شكل الخطاب الملكي الحدث الأبرز ، وتمت مقاربته من زوايا متعددة إلا من زاوية نظرية تحليل الخطاب التي تحول الخطاب الملكي لميدان معرفي كشف عن جوانب عديدة همت الجهوية المتقدمة واقتصاد الريع وحدود سقف التفاوض حول ملف الصحراء والكشف عن مسؤولية الجزائر والبوليساريو تحويل المساعدات الإنسانية والعمق الإفريقي للمغرب والنموذج التنموي للإقليم الجنوبية وكيفية مواجهة أعداء الوحدة الترابية ومسؤولية الحكومة والمؤسسات التمثيلية وخصوصية الإنسان الصحراوي ، هذه الجوانب التي ظلت مسكوتا عنها لسنوات، الا ان جاء الخطاب الملكي في الذكرى 40 ليفصح عنها ، الامر الذي جعل الخطاب الملكي لا يبحث عن الحقائق بل يفرض حقائقه بلغة كان جلالة الملك واعيا بوزنها في صناعة الفعل السياسي وتوجيه الرأي العام حول جوانب من ملف طال حله لأكثر من 40 سنة.وما دامت اللغة والسياسة في الخطاب السياسي قرينتان متلازمتان، حاولنا مقاربة المفاهيم التي تردد ت أكثر من 6 مرات بنسبة 0.36% من 1656 كلمة مشكلة للخطاب الملكي. الكلمات التردد النسبة المئوية المغرب 27 1.62% الأقاليم الجنوبية 23 1.38 % أبناء الصحراء 15 0.90% النموذج التنموي والتنمية 15 0.90% تندوف والجزائر 14 0.84% الجهوية المتقدمة 12 0.72% الحكم الذاتي 9 0.54% الوحدة الترابية 7 0.42% الحكومة 6 0.36% يتبين من الجدول أعلاه ان مفهوم "المغرب" احتل الرتبة الأولى على مستوى التردد ب 27 ونسبة 1.62% ،والحضور القوي لهذا المفهوم في الخطاب الملكي وفي هذا الوقت بالذات لم يكن أمرا اعتباطيا بل إستراتيجية خطابية لإظهار مميزات "المغرب" في كل أبعاده الجغرافية والتاريخية والجيو سياسية والاقتصادية والدينية والثقافية والاثنية والسيادية والوحدوية لأصدقاء ولأعداء المغرب .واصفا "المغرب" بعدة مواصفات تحمل بين طياتها عدة رسائل سياسية لمن يهمه الامر ، حاولنا ان نحدها على الشكل التالي: **المغرب الموحد ذو العمق الإفريقي: ركز الخطاب الملكي على المغرب الموحد والعازم على جعل الصحراء مركزا اقتصاديا وصلة وصل بإفريقيا عبر تقوية البنيات التحتية والبنيات الطرقية ومحور النقل الجوي نحو إفريقيا للمساهمة في تنمية الدول الإفريقية. وتركيز الخطاب الملكي على العمق الإفريقي للمغرب وجعل الصحراء صلة الوصل بينه وبين إفريقيا فيه عدة رسائل الى من يحاول عزل المغرب للقيام بأدواره الرائدة في العمق الإفريقي ويقصد قادة الجزائر وحلفاءها.لقد كان الخطاب الملكي صارما في تأكيد فشل كل القوى المعادية للمغرب في تحقيق إغراضها في خلق صرخ بين المغرب والدول الإفريقية نتيجة سياسة المغرب الواقعية والبراكماتية والتنموية وجهوده السياسية والتنموية اتجاه الدول الإفريقية.وعلى هذا الأساس اعتبر الخطاب الملكي ان تطبيق النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية يعد دعامة لترسيخ إدماجها بصفة نهائية في الوطن الموحد، وتعزيز إشعاع الصحراء كمركز اقتصادي، وصلة وصل بين المغرب وعمقه الإفريقي. **مغرب الجهوية المتقدمة: أكد الخطاب الملكي عزم المغرب جعل الأقاليم الجنوبية في صدارة تطبيق الجهوية المتقدمة عبر بلورة عقود- برامج، بين الدولة والجهات، لتحديد التزامات كل طرف، بخصوص إنجاز المشاريع التنموية ،مطالبا الحكومة للإسراع بتفعيل المقتضيات القانونية، المتعلقة بنقل الاختصاصات، من المركز لهذه الجهات، ودعمها بتحويل الكفاءات البشرية، والموارد المادية اللازمة، في أفق تعميم هذه التجربة، على باقي جهات المملكة عبر الإسراع ببلورة ميثاق حقيقي لعدم التمركز الإداري يعطي للمصالح الجهوية الصلاحيات الضرورية لتدبير شؤون الجهات على المستوى المحلي لكن السؤال الذي يطرح هل النخب والمؤسسات التي تم انتخابها يوم 4 شتنبر مؤهلة ان تكون في مستوى الاختصاصات المخولة للجهات؟ . **مغرب الوفاء والالتزام: اكد الخطاب إن المغرب انه بلد إذا وعد وفى، قولا وفعلا، ولا يلتزم إلا بما يستطيع الوفاء به.وفي اتهام غير مباشر للجزائر اشار الخطاب الملكي ان المغرب لا يرفع الشعارات الفارغة الخادعة ولا يبيع الأوهام لسكان تندوف، بل انه يقدم الالتزامات ويلتزم بها وينفذها على أرض الواقع مبرهنا على ذلك: ا- بإنزال الجهوية المتقدمة على أرض الواقع ، بمؤسساتها واختصاصاتها- تأسيس المغرب الديمقراطي عبر تمكين سكان أقاليمه الجنوبية من تدبير شؤونهم المحلية، واختيار ممثليهم والمشاركة في المؤسسات المحلية بكل حرية ومسؤولية،-انجاز نموذج تنموي خاص بأقاليمه الجنوبية،وإطلاق الأوراش المهيكلة والمشاريع المدرة للثروة ولفرص الشغل ، وتركيز الخطاب الملكي على مغرب الوفاء والالتزام فيه هذا رسائل الى سكان تندوف بالجزائر ليقارنوا ما يعد به المغرب سكان الأقاليم الجنوبية وبين وعود القادة الجزائريين وقادة لبوليساريو الذين ما زالوا يبيعون الأوهام لسكان تندوف لأكثر من 40 سنة في ظروف اقل ما يقال عنها أنها غيرإنسانية. **المغرب وصحراء الأمن والاستقرار: اكد الخطاب الملكي بأن الصحراء المغربية هي اليوم ، أكثر المناطق أمانا ، في جهة الساحل والصحراء مفنذا بذلك ادعاءات الأعداء ومخاطبا الشركات الدولية ورؤوس الأموال الأجنبية لاستثمار في الأقاليم الجنوبية التي تنعم بالامن والاستقرار ضمن المغرب الموحد خصوصا في ظل الجهوية المتقدمة وبرامج النموذج التنموية الخاص بجهات الصحراء.وقد عبر جلالة الملك على الامن والاستقرار بالصحراء بجولاته عبر شوارع وازقة مدينة العيون دون أي حراسة او مراقبة عكس الحصار المضروب على ساكنة مخيمات تندوف بالجزائر التي تعيش تحت الاقامة الجبرية. **مغرب الصرامة والحزم: بلغة قطعية وصارمة وجريئة اكد الخطاب الملكي ان مغرب اليوم يرفض كل تشكيك في سيادته على المناطق الجنوبية ،او في الوضع القانوني ، ومضيفا التزام المغرب بجعل الصحراء المغربية مركزا للتبادل ومحورا للتواصل مع الدول الإفريقية جنوب الصحراء، وبوضع البنيات التحتية اللازمة لذلك. الخطاب الملكي حول قضية الصحراء كان خطاب الحسم والصرامة مقابل خطاب العبث والتردد الذي تمارسه قادة الجزائر وقادة البوليساريو منذ سنة 1975. **الاقاليم الجنوبية: احتل هذا المفهوم الرتبة الثانية ب23 ترددا ونسبة 1.38 % وهو امر عادي ما دام ان الزيارة تمت بهذه المناطق والخطاب الملكي القي بعاصمتها العيون والمناسبة هي المسيرة الخضراء التي على اثرها تم استرجاع هذه المناطق التي وفر لها المغرب كل الشروط لتوطيد الوحدة الوطنية،والاندماج الكامل في الوطن الأم. وفي هذا الإطار، يندرج تفعيل النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، وتطبيق الجهوية المتقدمة بعد مشاركة سكان هاته الاقاليم في انتخابات 4 شتنبر والتي افرزت مؤسسات تمثيلية هي المخولة الوحيدة لتمثيل سكان الصحراء ليمثل هذا الخطاب وما اتخذ فيه من قرارات تهم ملف الصحراء ضربة قاضية لحكام الجزائر وصنيعتها جبهة البوليساريو.والمتأمل في كيفية استقبال ابناء الصحراء لجلالة الملك بالعيون خير دليل على ذلك اك. **النموذج التنموي الجهوي: احتل المفهوم المرتبة الثالثة ب 15 ترددا ونسبة 0.90% باعتباره آلية لوضع المناطق الجنوبية على سكة التنمية المستدامة والمندمجة بعد معاناة هاته المناطق من الصحراء من اقتصاد الريع والامتيازات، وضعف المبادرة الخاصة وعقلية التمركز الإداري.والغاية من خيار النموذج التنموي الجهوي هو رغبة المغرب اعطاء حظوظا أوفر، لإيجاد حل نهائي، للنزاع المفتعل حول الوحدة الترابية ، لانه "بعد "ملحمة تحرير الأرض"، و"توطيد الأمن والاستقرار"، ركز المغرب على تمكين أبناء الصحراء من مقومات المواطنة الكاملة، وظروف العيش الحر الكريم عكس ما يعيشه سكان مخيمات تندوف بالجزائر من فقر ويأس وحرمان وعزلة بعد تحويل ابناء الصحراء الأحرار الكرام الى متسولين للمساعدات الانسانية . ** سكان تندوف والجزائر: احتلت الصيغة 14 ترددا ونسبة 0.84 % محتلة بذلك مرتبة متقدمة في الخطاب الملكي.ويلاحظ المتتبع للخطابات الملكية ان حضور الجزائر وتندون بهذه المواصفات في هذا الخطاب يحدث لأول مرة ، وقد يعود الأمر في ذلك لشروط انتاج الخطاب ذاته والذي تزامن مع عودة الملك من الهند بعد حضور المؤتمر الاسيوي – الافريقي ومواجهته القوية مع الوفد الجزائري الذي حاول تضليل الراي العام حول ملف الصحراء . وبلغة الأرقام عرى الخطاب الملكي حقيقة القادة الجزائريين وقادة البوليساريو الذين يتاجرون بقضية سكان تندوف محولين مأساة مجموعة من نساء وأطفال الصحراء إلى غنيمة حرب، ورصيد للاتجار اللامشروع ووسيلة للصراع الدبلوماسي. وبلغة انسانية خاطب ملك المغرب سكان مخيمات تندوف: هل أنتم راضون على الأوضاع المأساوية التي تعيشونها؟ وهل تقبل الأمهات بمشاعر اليأس والإحباط لدى أبنائهن والأفق المسدود أمامهم؟ مجيبا ان ملك المغرب لا يرضى لهم هذا الوضع اللاإنساني فاتحا امامهم فرصة الالتحاق بالوطن للعيش الكريم في المناطق الجنوبية . **الحكم الذاتي اعلى سقف للتفاوض: أعاد الخطاب الملكي ما أعلنه في خطاب 2014 بعد تأكيده ان المغرب رغم عدالة قضيته، فقد استجاب المغرب، سنة 2007، لنداء المجموعة الدولية، بتقديم مقترحات، للخروج من النفق المسدود، الذي وصلت إليه القضية فجاءت مبادرة الحكم الذاتي التي شهد المجتمع الدولي، بجديتها ومصداقيتها.مضيفا ان تطبيقها يبقى رهينا، بالتوصل إلى حل سياسي نهائي في إطار الأممالمتحدة.وبلغة صارمة اكد الخطاب الملكي إن هذه المبادرة هي أقصى ما يمكن للمغرب أن يقدمه.، مؤكدا مخطئ من ينتظر من المغرب، أن يقدم أي تنازل آخر. لأن المغرب أعطى كل شيء.وبهذه الصرامة اكد الخطاب الملكي استكمال المغرب لوحدته الترابية ، وهو ما أحدث صدمة نفسية و وأزمة سياسية وزلزالا مدويا عند قادة الجزائر وقادة البوليساريو. ** مسؤولية الحكومة والجهوية المتقدمة: دستوريا وقانونيا تتحمل الحكومة مسؤولية كبرى في: – تفعيل مضامين الخطاب الملكي-اعادة هيكلة منظومة الدعم الاجتماعي، لتكون أكثر شفافية وإنصافا، في التزام بمبادئ المساواة، والعدالة الاجتماعية، التي تطالب بها أغلبية الفئات المعنية-القيام بالقطيعة الفعلية مع اقتصاد الريع والامتيازات، وضعف المبادرة الخاصة، وقطيعة مع عقلية التمركز الإداري – إقامة محور للنقل الجوي بالأقاليم الجنوبية نحوإفريقيا. -الإسراع بتفعيل المقتضيات القانونية، المتعلقة بنقل الاختصاصات، من المركز لهذه الجهات، ودعمها بتحويل الكفاءات البشرية، والموارد المادية اللازمة، في أفق تعميم هذه التجربة، على باقي جهات المملكة – إنجاز عدد من الأوراش الكبرى، والمشاريع الاجتماعية والصحية والتعليمية بجهات العيون الساقية الحمراء، والداخلة وادي الذهب، وكلميم – واد نون- تقوية الشبكة الطرقية بالمنطقة بإنجاز طريق مزدوج، بالمواصفات الدولية، بين تيزنيتالعيونوالداخلة – بناء خط للسكة الحديدية، من طنجة إلى لكويرة، لربط المغرب بإفريقيا-استكمال الخط بين مراكش ولكويرة-بناء الميناء الأطلسي الكبير للداخلة، وإنجاز مشاريع كبرى للطاقة الشمسية والريحية بالجنوب، وربط مدينة الداخلة بالشبكة الكهربائية الوطنية. لقد شكل الخطاب الملكي خارطة طريق للحكومة في تدبير ملف الصحراء فهل ستكون الحكومة في مستوى مضامين الخطاب الملكي ؟ **ما بعد الخطاب الملكي: لا يخالف أحد الرأي بأن الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 40 للمسيرة الخضراء كان خطابا ثوريا في شكله ومضمونه وتعرض لقضايا بالغة الأهمية والحساسية ولمجالات ذات ابعاد جيو سياسية . فهل الحكومة الحالية ؟ والمؤسسات التمثيلية المنتخبة بالاقاليم الجنوبية ؟ والاحزاب السياسية ؟ واعيان القبائل وشيوخها سيكونون في الموعد التاريخي لجعل تخليد الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء ليس حدثا عاديا، أو احتفالا عابرا، بل مرحلة فاصلة في تاريخ استكمال الوحدة الترابية للمملكة؟. وتوطيد الأمن والاستقرار، لتمكين أبناء الصحراء من مقومات المواطنة الكاملة، وظروف العيش الحر الكريم؟ كما جاء في الخطاب. اطرح هذه الاسئلة ليس لجلد الذات ولكن للتنبيه بان توقيت ومكان وشكل ومضامين ورسائل الخطاب الملكي هذه السنة سيكون لع عدة تداعيات محلية وجهوية ووطنية وإقليمية ودولية. ان نبرة خطاب جلالة الملك ستحدث زلزالا سياسيا مدويا عند الانفصاليين والمستفيدين من الريع والامتيازات وبعض النخب والعائلات الصحراوية التي صنعتنهم السلطة، وسيحدث صدمة كبرى لدى قادة الجزائر والبوليساريو وأزمة عند ساكنة تندوف بالجزائر ومن المرجح ان يختار قادة الجزائر وقادة البوليساريو ردود فعل انتحارية على الخطاب الملكي لانه قضى على كل احلامهم وأوهامهم وإستراتيجيتهم، وسيدفع بالمجتمع الدولي تحمل مسؤولياته اتجاه دور الجزائر في إعاقة كل حل لهذا النزاع المفتعل . عموما كان خطاب الذكرى الاربعين للمسيرة الخضراء قويا وصارما وبقدر قوته وصرامته ستكون ردود فعل أصدقاء وأعداء الوحدة الترابية، لقد جاء الخطاب الملكي ناطقا باسم الحقيقة والواقعية بعيدا عن خطابات التبرير او الدفاع او اللغو او التشكي والتضخم اللغوي، كان خطابا انطولوجيا سمى الأشياء بأسمائها ورقى بالعلاقة الجدلية بين اللغة والسياسة مما جعل لغة الخطاب تتألق كمرجعية داخل عالم السياسة لكن السؤال الذي يطرح هنا هو: متى وكيف ستلتزم الحكومة والنخب والمؤسسات الصحراوية بإنزال الجهوبة المتقدمة والبرنامج التنموي؟ وكيف ومتى ستنطلق عملية تطبيق القطيعة مع كل أشكال الريع والامتيازات المهيمنة بالاقاليم الجنوبية ؟ ومتى سيتم الالتزام بقيم المواطنة كواجبات وكحقوق عند ساكنة الصحراء اسوة بباقي المواطنين بكل جهات المملكة؟
*د.ميلود بلقاضي استاذ التعليم العالي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية. اكدال الرباط [email protected]