"وما تدري نفس ماذا تكسب غذا ،وما تدري نفس بأي أرض تموت". جزء كبير من الطبقة المثقفة في المغرب وخارجه صدم لسماع نبإ رحيل الكاتب والناقد السينمائي مصطفى المسناوي المفاجئ وهو في مهمة ثقافية وفنية بالديار المصرية .بالصدفة سمعت رفيقه في الوفد المغربي لحسن لعسيبي الصحافي في جريدة الإتحاد الإشتراكي يقول لصديقي الأستاذ محمد بنحمو الذي كان متعطشا لمعرفة تفاصيل الحدث الرهيب " لقد مات بين يدي" . الموت في مهمة خارج الوطن له معنى آخر ،خاصة عندما يكون مفاجئا صاعقا لا يترك لصاحبه الذي يكون "صحة وسلام" مهلة العودة إلى بلده ليموت بين أهله وذويه .فكما يقول العامة في المغرب" الموت بين الأحباب نزاهة ".لكن هذا لا يعني أن مصر ليس بها أحبة يعزون الضيف ويكرمونه حيا أو ميتا وإنما لا يستريح المرء حيا أو ميتا كذلك إلا في تراب بلده و بين أفراد أسرته وأصدقائه . من الذين ماتوا خارج الوطن كذلك وهم في مهمة وطنية نذكر على سبيل المثال الزعيم علال الفاسي الذي مات وهو يدافع عن قضية الصحراء المغربية والقضية الفلسطينية ببوخاريست عاصمة رومانيا سنة 1974 .هو كذلك لم تمهله النوبة القلبية التي عجلت بموته فوق مدرج مطار العاصمة الرومانية . كما نذكر أيضا المناضل السياسي عزيز بلال من حزب التقدم والإشتراكية الذي مات في حريق طارئ بأحد فنادق شيكاغو حين كان يقوم بواجبه الوطني كنائب لجماعة سيدي بليوط عين الذئاب بمهمة إنجاز عملية توأمة الدارالبيضاء وشيكاغو سنة 1982. عنصر المفاجأة في الموت يبقى صفعة مربكة وموقظة تدفع بك وأنت منغمس في شؤون الحياة غارق في مشاغلها ومخططاتها إلى ضرورة الإيمان بأن الموت حقيقة حاضرة في كل وقت وفي كل مكان ، فتتلو بلا شعور قول الله تعالى : "وإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون". سورة الأعراف . الموت حقيقة أزلية لا تميز بين الناس في الزمان والمكان والأعمار فيمكن أن تموت وأنت مجرد جنين في رحم أمك ويمكن أن تبقى حيا ترزق إلى أرذل العمر .يمكن أن تموت وأنت تبدو سليما في كامل صحتك ويمكن أن تبقى سقيما عليلا طريح الفراش ،تطلب الموت يائسا من الحياة فلا تأتيك ولا تقترب منك . وقد تطير بعيدا بعيدا في أعالي السماء فتتعقبك وتصطادك حيا وأنت في أوج نشوتك وقمة زهوك وغرورك "يقول تعالى :" "أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة "سورة الأعراف . والغريب أن وسائل إعلامنا العامة من إذاعة وتلفزيون الرسمية لم تنتبه إلى الرجل أي ذ مصطفى مسناوي كأحد الأسماء الثقافية الرصينة والشريفة بالشكل المطلوب إلا وهو جثة هامدة محمولا على النعش حيث اكتفت بإذاعة الخبر وبث روبورتاج مراسيم الدفن .وهذا سلوك غريب يقف غصة في الحلق اعتدناه من وسائل إعلامنا مع العديد من الأسماء الثقافية والفنية التي لا يشير إليها الإعلام العمومي الرسمي إلا عند موتها ودفنها فلكأن وسائل إعلامنا أصبحت جهازا لنعي خبر الموتى فقط والبشير والنذير والسراج المنير .. فمن يعرف مصطفى مسناوي الكاتب المناضل والقصاص البارع والناقد السينمائي الحذق المتمكن خارج المحيط الثقافي والسينمائي الضيق ؟ كم من برنامج ثقافي ظهر فيه الراحل أو سمع فيه صوته وتعرف الجمهور من الأجيال الجديدة على ابداعاته :"طارق الذي لم يفتح الأندس" وأفكاره ومساره النضالي والثقافي الذي أوصله إلى السجن في السبعينات عندما كان عضوا نشيطا في الحقل الثقافي أثناء اسماعه لأصوات المثقفين والمبدعين بالمجلة الثقافية المغربية " الثقافة الجديدة " مع الشاعر محمد بنيس و الكوكبة المعروفة ؟ جريدة مغربية مستقلة كان لها بعض الفضل منذ سنة أو أكثر لتقريبه من القراء العاديين عندما خصصت له عمودا أسبوعيا يطل من خلاله بموضوع ساخر يعبر فيه عن رأيه في قضية سياسية أو فنية أو ثقافية أو اجتماعية بأسلوبه البسيط اللاذع والهادف وضع له عنوانا قارا طريفا ومعبرا وهو: يا أمة ضحكت من جهلها الأمم .. .أفلا يحق لنا نحن كذلك أن نضحك من تجاهل مسؤولينا في الثقافة كما في الإعلام كمافي التربية والتعليم ومن تقصيرهم في التعريف بمثقفينا المتميزين وبمثقفاتنا المتميزات والرفع من معنوياتهم وأوضاعهم الإعتبارية بالشكل اللائق الواسع والمحترم في حياتهم عوض أن نهملهم ونهمشهم ونمنحهم هامشا في الظل يموتون فيه بالتقسيط(البريكولاج ) وعندما يرحلون عنا نتظاهر بالعناية والتضامن معهم فنذهب في جنازتهم ونأخذ الكلمة أمام الكاميرات للحديث عن مناقبهم والثرثرة والنميمة على حافة قبورهم : كان رحمه الله وكانت رحمها الله .. ؟