أعلى هيئة تنفيذية وتداولها واتخاذها الموقف الشوري الذي تراه مناسبا. وهاهنا نطرح السؤال على "ذ. يتيم"، أي إلزام للسيد الأمين العام بالقاعدة التي تنص على شورية القرارات؟ أما كان أوْلى أن يأخذ "ذ. ابن كيران" بقاعدة "الاحتراز عند الاشتباه وعدم اتضاح المعطيات"؟ أم أن مبدأ "التحوط والاحتياط" غير قابل للتطبيق في هذه الحالة ولو كان هديا يأخذ به العقلاء (كما تصفون)؟! إن هذا "التجاوز للمشروعية" (في شقه الفردي) أصل كل الأدواء التي نحاول اليوم إيجاد دواء لها، وعليه ترتبت كل المضار التي برزت لحد الآن؛ لكن الضرر الأكبر، لا يتمثل في خرق القواعد وحدها، وإنما في هتك مبدأ أساس يؤطر الفعل السياسي ل"العدالة والتمنية"؛ إذ تشكل مسألة الدفاع عن "مشروعية المؤسسات" وإعادة الاعتبار لها وتقوية دورها وصلاحياتها.. تشكل إحدى أهم واجهات النضال الديمقراطي في مشروع الحزب؛ فأين المبدأ إذن؟! الخلاصة الثانية: تتعلق بالأمانة العامة واجتماعها، ويسجل فيها "ذ. الشوباني" (وهو عليم بها) وجود ملاحظات كثيرة حول سياق وشروط انعقاد اجتماع الأمانة العامة وحتى جدول أعمالها، ويضيف بأن موقف الأمانة العامة صار مرتهنا لموقف الأمين العام، وهامش المراجعة أو التغيير صار -باليقين- شبه منعدم. وحتى نتقيد بحسن الظن[5] ولا نطلق أحكاما ظنية، نبادر فقط إلى سؤال "ذ. يتيم": لماذا تم التعجيل بعقد الاجتماع (الثلاثاء بدل الأربعاء)؟ ولماذا استصدر قرار عدم المشاركة باكرا (15 فبراير)؟ وأين هو التشاور حتى نعمل قاعدة "الراجح والرجوح" مادام موقف الأغلبية الحاضرة مصفقا للقرار القبلي للأمين العام؟ وكيف عرف أستاذنا "الرموز التسعة الوازنة" التي صوتت سرّا ضد المشاركة؟! ولماذا لم ينشر القرار إلا بعد إصدار هيئة موازية[6] موقفا يتعارض معه؟! إن ما صرح به "ذ. الشوباني" في حق الأمانة العامة (وهو عضو منها) يبرز المس الصريح بالقواعد الأساسية للعمل الحزبي، ومعها يصبح المبدأ الغائب في "القواعد العشر": "ما أسِّس على باطل فهو باطل" ساري المفعول! فتضحي -بذلك- روح القواعد مجرد هباء منثور! لكن مادام القرار قد تم تأبيره في الأمانة العامة ودخل حيز التنفيذ بذاك الشكل[7]، وترتب عنه ما لا يمكن استدراكه من تبعات[8]، نرى من الأولى أن يتحلى "ذ. يتيم" -وغيره- ب"النزاهة الفكرية" في تصحيح الموقف من "التجاوز الجماعي في تدبير المشروعية"، ويعمل على "تحمل المسؤولية" في جانب "الانقياد لقرار الأغلبية" بعد أن اتضح -اليوم- في أي صف تقف أغلبية الأعضاء (وما ردود "الفيسبوك" إلا عينة)؛ وتبعا لذلك، نأمل أن يخرج كل من ساهم في هذا التأبير ويعلن للملأ: أنتم أعلم بشؤون حزبكم! وحتى لا نطيل في هذه النقطة بالتحديد؛ لأن الحديث فيها ذو شجون، خاصة مع الهتك الوارد فيها للمبادئ، سواء من جهة ما يفترض أن يتصف به المحيطون بمدبري الشؤون العامة، أو من جهة الأولوية في اعتبار المصلحة، وإن كانت خاضعة لمعطى الأنا الوسطى (وهذا جديد!) أو الأنا العليا؟! الخلاصة الثالثة: يتحدث فيها "ذ. الشوباني" -في سياق العتب على مسيري الحزب- عن التدبير المرتبك لملف كبير، نشأ عنه ضرر كبير (نفسي ومعنوي) لصورة الحزب فضلا عن أعضائه. وفي الجهة الأخرى، يلقي "ذ. يتيم" باللائمة على إخوانه ممن قرروا المشاركة في مظاهرة 20 فبراير فيقول: "...حتى لو افترضنا بأنهم على صواب فقد ألحقوا ضرارا كبيرا بصورة الحزب ومكانته الاعتبارية في المجتمع وعليهم تحمل المسؤولية في جبر الضرر الذي ألحقوه بمنظمتهم" وقبلها يضع "ذ. يتيم" معادلة عجيبة ملخصها: "أن المحافظة على وحدة الكلمة وهيبة المؤسسة والانضباط لقرار صادر بطريقة شرعية وهو عدم الخروج أولى في المحافظة على تماسك الحزب وصورته". وإذا كان يهمنا -جميعا- "وحدة الكلمة" و"هيبة المؤسسة" و"تماسك الحزب"؛ فإن ذات الاهتمام لا نتقاسمه حين يتضخم التنظيم لدرجة قد يصبح معها العضو فاقدا لصفة المواطنة، بما تمثله من التصاق بالشعب وتبني همومه والتعبير عن طموحاته، وقد تربينا على هذا في مدرسة "العدالة والتنمية" من كون التنظيم ليس غاية في ذاته، وأننا أبناء الوطن قبل أن نكون أبناء التنظيم. وحفاظا على نفس المنهجية في المدارسة الفكرية والتفقه التنظيمي، أبادر إلى سؤال "ذ. يتيم" مرة أخرى، وهو الأستاذ في علوم التربية: عن أي ضرر وعن أي مكانة وعن أي صورة يجب أن نتحدث؟ ولمن نعطي الأولوية: للتنظيم أم للنظام أم للمجتمع؟! ومن يضر بالمكانة الاعتبارية للحزب في المجتمع: من يقف بجنب شرائحه أم من يحلق خارج أسرابهم؟! وأي مكانة -أصلا- يحظى بها المغرب أمام مؤشرات الحكامة وحقوق الإنسان والفقر والرشوة والتطبيب والتعليم والسكن...؟! وأي صورة نريدها للحزب وسط صور الإفساد والتظالم والغلاء والقهر اليومي الذي تعيشه فئات وشرائح واسعة من الشعب المغربي؟! وما قيمة ذاك الضرر الذي يهدد تماسك الحزب أمام الأضرار الاقتصادية والسياسية والقيمية التي تهدد تماسك المجتمع وتضرب صميم أمنه النفسي والروحي والمعيشي؟! هل بعد هذا كله يسعف "فقه الموازانات" في تقدير الضرر الحقيقي؟! أم أن الأمر يستلزم رؤية مقاصدية أعمق؟! وإذا كان هناك من ضرر على الحزب (لا قدر الله) من يتحمل مسؤوليته؟! من وقف بجانب الشعب أم من خذله؟! ونحن لما نتحدث عن الضرر، فإننا نتجاوز التحليل السياسي السطحي؛ لأن أكبر ضرر يهدد الحزب هو خلق الهوة بينه وبين شعبيته، وزعزعة ثقة المجتمع فيه، وتخييب الآمال العريضة التي يعلقها آلاف المواطنين عليه في كل مدينة وقرية عرفت مشروعه واختبرت أعضاءه الصادقين! ونحن لا نريد أن يصبح الحزب -بعد ذلك كله- مجرد رقم -كغيره- في الساحة السياسية لا يقدم أي إضافة نوعية، فتصبح أي نتيجة انتخابية مقبولة تحت طائلة فقدان المصداقية! ونهدي -بأيدينا- مسوغات التزوير في حقنا للجهات المعلومة (التي توارت إلى حين)! لقد كان حَريا بكل من يتصدر دعوة المجتمع للمشاركة في الحياة السياسية، ويلح في طلب الإسهام المجتمعي في الإصلاح والتغيير، أن يتصدر -بدون شروط- حراك المجتمع في المطالبة بمقومات العيش الكريم وقطع الطريق على المفسدين واجتثاث منظومة الفساد من جذورها. إن محطة 20 فبراير، رغم بساطتها ورغم التشويش الذي لاقته، كانت بالفعل حدثا كبيرا؛ لأن المجتمع عرف طريقه إلى الشارع إراديا، ووجد فرصته للتعبير متجاوزا من دعا لهذا الحدث؛ والأهم من ذلك، متجاوزا الأغلال الذاتية التي كبلت المضمون السياسي لأي تعبير جماعي مماثل، فنزل المواطن بكل عفوية وتلقائية يعبر عن مكنوناته ويستفرغ الوسع في إيصال صوته، ويعلن عن وجوده القوي، رغم كل محاولات التقليل وأشكال الوصاية والاستصغار! إن هذا الحراك في ذاته، وبالرغم من كل الملاحظات التي يمكن أن تسجل عليه، يعتبر طفرة نوعية في صيرورة المجتمع المغربي؛ حيث يتبلور وعي جديد يقطع مع منطق اللامبلاة ويعيد الاهتمام بالشأن العام. وهو الأمر الذي من شانه أن يخدم الأطروحات الجادة والمشاريع الهادفة ويعزز موقع الرقابة المجتمعية على المؤسسات، وينشئ أعرافا جديدة لدى الأجيال الصاعدة، بما يعزز احترام الذات المغربية وتحقيق كرامتها وخدمة مصالحها؛ ولا أعرف كيف غابت كل هذه المعطيات عن ذهن "ذ. يتيم" (ورفاقه في الأمانة العامة)؟! ولا أعرف إن كانت الإجراءات والتدابير التنظيمية، وبعض الشبهات التي تتنافى مع حسن الظن، كافية لتبرير موقف بعض الأعضاء في الأمانة العامة؟! عود على بدء: أمام غياب الصفة في المشاركة، يكاد يصاب المرء بانفصام الشخصية، ليعيش غربة حقيقية وهو يرى البسطاء من الناس يلتفتون من حولهم علّهم يشاهدون "رمزا" يرفع معنوياتهم، أو يحسسهم بأنهم موضوع اهتمام يستحقون منه التضحية البسيطة ولو لسويعات، وكأنهم يقولون نحن هنا فمن معنا؟ ومن يتبعنا اليوم بعدما تبعناكم وتابعنا حملاتكم وخرجاتكم لسنوات؟! من يدق معنا أبواب الكرامة والانعتاق؟ أم سننتظر حتى تدقوا أبوابنا خلال مواسم الحصاد لتجنوا أصواتنا؟! تنظر إليهم كاليتامى فتزيد يتما بينهم، فهم على الأقل يطالبون الدولة بأشياء ويعرفون مسبقا تصرفها تجاههم، أما أنت فمن أي تبدأ مطالبك وإلى أين تنتهي؟! فتغرورق عيناك -حينها- أمام مبادئ يتيمة، لا يغير من مسحة الحزن فيها إلا اعتقادك: طوبى للغرباء! *****-هوامش مهمة-***** [1] انظر المقال على الرابط : http://www.hespress.com/?browser=view&EgyxpID=28310 [2] راجع لاستيعاب ذلك مقدمة ابن خلدون، ص169 وما بعدها. [3] كان حريا بالأستاذ يتيم (درءا للشبهة) أن لا يخلط كلامه بكلام ابن تيمية؛ علما أنه كل يؤخذ برأيه ويُرد إلا المعصوم (عليه الصلاة والسلام). [4] السياسة الشرعية، (فصل 6) ص13. ويضيف الأستاذ محمد بن شاكر الشريف في تعريف وتأصيل السياسة الشرعية: "إن سياسة الرعية تتطلب القدرة على القيادة الحكيمة التي تتمكن من تحقيق الصلاح عن طريق إتقان التدبير وحسن التأتي لما يراد فعله أو تركه، وهذا بدوره يحتاج إلى معرفة تامة بما تتطلبه القيادة والرئاسة من خبرة وحنكة، وقدرة على استعمال واستغلال الإمكانات المتاحة على الوجه الأمثل الذي يحقق المراد المطلوب". [5] كان بودي لو يسمح لي "ذ. يتيم" بعد اجتناب الكثير من الظن، أن أتحدث عن بعضه مما يجول في النفوس الأمارة بالسوء، سائلا المولى -جل وعلا- أن يغفر ما به من إثم، وآملا أن لا يحسبها الأستاذ من التحليلات "العايقة" فيحجم عن دحضها بدليل المنطق والواقع وليس بالتهجم والتهكم، لنقول: إن كثيرين رأوا في استعجال القرار نوعا من الضغط على الحزب للمساهمة في التقليص من الهالة القوية لمظاهرات 20 فبراير وعدم إنجاحها (خاصة وأن الحزب معروف بفاعليته في مثل هذه المحطات) بمبرر الحفاظ على استقرار البلاد. فيما يذهب آخرون إلى اعتماد نظرية الصفقة، خاصة بعد لقاء وزير الداخلية وما تبع ذلك من إطلاق سراح الأستاذ "جامع المعتصم" (أو هكذا أريد للحزب أن يسقط في الفخ). وأعتقد أن هذا الأمر يتطلب مزيدا من التصريح والتوضيح، خاصة في نقطة اللقاء. [6] علاقة "الموازاة" التي تربط الشبيبة بالحزب، عالجناها قبل هذه الزوبعة، ونضعها الآن بين يدي الأستاذ يتيم حتى يراجعها، ولعله يراجع موقفه كذلك في الموضوع، انظره على الموقع الرسمي للشبيبة: www.jjdmaroc.ma. [7] يقدم "ذ. يتيم" (كعادته) نماذج من التراث الإسلامي لتدعيم وجهة نظره، لكن خانته -هذه المرة- معطيات القياس على غزوتي بدر وأحد في تداول الصحابة (رضوان الله عليهم) الرأي مع الرسول (صلى الله عليه وسلم)؛ إذ في غزوة بدر اقترح "الحباب بن المنذر" منزلا غير الذي نزل الرسول (صلعم) بالجيش فيه، بعدما عرف أن ما أقدم عليه النبي (صلعم) هو "الرأي والحرب والمكيدة" وليس "وحيا" وجب فيه السمع والطاعة (وليفهم هذا الكلام أخونا "أمحجور" قبل الكتابة في حماية النضال الديمقراطي)، علما أن غزوة بدر من أساسها قائمة على الاستشارة، ولم يقرَّ فيها النبي (صلعم) موقفا بناء على رأي المهاجرين حتى سمع رأي الأنصار (فأين الأمين العام من هذه السنة في التوفيق بين الآراء داخل الأمانة العامة؟). أما غزوة أحد، فقد طلب فيها النبي (صلعم) استشارة واسعة، استقر فيها الأمر على تبني خيار القتال من خارج المدينة نزولا عند رأي الشباب الذين لم يدعمهم إلا أقلية من كبار الصحابة، وأقرهم الحبيب (صلعم) على هذا الرأي (وأكد عليه حين خشوا أن يكونوا استكرهوه) رغم اختلافه هو وكبار الصحابة معهم فيه. فتأمل واستعذ بالله! إذن لا وجود لشيء اسمه "مراجعة" الصحابة لموقف الرسول (صلعم)؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- لم يكن يتخذ موقفا -من الأصل- إلا بعد الاستشارة ما لم يكن وحيا! [8] يرى "ذ. يتيم" أن الخطأ -في التدبير أو التقدير أو تجاوز الصلاحيات والاختصاصات- وارد في تصرفات المسؤولين، لكن الدم لا يغسل بالدم والخطأ لا يرفع بالخطيئة (اه). وكأني بالأستاذ قد أحس فعلا أن دم التنظيم قد تم إهداره فبقيت -بذلك- مبادئه يتيمة! فكيف يمكن -في هذه الحالة- استدراك الوضع؟! بدل طرح مثل هذه الصيغ في معالجة التبعات التي لا تمثل عمق الإشكال ولا تدخل في صلب الموضوع، كان حريا بالأستاذ التفكير في كيفية تصحيح الموقف، وبشكل عميق يحول دون تكرار المعضلة! وسنعود لاحقا (إن شاء الله) لبعض النقاط المتبقية، خاصة فيما يتعلق بجانب الشبيبة في الموضوع. * عضو مكتب اللجنة المركزية لشبيبة العدالة والتنمية.