تعتبر الزيارة الملكية المقبلة للصحراء المغربية، بمناسبة الذكرى الأربعينية للمسيرة الخضراء، زيارة تاريخية لها دلالاتها الرمزية والسياسية، ولها أيضا تداعياتها الوطنية والإقليمية والدولية. إنها زيارة ستخلط الكثير من الأوراق داخل المغرب وخارجه، وبالخصوص عند قادة الجزائر وقادة البوليساريو وعند صناع القرار في العالم، لأنها ستكون زيارة/استفتاء شعبيا جديدا يؤكد مغربية الصحراء وتشبث أبنائها بمغربيتهم بعد تقرير مصيرهم. والأكيد أن الزيارة الملكية للصحراء وإلقاء خطاب الذكرى الأربعينية للمسيرة الخضراء من العيون سيكون حدثا تاريخيا بكل المقاييس، خصوصا بالنسبة لسياق الزيارة وأبعادها وتداعياتها. سياق الزيارة الملكية للصحراء ترتبط الزيارة الملكية للأقاليم الجنوبية بثلاثة سياقات متداخلة فيما بينها: ا- سياق وطني: يتجسد في تثبيت الجهوية المتقدمة، تشبث المغرب بمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به كحل سياسي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، تقسيم جهوي جديد - المشاركة المكثفة للسكان في الانتخابات الجماعية والجهوية- تجديد روابط البيعة بين المؤسسة الملكية وسكان تلك المناطق. ب- سياق إقليمي: يتمثل في اتساع رقعة تحركات الجزائر لمحاصرة المغرب- ظهور مؤشرات أزمات داخل جبهة البوليساريو- اتساع دائرة الإرهاب والعنف بدول المغرب العربي وبلدان الساحل- زيارة المبعوث الخاص للأمم المتحدة لمنطقة النزاع حول الصحراء- تحقيق المغرب لانتصارات دبلوماسية تحت قيادة الملك- مرور الجزائر بأزمة اقتصادية خانقة- مطالبة القبائل بالحكم الذاتي. ج- سياق دولي: يتمثل في الأزمة السويدية المغربية- دعم الكونجريس الأمريكي لمشروع الحكم الذاتي- اقتناع القوى العظمى بارتباط جبهة البوليساريو بالإرهاب- تخوف القوى العظمى من الوضع الأمني والسياسي بالجزائر في ظل تضارب المصالح بين محيط الرئيس الجزائري المريض- اقتناع القوى العظمى بضرورة حل النزاع المفتعل بين المغرب والجزائر عبر تطبيق مشروع الحكم الذاتي المغربي. يتبين من سياق الزيارة الملكية للأقاليم الجنوبية، سواء في بعده الوطني أو الإقليمي أو الدولي، أنه سياق دقيق يتزامن مع مرحلة صعبة لكنها حاسمة بالنسبة لمصير ملف الصحراء الذي طال حله النهائي أكثر من اللازم، بسبب التعنت الجزائري ورغبة قادة الجزائر في إطالة النزاع لتغطية الانهيار البطيء للدولة الجزائرية ولمؤسساتها، حيث أشارت تقارير عدة، مؤخرا، أن الجزائر تتجه نحو مستقبل مجهول وخطير. أبعاد الزيارة الملكية للصحراء للزيارة الملكية ثلاثة أبعاد: سياسية، تنموية- اقتصادية، اجتماعية وهيكلية . ا- الأبعاد السياسية تعتبر الأهم وهي بمثابة استفتاء شعبي على مغربية الصحراء- كسب رهان الجهوية المتقدمة- تمرير رسائل للرأي الوطني والإقليمي والدولي تؤكد حسم المغرب قضية الصحراء- توطيد السيادة المغربية على كل الأراضي الصحراوية . ب- الأبعاد التنموية تتمثل في جعل جهات الجنوب قاطرة التنمية المحلية ورافعة للإقلاع الاقتصادي- تدشين النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية- إعادة توزيع الثروات بالصحراء ووضع حد للريع الاقتصادي- ربط الخيار الديمقراطي بالمجال التنموي بالمناطق الجنوبية. ج- الأبعاد الاجتماعية والهيكلية تتجسد في وضع حد لكل أشكال الهشاشة الاجتماعية- جعل المواطن الصحرواي عمق أي تنمية- إدماج الشباب في عدة برامج تنموية بالصحراء- وضع حد لتجاوز الإختلالات الاقتصادية والاجتماعية في الأقاليم الجنوبية- تحويل الأقاليم الجنوبية إلى أوراش تنموية إستراتيجية . يتبين من الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية للزيارة الملكية للأقاليم الجنوبية أنها ستكون تاريخية لتحديد معالم خارطة طريق جديدة بالصحراء سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، لوضع حد لكل أشكال الريع الذي ينخر هاته الأقاليم أكثر من 40 سنة، خارطة طريق إطارها العام ربط المسؤولية بالمحاسبة وخلق الثروات وتوزيعها العادل والعمل وفق أسس الحكامة الجيدة واحترام القانون. تداعيات الزيارة الملكية للصحراء زيارة العاهل المغربي للصحراء وإلقاء خطاب الذكرى الأربعينية لحدث المسيرة الخضراء بالعيون لن يكون حدثا عابرا في الزمن السياسي المحلي الإقليمي والدولي، بل إنها زيارة سيكون لها فعل في التاريخ والجغرافية وستفرز تداعيات عدة. ا- تداعيات جهوية ستجعل الأقاليم الصحراوية في قلب الحدث وستفتح الكثير من الملفات المرتبطة بالصحراء سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وحقوقيا، وستقوي التواصل المباشر بين المؤسسة الملكية وأبناء الصحراء. ب- تداعيات إقليمية ستكون بمثابة زلزال قوي بالنسبة لقادة الجزائر وقادة البوليساريو الذين أصيبوا بالصدمة بمجرد الإعلان عن الزيارة الملكية للأقاليم الجنوبية، بل إن هول الصدمة جعلتهم يفقدون التوازن العقلي ويطالبون المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بإلغاء الزيارة الملكية، وكأن المبعوث الخاص، بدلا عن الوالي المغربي، حاكما على ولاية العيون التي تستعد لتكون في مستوى الحدث. والأكيد أن قادة الجزائر والبوليساريو والجنرالات لن يناموا منذ الإعلان الرسمي عن زيارة جلالة الملك لهاته المناطق، بل إنهم سيتحركون عبر سلط المال والإعلام وبعض "انفصالي الداخل" من أجل التشويش على زيارة الملك للصحراء المغربية، لأنهم يستوعبون- بشقاء- عمق الدلالات السياسية والرمزية لزيارة جلالة الملك للصحراء بمناسبة الذكرى 40 للمسيرة الخضراء، وإلقاء خطاب من العيون. قادة الجزائر وقادة البوليساريو سيصابون بالسعار وهم يرون ملك البلاد يتجول بكل مناطق الصحراء التي تنعم بالأمن والاستقرار لتدشين الأوراش والبرامج التنموية. فبعد صفعة سكان الصحراء للجزائر ولعميلتها البوليساريو بالمشاركة المكثفة في انتخابات 4 شتنبر، ها هما يتلقيان صفحة أكبر من طرف ملك البلاد الذي سيزور المناطق الجنوبية في مناخ سياسي خاص متميز بانطلاق الجهوية المتقدمة وبتشكيل المؤسسات التمثيلية المنتخبة يوم 4 شتنبر الماضي والإعلان في خطاب تاريخي بالعيون عن قرارات حاسمة لقضية الصحراء. لكن إذا كان ملك البلاد يواجه أعداء الوحدة الترابية للمملكة بمنهجية واضحة مبنية على الوضوح والجرأة والصرامة وربط الديمقراطية بالتنمية، فعلى الحكومة والأحزاب والنخب الصحراوية أن تتحمل مسؤولياتها في الالتزام بالديمقراطية التشاركية، واحترام حقوق الإنسان بمفهومها الواسع، وعلى الدولة تجاوز معيقات فشل سياساتها السابقة في الصحراء ولتحقيق أهداف النموذج التنموي الجديد وتطوير آليات تدبير ملف الصحراء وجعل خيرات الصحراء في خدمة كل المواطنين وليس أقلية من العائلات والنخب المعروفة التي أصبحت تشكل بالصحراء- اليوم- دولة وسط الدولة عبر تسخير لوبيات وشبكات ومؤسسات ولدت من رحم النظام الريعي وترعرعت في أحضان الدولة نفسها. الأكيد أن الخطاب الملكي الذي سيلقى بالعيون لن يكون خطاب قرارات عامة أو خطاب ترف سياسي، بل سيكون خطاب التحديات التي تواجه قضية الوحدة الترابية، بحيث لا يمكن معها الاعتماد على نوعية المقاربات السابقة التي دبرت بها الدولة ملف الصحراء داخليا وخارجيا، والتي أصبحت غير مجدية بالنسبة لملف الوحدة الترابية للمملكة الذي هو اليوم في حاجة لمؤسسات وسياسات ونخب ومقاربات جديدة قد يتعرض لها الخطاب الملكي يوم 6 نونبر بالعيون. فهل سيكون خطاب الذكرى الأربعينية للمسيرة الخضراء يوم 6 نونبر سنة 2015 خطاب الحسم النهائي لقضية الصحراء لتنطلق مسيرات أخرى تنموية وحقوقية وديمقراطية وسياسية وثقافية؟ *أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال